وَفِي الاحتِضَانِ وَالتَقْبِيلِ دَوَاءُ..

الخلاصة إذاً أن الاحتضان والتقبيل أضحى سلاحًا وُجوديًّا مُهمًّا لحماية نفسك وأسرتك ومن تُحب من هَجمة جَحافل البُغض التى تتصدر المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي الآن

عربي بوست
تم النشر: 2015/08/19 الساعة 10:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/08/19 الساعة 10:27 بتوقيت غرينتش

عزيزى الرَجُل المُجتَهد الناجح المُهتم بِكُلِ شَيء.. بتجارتك وأعمالك، وبأخبار البورصة والغرفة التجارية، ومُهتمٌ بأصدقائك وحَريصٌ على قُرْبِهم وودُهِم، ومهتم بنفسك ومزاجك وهواياتك، وبالطبع مهتم بأسرتك وأولادك، وهل تَكِّدُ وتَكدَحُ إلا من أجل رَفَاهِهِم وسَعادتِهم، وإتاحة الطعام والشراب والفاكهة والحلوى بوفرة، والبيت الكبير الفخم، والثياب الأنيقة الحديثة، والسيارة الفارهة، والذهب والفضة والخيل المُسَّومة، والسَفر والتسوق آناء النهار، والسهر والاحتفال آناء الليل، وكل ذلك وغيره من المزايا والمُتَعِ المادية والحِسّية، على اعتبار أنها كَفيلة بأن تجعل أسرتك وأولادك يَرفِلُونَ فى لباس السعادة والهناء، وتجعلك مُطْمَئِنَ البَال مُرتَاحَ الضمير، ظَناً منك أنك تُؤدى واجبك تِجَاهُهم على أتم وَجه، ولكن هَيهات يا صديقي أما سمعت قول الحُطيئة:

ولَستُ أرى السّعادة جَمع مالٍ ولَكِنَّ التَقيّ هو السَّعيدُ..

ومن ذلك أن تتقى الله فى أهل بَيتك، بِالحَدْبِ عَليهم وخَفضِ الجَناح لَهم، وإظهار لِينِ الجَانب، والإكثار من اللمسة الحانية، والاحتضان والتقبيل، فى الخُروج وفى الدخول، تَأسّياً بِفِعلِ نبينا الكريم الحَنون محمد، صلى الله عليه وسلم، مع أزواجه، لا سِيّما عائشة، رضى الله عنه، حتى أنه كان من بِينِ أسباب حِرصهِ على استعمال السِواَك ورَونَقِ الأسنان، تِأهّبُه واهتمامه لِتَقبيلِ زوجاته فى أى وقت.

وقد أثبتت الأبحاث العلمية أن احتضان الزوجة وتَقّبِيلهَا يتناغم مع طبيعتها العاطفية الجَيّاشة التى فَطرهَا الله عليها، فهذا الاحتضان والتَقّبِيلُ يُرسِل من خلال النهايات العصبية الموجودة في الشِفَاه رسائل إلى مناطق فى المُخ والجسم، تُحدِثُ انفعالاً عاطفيًّا قويًّا وشُعورًاً لذيذًا وغامرًا بالبهجة، يُساعد على تَحفيز الهرمونات الصانعة للحُب والسعادة، والتى تَرّفعُ بِدوّرِهَا من مُستويات النَواقلِ العصبية، مثل الدُوبَامِين الذي يُعزز الشُعورَ بالرغبة والشَّغَف، والسِيروتُونِين الذي يُحسّن المِزَاج، والأوكسيتوسين أو "هُرمون الحُب" الذي يُفرزه الجسم في حالات الحُب والثقة والارتياح للشخص الآخر، والمسئول أيضًا عن تَعزيز وتقوية الروابط العاطفية والرومانسية والاجتماعية بين المُتحابين..

وفى المُقابل فإن احتضان الزوج لزوجته وتقبيلها يُساهم بدوره فى التقليل من إفراز هُرمون "الكُورتِيزول" المُسبب للضُغوط والانفعال والتوتر، مما يكون له أطيب الأثر على الحالة الصحية والنفسية للزوجين معًا، حيث يَقضِى على الحُزن والاكتئاب ويُقلّل من احتمالات التَعرّض لأمراض القلب وضغط الدم، بل والسرطان أيضًا.. فاحتضان الزوج لزوجته كل صباح وفى خُروجه وعَودته من وإلى البيت، يُعطي كِليهما دَفعة قوية للابتهاج والتفاؤل، فَيُقْدِمُ كل مِنهُمَا على عَملِه _ إن كانت الزوجة تَعمل_ إيجَابِياً بَاسم الثَغْرِ، وتَقوم هى بِدَوّرِهَا مع أسرتها فَرِحَة سَعيدة مُنشرحة الصَدر.

وكذلك تَقوَى الأب فى الاهتمام باحتضان وتقبيل أبنائه، فثقافة احتضان الأبناء تَكادُ تكون غائبة عن مُجتمعاتنا العربية بِفعل مَوروثات سَلبية خاطئة طال عليها الأمد بكل أسف، فهناك من يعتقدون أن احتضان الأبناء يتسبب فى تدليلهم الزائد، وهم لا يعلمون أن احتضان الأبناء وتقبيلهم في منطقة الخَد أو الجَبين، لا سيما البنات، يكون له الكثير من الفوائد الصحية والنفسية المُتراكمة والمُمتدة بامتداد أعمارهم، وذلك بما يُطلقه من رسائل عَصبية وما يُحدثه من تفاعلات كيميائية تَنقِل إحساسًا لَمسّياً وعاطفياً وشُعوراً بالدِفءِ والطُمأنينة والحنان، ويُساعدُ على زيادة مستوى الذكاء لدى الأبناء، ويَرفعُ من مُعدلات نموهم، بتنشيطه للإندروفين الذى يرفع الإحساس بالأمان ويُقلل من العصبية ويُبّددُ الألم والقلق النفسى.. وليكن لنا فى نَبينا محمد، صلوات الله عليه، القُدوة والمَثَل، فقد كان يَهتم بالأبناء ويَفيض عليهم من حُبه وحنانه، فَيُقبّلهم ويُداعبهم ويُلاعبهم ويسأل عنهم ويُسلم عليهم ويَمسحُ بِيده الشريفة على رؤوسهم، انظر ما رَوته أمنا الحبيبة عائشة، رضى الله عنها، قالت: جاء أعرابيٌّ إلى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: تُقبّلونَ الصبيانَ فما نُقبّلهم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أوَ أَمْلِكُ لَكَ أن نَزعَ اللّهُ من قلبِكَ الرحمة.. وعن أبي هريرة قال: قَبَّل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين وعنده الأقرع بن حابس فقال: إن لي عشرة من الولد ما قَبّلتُ منهم أحداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مَن لا يَرحم لا يُرحم.

أما عدم الإشباع العاطفى، الناتج عن إهمال الاحتضان والتقبيل، لا سيما فى تلك الظروف العصيبة التى تَمُرُ بها أمتنا العربية والإسلامية حيث تُظِلّهُاَ سحابة سوداء من دعاوى التَّناحُر والشِّقاق والتَّقاتل والتشَّرذم والانعزال والتَّفرق والإقصِّاء والتَّباغض والكراهية والعُنف والقَسوة.. فيكون سَببًا فى التَّفكُك الأُسَّري، بل قد يُؤدى إلى بعض الأمراض النفسية، ورُبما إلى الانحرافات والجرائم العائلية والخِيانة الزوجية، فَضلاً عَمَّا يَترُكهُ من آثار سَيئة وخَطيرة ودائمة على نُمو الأبناء جِسِّمياً وعَقلياً وعَاطفياً واجتماعياً، ويُفقدِهُم الثقة بأنفسهم، فيُصبحون ضِعَافاً فى مواجهة الحياة وضُغوطها..

الخلاصة إذاً أن الاحتضان والتقبيل أضحى سلاحًا وُجوديًّا مُهمًّا لحماية نفسك وأسرتك ومن تُحب من هَجمة جَحافل البُغض التى تتصدر المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي الآن، عِلماً بأنه لا يوجد سِنُ مُعينٌ يتوقف فيه الأزواج عن احتضان وتقبيل زوجاتهم، ولا الآباء والأمهات عن احتضان وتقبيل أبنائهم، أو إهمال ما يُسَّمِيه العلماء (التفاعل الجَسد حِسِّي) معهم، بِحجةِ أنهم كَبروا على ذلك، فأكثروا من احتضان وتقبيل أزواجكم وأولادكم فإنهم لم ولن يَكبروا على الاحتضان والتقبيل.

تحميل المزيد