بدأت تظهر في العراق في الفترة الأخيرة، دعوات تطالب بتغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي بدعوى القضاء على "المحاصصة الطائفية والفساد" وسط موجة من التشكيك بنوايا الداعين إلى ذلك.
الدعوة خرجت بشكل أساسي من حسن سالم، رئيس "كتلة صادقون" المتحالفة مع "إئتلاف دولة القانون" الذي يواجه رئيسه نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، اتهامات بـ"تعيين فاسدين" وتسليم مدينة الموصل لتنظيم الدولة الإسلامية.
"كتلة صادقون" وهي الجناح السياسي لـ"عصائب أهل الحق"، هي أول من بدأت بالدعوة إلى ذلك، إلا أن المعارضون كثيرون.
الساعون للنظام الرئاسي
كتلة" صادقون" قالت إنها ستقوم بحملة جمع توقيعات داخل مجلس النواب لتأييد تعديل الدستور وتغيير النظام في البلاد. مشيرة إلى أعضاء في كتل أخرى يدعمون فكرتها.
الكتلة ترى أن التغيير الذي تتطلع إلى إجرائه كفيل بإنهاء" المحاصصة والتوافقات السياسية التي أنتجت حكومات ضعيفة لا تقوى على مواجهة الفاسدين وناهبي المال العام".
وتعتقد الكتلة أنها ستحصل على تأييد شعبي للنظام الرئاسي، رغم أنها لا تملك سوى مقعد واحد في البرلمان.
محاولةٌ لركوب ِموجة التظاهر
في المقابل، كان زعيم "التيار الصدري"، مقتدى الصدر الذي يمتلك نفوذا داخل البرلمان، قد تحدث حول المطالبات الداعية للنظام الرئاسي، قائلا إنه "سينتهي بتحَكّم شخص بمصير العراقيين".
المتحدث باسم التيارقال لـ"عربي بوست" إن الكتل السياسية المنضوية تحت مظلة التحالف الوطني "تسعى لركوب موجة التظاهر ومصادرة جهود المتظاهرين عبر الترويج لأهمية تغيير النظام السياسي في البلاد".
وحذر الشيخ صلاح العبيدي تلك الأطراف من مغبة المضي "في نهجها الانتهازي، لأن عواقبه قد تكون وخيمة عليها".
بينما أعتبر رئيس المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم في بيان له هذه المطالب بـ'' المثيرةِ للإستغراب''، لافتاً أن مقارنة العراق بالأنظمة الرئاسية في الدول المستقرة أمرٌ لايستقيم مع المنطق والواقع.
ترف سياسي
يقولُ مروان الجبوري وهو كاتبٌ من بغداد إن شرائحَ واسعة ًمن العراقيين غيرُ مهتمة البتَة بهذا الموضوع لأن الكثيرَ من أولوياتهم غيرُ متوفرة في ظل "غياب الخدمات وتفشي الطائفية السياسية وإنعدام الأمن في الكثير من المدن وتفاقم أزمة النازحين؛ لذا فإن الحديث عن النظام الرئاسي يعد لدى الكثيرين ترفاً سياسياً".
الجبوري نوّه إلى وجود مخاوف لدى النخب السياسية من عودة التجربة الدكتاتورية السابقة التي "أتت على الأخضر واليابس في العراق، وهيمنة الحزب الواحد على السلطة والثروات".
لافتا أن بقاء النظام البرلماني "وفقاً لكثير ٍمن السياسيين فيه ضمانٌ لاستمرار مناخ ديمقراطي وإن كانت تشوبُه الكثير ُمن الخروقات والأخطاء".
بكر العبيدي وهو صحفي عراقي أعتبر أن من طرح هذه الأفكار هي "أقلية حزبية'" تسعى للعودة بالعراقيين إلى الدكتاتورية.
العبيدي يرى أن غالبية الشعب العراقي "متمسكٌ بالنظام البرلماني لأنه قدّم تضحيات جسيمة من أجل الوصول إليه، لكنه لم ينفِ وجودَ خلل في عمل البرلمان وتطبيق بنود الدستور".
بينما يرى عدنان العامر وهو إعلامي من بغداد أن "العلّة في آلية تطبيق النظام البرلماني في العراق وأن الحلّ ليس بالتغيير".
ويستدلُ الأمير بالجارة تركيا كنموذج للنظام البرلماني الذي يعتبره تجربة ناجحة إلى جانب العديد من البلدان الأخرى، وينسحب الحال، بحسب العامر "إلى دول تعتمد على النظام الرئاسي وهي أيضا تعكس تجربة مميزة، لكنه في ذات الوقت أعتبر أن ما يطرحه الجانبان'' دعاة التغيير، والمعارضون "حقٌ مشروع".
إصلاحات سياسية شاملة
يبيّن مصطفى حسين وهو مواطن من مدينة النجف أن النظام السياسي في العراق بحاجة إلى "إصلاحات شاملة منها ما يتعلق بالدستور العراقي وأخرى ترتبط بطرق تطبيق القوانين والمواد التي ينص عليها ذلك الدستور"، واصفا النظام الرئاسي بالفاشل لاسيما وأن العراقيين قد ذاقوا الويلات إبان أيامه.
بينما يعتقد خالد محمد وهو مواطن من مدينة بغداد أن النظام البرلماني هو الأفضل إذا ما أستغل بالشكل الصحيح وانتقد محمد المواطنين لتكرار اختيارهم الخاطئ خلال الانتخابات وإيصالهم شخصيات عاجزة وضعيفة وفاسدة إلى سدة الحكم، داعياً العراقيين إلى تجاوز المسمّيات الطائفية والعرقية والتمعن قبيل إختيار من يمثلهم ويحقق تطلعاتهم.
عقدةُ الماضي وآلامُ الحاضر
يجدُ أحمد دعيبل وهو أكاديمي من النجف أن النظام الرئاسي هو الأنجع من ناحيتي المركزية وسرعة تنفيذ القوانين لكنّه يعود مرة ثانية ليقولَ إن معطيات الواقع العراقي الراهنة تجعل من النظام البرلماني الأنسبَ للبلاد في الوقت الحالي.
ويضيف دعيبل أن تجربة َالـ35 عاماً التي رزح تحت وطأتها العراقيون ومحاولاتِ "بعض الأحزاب الدينية" الاستئثارَ بالسلطة من جديد بعد عام 2003 جعلتْ أبناءَ الرافدين لا يستسيغون مجردَ التفكير بالنظام الرئاسي وليس الإنتقال إليه.