“الهجرة الكبرى” للسوريين تبدأ بمتاعب كثيرة.. أسهلها “التوفير”

ما أن أطلقت الباخرة صافرة الرحيل حتى بدأ الركاب التقاط صوراً تذكارية يوثقون فيها مرحلة من مراحل هجرتهم الطويلة والتي يعتبر ميناء طرابلس شمال لبنان جزءاً منها.

عربي بوست
تم النشر: 2015/08/17 الساعة 13:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/08/17 الساعة 13:39 بتوقيت غرينتش

ما أن أطلقت الباخرة صافرة الرحيل حتى بدأ الركاب التقاط صوراً تذكارية يوثقون فيها مرحلة من مراحل هجرتهم الطويلة والتي يعتبر ميناء طرابلس شمال لبنان جزءاً منها.

500 راكب سوري هربوا من الحرب في سورية واستقلوا هذه الباخرة باتجاه تركيا، ومنها إلى الدول الأوروبية لمن يحالفه الحظ، بحثاً عن مستقبل أفضل لهم ولعائلاتهم.

كانت الحركة قليلة في مرفأ طرابلس، الذي افتتح قبل خمس سنوات خطاً سياحياً باتجاه مرفأ مرسين في تركيا، ولكنها بدأت تتضاعف بشكل تدريجي لتبلغ ذروتها في الآونة الأخيرة مع تحوّله إلى مركز انطلاق للسوريين الهاربين من الحرب الدائرة في بلدهم إلى تركيا، فضلاً على أنها اليوم شريان حيوي للبنانيين فيما يتعلق بتصدير منتوجاتهم إلى دول الخليج العربي تحديداً بعد إقفال معبر نصيب بين الأردن وسوريا.

الأمر الذي أكده "أحمد تامر" مدير مرفأ طرابلس حيث أشار لـ "عربي بوست" أنّه "كان ينظّم كل أسبوع رحلة واحدة إلى تركيا، لكن في العامين الماضيين ازداد عدد الرحلات ليصل إلى رحلتين في الأسبوع، أما هذا العام فتنطلق يومياً باخرة معظم ركابها من السوريين".

ويطول الانتظار ساعات وأيام!

رحلة السوريين القادمين معظمهم من المناطق التي ما زال النظام السوري يسيطر عليها، مليئة بالمصاعب، حيث يمضي هؤلاء ساعات على الحدود اللبنانية السورية قبل السماح لهم بالدخول من قبل الأمن العام اللبناني، وكذلك يمضون ساعات مماثلة في انتظار موعد انطلاق الباخرة، والتي عادة ما تتأخر بسبب الإجراءات الإدارية من جهة أو نتيجة تأخر وصول بقية الركاب على غرار الرحلة التي انطلقت بتاريخ 6 أغسطس / آب 2015 التي رافقت "عربي بوست" ركابها، حيث انتظروا على متن الباخرة من الساعة 8 مساء موعد انطلاقها المعلن حتى الساعة 6 صباحاً، وذلك بسبب تأخر وصول باصات ركاب سوريين من الحدود نتيجة عراقيل مختلفة.

أبو محمد أحد الركاب، هرب مع عائلته المؤلفة من زوجته و5 أطفال، يقول بصوت خافت بعد أن انتهى من وضع غطاء على طفلته التي كانت نائمة على الأرض في أعلى الباخرة "أمضيت وعائلتي 13 ساعة على الحدود اللبنانية مع مجموعة من الركاب بانتظار الأذن من قبل الأمن العام اللبناني لكي ندخل إلى لبنان، حيث كانوا ينتظرون وصول مندوب الشركة التي حجزت لنا تذاكر السفر كي يتأكدوا من أننا سنغادر لبنان".

وأضاف لـ"عربي بوست" قائلاً "طلبت منا الشركة الحضور إلى مرفأ طرابلس تمام الساعة 6 مساء، حتى لا نتأخر على موعد الباخرة، لكن رغم وصولنا مبكراً إلا أن الباخرة لم تغادر قبل الساعة 6 صباحاً، ما يعني أنني أمضيت مع أولادي ٢٤ ساعة بين الحدود اللبنانية والمرفأ".

خدمة ذاتية… غاز صغير للطبخ!

يقضي الركاب السوريون الرحلة التي تستغرق نحو 12 ساعة، على سطح الباخرة، ليوفروا ثمن حجز غرفة والذي يبلغ 150 دولار أميركي.

تنقسم الباخرة إلى قسمين، قسم الدرجة الأولى ويضم غرف وصالة كبيرة، والقسم السفلي ولا يوجد فيه سوى مقاعد لا تكفي لنصف العدد الذي يكون على متن الباخرة، وهؤلاء هم من السوريين، حيث يتوزعون على سطح الباخرة أو في أي مكان يمكن لهم الجلوس على الأرض.

منهم من ينام على الكراسي ومنهم من يفترش الأرض مستخدماً أغطية أحضروها معهم، في حين تقوم النسوة بتحضير الطعام أو النرجيلة، وبحوزتهن أفران غاز صغيرة لإعداد القهوة والشاي، حتى لا يشترينها من كافيتريا الباخرة لتوفير الأموال التي قد يحتاجونها في مصاريف أخرى.

ويقول كابتن الباخرة ناصر قونيلي لـ"عربي بوست" إن أهمية هذه الرحلات تكمن في "أنها تسدّ فراغاً كبيراً من الناحية الاقتصادية وخاصة بعد إقفال الحدود السورية مع الدول العربية وتركيا، حيث أن معظم الركاب هم من سوريا، وفي هذه الرحلة يوجد حوالي 550 راكب، بينهم 500 سوري".

ولكن الأمر يختلف في رحلة عودة الباخرة من تركيا إلى لبنان التي يقتصر ركابها على "لبنانيين عائدين من أوروبا عن طريق البر، بالإضافة إلى بعض السوريين أو السياح اللبنانيين الذين قضوا إجازاتهم في تركيا" على حدّ قول قونيلي، الذي أضاف "تخرج يومياً هذا العام 7 بواخر من مرفأ طرابلس تحمل على متنها نحو 2500 شخص أو أكثر و90% منهم من سوريا، بالإضافة الى شاحنات النقل الخارجي اللبنانية والسورية".

معظم هذه البواخر كما وصفها قونيلي هي عبارة عن باصات بحرية غير سياحية تمّ تجهيزها لنقل الركاب، وأشار إلى أنه في عمله لا يواجه مشاكل إدارية تذكر باستثناء التأخير عند الجانب اللبناني الذي ضاعف من إجراءاته مع توافد هذا العدد من السوريين، أما فيما يتعلق بالجانب التركي فالأمور أسهل، لكن من وقت إلى آخر يتم إعادة ركاب سوريين إلى لبنان لمنعهم من الدخول إلى تركيا لأسباب مجهولة.

ماذا بعد تركيا!

على الباخرة ثمّة حديث واحد يشغل بال معظم الركاب، وهو "ماذا بعد تركيا وكيف سنغادر إلى أوروبا؟"، مجموعات من الشبان تقف في إحدى زوايا الباخرة كان من الصعب اختراقها فهنا الحذر سيد الموقف ولا مجال لأية مغامرة في الحديث عن الوجهة التي سيذهبون إليها، ولكن هذا الحذر سرعان ما تلاشى تدريجياً بعد دخول الباخرة المياه الإقليمية التركية، لتبدأ روايات الشبان حول البلد الذي يتمنون الوصول إليه والذي ادخروا من أجله آلاف الدولارات.

وعن وجهته يقول خالد، وهو شاب قادم من مدينة حمص "سأهاجر إلى السويد، من أجل اللحاق بأصدقائي الذين سبقوني قبل شهر، وهم اليوم يعيشون هناك لا يواجهون أية مشاكل، فضلاً عن أنّ الدولة هناك توفر للنازحين معظم احتياجاتهم".

ويتابع" الرحلة ليست سهلة وهذا الأمر يتطلب مالاً وجهداً وحظاً جيداً، حيث من الممكن أن تتعرّض لعملية خداع من الشخص الذي سيعمل على إدخالك إلى هناك، وهذا حصل مع عدد كبير من الأشخاص لم يلتزم معهم المهرب وخسروا أموالهم".

المغامرة الصعبة لم تقف بوجه خالد الذي ينتظره المهرب في مرسين ليساعده في الوصول إلى السويد مقابل 4 آلاف دولار فهو "مستعد لدفع أضعاف هذا المبلغ مقابل تأمين مستقبل أفضل لي ولأفراد عائلتي" على حدّ قوله.

لا أحد يحترمنا أو يريدنا!

كلام خالد الذي لم يتطرّق فيه إلى السياسة، لم يرق لصديقه محمد ابن مدينة دمشق والذي تعرّف عليه قرب الحدود السورية اللبنانية، حيث يقول إنه سيغادر لسبب واحد وهو كما قال إنّ "كلمة عربي أو حقوق إنسان لم يعد بمقدوري احتمال سماعها فنحن يتم معاملتنا كالمواشي، وجولة في أي منطقة ببلدنا كفيلة على أن تشهد بما أقول لا أحد يحترمنا ولا أحد يريدنا، حتى من هم معنا في الباخرة من غير السوريين لم يشفقوا على الأولاد النائمين على الأرض، وخاصة أن منهم من يعاني من دوار البحر ونعلم أن الدواء موجود في الدرجة الأولى، ولكن هم أولاد الست ونحن أولاد الجارية". وأضاف أنّ "معظم الركاب هنا يعانون من التقيؤ والإسهال وألم في المعدة، ولم يأت أحد من المسؤولين في الباخرة ليسألنا إن كنا نريد الدواء، ورغم كل ذلك يسألونني لماذا أريد المغامرة بحياتي والرحيل؟".

إلا أن من بين الركاب من قرر المغادرة دون تحديد الوجهة التي ستكون بعد تركيا، ولا الشخص الذي سينقله وهم أغلبية على الباخرة، قرروا السفر إلى تركيا وبعدها البحث عن الشخص الذي يساعدهم في المغادرة إلى أوروبا، وهذا ما بدا واضحا من خلال محاولة بعض الشبان الاقتراب من مكان إقامة الركاب اللبنانيين ومعظمهم من حملة الجنسية الألمانية، حيث بدأوا يطرحون عليهم أسئلة عن الوضع المعيشي هناك وكيفية الوصول إلى ألمانيا وإن كان هناك من حقوق يحصل عليها السوري إن سجل نفسه لاجئا، لكن هؤلاء الشبان لم يحصلوا على جواب شاف ومنهم من عبّر عن امتعاضه من ردة فعل اللبنانيين الذين حصلوا على الجنسية الألمانية.

تحميل المزيد