وكما أشرت سالفًا فقد اتخذنا قرارنا الحكيم حكمة كل قرارتي السابقة (الحمد لله على نعمة التواضع) بإعلان منزلنا العامر مملكة ونصبت نفسي رئيسة للوزراء على النظام الإنجليزي.
وكان لا بد من إعلان القرار على الرعية.. وهكذا جمعت أهل المنزل في ميدان الليفنج رووم.
وتوسطتهم وقد تقلدت صولجاني وكبريائي وطموحات عظيمة جمعتها في وقفة شموخ أعطتني إحساسًا أنني أطول منهم جميعًا مع أنني أقصرهم طولًا.. نظرت لهم من عل (أي والله من عل "ودققت بصولجاني الأرض (قصدي بالمقشة) حتى يعم الهدوء، وأعلنت القرار الهام:
من اليوم وطالع أنا المتحكم الآمر الناهي، الصارف المانع، المصدر للقوانين والمراقب على تنفيذها والمعاقب على خرقها، أو العفو عن الأحكام سواء عفوًا كاملًا أو مشروطًا.
نظرت إليهم مليًّا (هي اسمها مليًّا كده في كتب الناس الفخيمة) وانتظرت رد الفعل.. وتشبثت جيدًا بالمقشة (قصدي الصولجان) حال حدوث أي حالات شغب أو أية نزعة عنترية قد تراود أحدهم عن نفسه، وفجأة ..
انفجر الجميع في الضحك.. ضحكات هستيرية وصلت لحد الدموع والشهقات والتمرغ أرضًا.. فقط وحده أبو الأولاد لم يشاطرهم الضحك.. كان ينظر إليَّ في شفقة ويضرب كفًّا بكف.. وأكاد أكون سمعته وسط صراخ العائلة وضحكاتها يتمتم: "لا حول و لا قوة إلا بالله.. الولية اتجننت"!
نظرت إلى مقشتي بشعيراتها الشعثاء وشعرت أنها تضحك في وجهي هي الأخري.
لملمت شتات نفسي واستجمعت شجاعتي وتشبثت بأحلامي وقررت أن أعيد الأمن المفقود والخنوع المنشود وخبطت على رأس كبيرهم الذي علمهم الضحك حتى يخاف باقي الرعية.
ورد عليَّ الولد المزغود/ ابني الكبير: إنتي أد الكلام الكبير ده يا ماما؟!
ورددت في لهجة جافة قاسية ناشفة عنيفة فخيمة: آه ياض أدها.. وهاوريكم من هنا ورايح.
وأمام الشرر المتطاير من عيني.. خاف العيال من اللسوعة.. وبدأوا يستوعبون أنني جادة في كلامي نظر بعضهم إلى بعض وتبادلوا نظرات امتزجت فيها الدهشة بالقلق ويبدو أن نظرة من والدهم حسمت الموقف لصالحي (هكذا ظننت) ولصالحهم (هكذا ظنوا).
وإلى هنا كان لا بد أن أنهي الجولة الأولى التمهيدية.
دققت صولجاني بالأرض لأعلن ختم الجلسة.. وخرجت وقد رفعت الرأس شموخًا.. وبدأت أفكر في "كيف سأدير المملكة؟"