“وللحلم بقية.. إلى غزة” ..

والآن.. سأظل أقاتل من أجل حلمي.. إلى أن أرى امتداد بحر لا ينتهي عند مَد النظر.. وبيوت الصفيح في المخيمات.. والشوارع الضيقة وما تبقى من الحارات.. ولأغني مع أحبتي هناك أغانيَ تُرهب الأعداء وتكسرهم ذبذبات الصوت الصاعد من قاع الروح..

عربي بوست
تم النشر: 2015/08/20 الساعة 05:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/08/20 الساعة 05:46 بتوقيت غرينتش

الأحداث: أثناء الحرب على غزة قبل عام..
نصحو على صوت الهاتف.. أنا وأطفالي.. في أحد فنادق أنطاليا المملة.. كانت الساعة الثامنة والنصف صباحًا..

– ألو.. الحافلة في انتظاركم في الخارج.. (موظف الاستقبال).
* أي حافلة؟

– الحافلة التي ستقلّكم إلى المطار.
* كيف؟ موعد سفرنا.. التاسعة والنصف ليلاً..

– سيدتي لا أعرف.. عليك إخلاء الغرفة فورًا.
نهضنا كالصعقة.. نلمّ أمتعتنا.. نفرك أسناننا نصف صاحين.. نرتدي أي شيء.. نحشو الملابس والأحذية في الحقائب.. نتخبّط كالمحاصرين..

يا لعنة الإخلاء.. كأنه نزوح تحت القصف لا تحت الشمس والسماء الزرقاء وليل ساحر..

لم أكن منزعجة من طريقة الإخلاء.. بل لأنهم نزعوا مني حلمي الجميل.. كنت أحلم أن طبيبي اتصل بي ليعاتبني قليلاً على أنني هربت لأكثر من شهرين من العلاج..

وبعدها غيّر الموضوع وبدأ يحدثني بحماس كبير عن دخوله إلى غزة..
قال: "ذهبت كي أنقذ حياة مَن يمكنني إنقاذه"..
لكن القصف لم يتوقّف أثناء حديثه.. صارت الأصوات تتحول إلى مشاهد في خيالي.. طائرات الميغ أو ال F16 وهي تقصف.. الانفجارات والأشلاء والدم.. رأيت كل شيء كأنه حقيقة.. رغم أنه حلم..

ابتسمت وقلت له:
* أنا فخورة بك.. وأفتخر أن طبيبي المُعالج.. يغامر بحياته ويذهب إلى غزة رغم الحرب المروعة.. في المرة القادمة ستأخذني معك وتقول إنني مُمرضة.. أرجوك أريد أن أدخل غزة..

كنت أعرف.. أنني هذه المرة إن دخلتها.. لن أغادرها أبدًا..
رنين الهاتف لا يتوقف مجددًا.. صوت موظف الاستقبال التركي الذي لا يعرف إلا بضع جُمل بالإنجليزية.. يستخدمها كآلة التسجيل الصوتي في الهواتف.. ها هو يُبلّغني بالإخلاء..

اللعنة.. قطع حُلمي هو ومعلوماته حول تغيير موعد الطائرة وصوته القبيح الذي بان لي أنه لم يشرب قهوة الصباح.. قطع عليّ تسلسل الحلم..

يا إلهي.. لو انتظر دقيقة واحدة.. والله دقيقة واحدة كانت تكفي أن أدخل غزة التي أعشق..

حينها.. لن يوقظني لا رنين الهاتف ولا مواعيد الطائرات ولا صوت موظف الاستقبال ولا تركيا كلها..

رغمًا عن هذه الرحلة التي لم أرتشف في صباحاتها فنجان قهوة يوقظ الحواس.. ولم يسعني الحلم المبتور أن أدخل إلى غزة.. إلا إنّني الآن في فلسطين.. سأواصل حلمي وسأعود إليها يومًا..

وريثما يتحقق.. تبرعت قبل عام بصوتي وبريع كل حفلاتي في النرويج.. إلى مراكز تأهيل الجرحى والمصابين في غزة.. بعد حرب الكيان الصهيوني الإرهابي عليهم.. هي محاولة متواضعة لكسر العجز..

والآن.. سأظل أقاتل من أجل حلمي.. إلى أن أرى امتداد بحر لا ينتهي عند مَد النظر.. وبيوت الصفيح في المخيمات.. والشوارع الضيقة وما تبقى من الحارات.. ولأغني مع أحبتي هناك أغانيَ تُرهب الأعداء وتكسرهم ذبذبات الصوت الصاعد من قاع الروح..

سنظل نغني من رحم فلسطين.. حيث يولد كل ورد الأرض.. وكل نَفَس مُقاوم..
سنظل نغني..
ونغني..
وللحلم بقية..

ملحوظة:

المقالات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع

علامات:
تحميل المزيد