سن الخمسين.. خط زمني تتسابق أمهات الأسرى الغزيات لتجاوزه

على عكس طبيعة النساء، تحلم أمهات أسري غزة في السجون الإسرائيلية بالوصول إلى سن الخمسين، فعندها فقط تستطيع أن تلمس ابنها وتحتضنه وتتحدث إليه في زيارة بدون حاجز زجاجي.

عربي بوست
تم النشر: 2015/08/13 الساعة 05:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/08/13 الساعة 05:07 بتوقيت غرينتش

على عكس طبيعة النساء، تحلم أمهات أسرى غزة في السجون الإسرائيلية بالوصول إلى سن الخمسين، فعندها فقط تستطيع الأم أن تلمس ابنها وتحتضنه وتتحدث إليه في زيارة بدون حاجز زجاجي.

أزمة البعد عن الأبناء لسنين طوال، ألم تعانيه أمهات الأسرى بسبب تباعد مواعيد الزيارات التي تتم كل 6 شهور، وتكون في لقاء عبر الهاتف ومن خلف الزجاج بلا أحضان تروي شوقهن، إلا أن الأمهات فوق سن الخمسين يمكنهن أن يروين شوقهن بحضن الأبناء.

"عربي بوست" غاصت في قلوب بعض الأمهات الحالمات ببلوغ سن الخمسين، وتابعت استعداداتهن لليلة الزيارة وآلامهن بعد انتهائها.

حلم العام الخمسين!

"أربعة عشر يوما" وتكمل عامها الخمسين، ورغم ذلك فهي الأطول في حياة والدة الأسير أم محمد العمصي من مدينة غزة، فبعدها ستتحقق أمنيتها في أن تضم ابنها المحكوم عليه بعدة مؤبدات قضى منهم 6 سنوات بالسجون الإسرائيلية دون أن تحضنه ولو مرة واحدة، فالحديث إليه يكون عبر لوح زجاجي سميك وهاتف متقطع الصوت.

اليوم تجلس لتحضير الكلمات التي ستهمس بها لابنها خلسة عندما سيسمح لها ضابط الأمن بالدخول والتقاط صورة تذكارية معه كبقية الأمهات والزوجات اللواتي تخطين سن الخمسين.

لحظات صمت عاشتها "عربي بوست" برفقة والدة العمصي وهي تسترجع استعدادها لليالي الزيارات السابقة، فتقول: " كنت لا أعرف طعم النوم وأشغل نفسي بأعمال المنزل، حتى يأتي الفجر، أصلي وأخرج إلى محطة الباصات".

تخرج من البيت مسرعة وتتخذ مقعدها في الباص وتغمض عينيها لتهيئة الأحاديث التي سترويها لابنها، لكن بمجرد رؤيته تتلاشى العبارات وتبقى عيونها تكتحل برؤيته وفق قولها.

الحديث بالإشارات عبر الزجاج

حكاية العمصي تتكرر مع أمهات أسرى كثر، فكم هو مؤلم الحديث إلى إحداهن لاسترجاع مشهد اللقاء بأولادها خلف القضبان، فتلك أم تحاول لمس يد ابنها عبر الزجاج وشم رائحته لكن بلا جدوى.

وبمجرد أن يأتي وقت الزيارة ويخرج الأسرى إلى الشبابيك لرؤية ذويهم تتسابق كل أم لمعانقة ابنها عبر الزجاج والتقاط الصور، لكن أم محمد تبقى عيناها معلقتين بالأمل وتنتظر دورها مع عدد آخر من الأمهات حتى يسمح لهن بالدخول في المرة المقبلة.

وتصف أم محمد مشاعرها لحظة رؤيتها لأسير يحتضن أمه قائلة: "أتمنى لو كنت مكانها، لكن ابني يصبرني بالقول "كل شيء في وقته".

وتتهيأ العمصي للحظة احتضانها لولدها محمد قائلة بعفويتها "سأكسر عظامه حين أحتضنه"، مشيرة إلى أنها في الزيارة الأخيرة كانت متلهفة لضمه فمازحته بالقول "ماذا يحدث لو كسرت الزجاج وحضنتك" لكن بمجرد أن انهت كلماتها جاءتها المجندة (الإسرائيلية) لتقول: "انتهت الزيارة إلى الباصات".

العمصي مازالت تلوح لابنها حتى صعدت إلى الباص وأغمضت عينيها ثانية تسترجع القصص التي دارت بينهما، وتتذكر ابتسامته وكلماته الأخيرة حين طلب منها الرضا والسلام على اخوانه.

"أم بهاء"

معاناة أمهات الأسرى مستمرة، فبمجرد أن طلبنا رقم هاتفها أجابت والدة الأسير بهاء القصاص-70 عاما- مرحبة بالحديث وحين علمت أن اتصالنا جاء للسؤال عن ابنها وكيف تلقاه عند الزيارة اختنق صوتها من شدة البكاء وهي تردد " ااه يا حبيب أمك اشتقتلك".

وبعد أن هدأت راحت تصف أول زيارة لها وهي تضم بهاء قائلة بصوت مشتاق: "عندما فتح الباب لألتقط صورة معه احتضنته وشعرت أنه حر (..) ولم أسمح لعيني أن ترمش حتى انتهت الدقيقتان المسموح لنا باحتضان ابنائنا فيهما".

مضيفة: بعدما مضى الوقت حاول ضابط الأمن إخراجي لكن ابني أمسكني وسألني عن إخوانه وهمس في أذني ضاحكا "هل وجدت عروسة لي؟".

أمضى بهاء 12 سنة في المعتقل وتبقى مثلها من مدة الحكم عليه، ما جعل والدته تتساءل "هل سأعيش لأفرح به كبقية إخوانه أم سأموت وألحق بزوجي وفرحتي منقوصة؟".

لم تكمل الحديث لتروي بقية تفاصيل مشاعرها عند لقائها فلذة كبدها فدموعها وأنينها سبق كلماتها حتى اختنقت فأغلقت الهاتف.

"أمي مريم"

وهنا في محطتنا الثالثة حكاية أخرى لفدائية عاشت في المخيمات اللبنانية جاءت لفلسطين لتعيش وأبناءها بغزة، هي الستينية مريم والدة الأسير مروان عبد العزيز والمحكوم 99 عاما.!
تحدثت بصوتها القوي عن لحظة رؤيتها له للمرة الأولى بعد 15 عاما كيف رحل صوتها وحل نحيبها.

دقائق عدة حتى أنهت والدة مروان بكاءها، ومن ثم روت تفاصيل حضنها الأول لابنها داخل سجنه قائلة: "حين ركبت الباص بدأت قدماي ترتجفان وأهالي الأسرى يسألونني ماذا حل بك؟، فأخبرتهم أنها المرة الأولى التي سأرى فيها ابني وبعدها التزمت الصمت وحدثت نفسي ماذا سأروي له من تفاصيل حياتنا في الخارج، لكن في حضرته لم أستطع قول شيء".

وتابعت: "حين دخلت وأمهات الأسرى إلى السجن بدأ الشباب يدخلون واحداً تلو الآخر لكني لم أتعرف على ابني في بداية الأمر لأني لم أره منذ سنوات طويلة "، وكان ابني رقم 10 وحين تعرفت عليه بدأت أصرخ فجاءني مسرعاً وعانقني وحملني وبقي يقول لزملائه " أمي مريم".

وخلال حديثها معه عاتبته لأنه لم يتصل بها مدة شهر كامل فأخبرها أنه أمضى وقته في زنزانة بعدما أمسك به أحد الجنود وهو يهاتفها عبر هاتف محمول تمكن من إدخاله إلى السجن بمساعدة ذوي أحد الأسرى.

انتهت دقائق العناق بين مريم وابنها الأسير وكأنها لمحة بصر حتى جاء الجندي ليخرجها لكنها بحسب روايتها بقيت متشبثة به والجندي يردد "انتهى الوقت"، وبعفويتها طلبت منه قائلة: "اعتقلني أسبوعا أريد البقاء مع ولدي".

زوجة عطا الله تتمنى كسر الزجاج

ربما حال الأربعينية زوجة الأسير ناهض عطا الله أفضل من سابقتها فهي لم تعد تنتظر بلوغها سن الخمسين كونها ستستقبل زوجها الغائب عنها خلال العشرة شهور المقبلة.

ورغم ذلك فإنها تشعر بالألم حين ترى زوجات الأسرى وأمهاتهم يدخلن ويسلمن عليهم واصفة حالها: "أتمنى كسر الزجاج والحديث إليه دون حواجز لأخبره عن أبنائه وأحفاده، وأقص عليه كم تتلهف بناته لرؤيته وسماع صوته واحتضانه".

قصص معاناة الأسرى في سجون الاحتلال لم تنته بعد فرغم سياسة التضييق يصر الأب الكفيف على الذهاب إلى ابنه متكئا على عكازه لزيارته وسماع صوته، وكذلك يحلق الأب الشيخ لحيته كي يسمح له بزيارة ابنه.

اتفاقية جنيف

وخلال بحث مراسلة "هافنغتون بوست" عن الأعمار المسموح لها بالزيارة وجدت أن اتفاقية جنيف لم تحددها.

كما اتضح أن منع الأسر من زيارة ذويهم وقع منذ عام 1996 حين حددت إسرائيل الفئات المسموح لها بزيارة السجين، وسمحت للزوجة والأبناء والأم والأب، لكنها عادت لتحرم أهالي أسرى مدينة غزة الزيارة عقب خطف الجندي جلعاد شاليط في حزيران 2006.

وعند وقوع صفقة تبادل الأسرى 2011 بين حركة حماس وإسرائيل تم الإفراج عن شاليط مقابل تحرير 1027 فلسطينيا، حينئذ بات يسمح لذوي الأسرى الغزيين يزيارة أبنائهم.

ووفق القانون يحق لذوي الأسرى زيارة أبنائهم كل أسبوعين لكن إسرائيل تسمح بالزيارة كل شهرين أو 6 شهور، بالإضافة إلى تحديدهم للأسماء الزائرة.

تحميل المزيد