بين بث الشائعات والتضليل يبدو التأكد من مقتل قيادي جهادي في سوريا أو أي مكان آخر أشبه بمهمة مستحيلة تتخبط فيها أجهزة الاستخبارات أحيانا لأسابيع أو لأشهر وحتى لسنوات بحسب كوادر سابقين في الاستخبارات الفرنسية.
فمنذ السبت تتحدث شبكات التواصل الاجتماعي عن مقتل عمر ديابي المعروف باسم عمر أومسن، غير المؤكد في هذه المرحلة، والذي أنشأ كتيبة ناطقة بالفرنسية في سوريا وقام بحملة مكثفة للتجنيد عبر الإنترنت.
وصرح وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف الاثنين 10 أغسطس/آب 2015 "أن التحقيقات جارية وليس من قبل أجهزتنا فقط"، مشيرا إلى ان الرجل يعتبر "مجندا هاما جدا" لشبان فرنسيين.
لكن مثل هذه الإعلانات تتكرر على الدوام. فمنذ شهر مايو/أيار يتكرر الحديث بانتظام على الشبكة العنكبوتية عن وفاة سعيد عارف الجزائري الذي حارب إلى جانب المجاهدين الأفغان، وفرضت عليه الإقامة الجبرية في فرنسا لكنه تمكن من الهرب.
وقبل ذلك رجح مقتل الفرنسي دافيد دروجون الشاب الذي اعتنق الإسلام وانضم إلى صفوف تنظيم القاعدة في أفغانستان ثم في سوريا، أثناء غارة لطائرة أميركية بدون طيار، قبل ان يتم نفي الخبر.
وأكد آلان شويه القائد السابق لاستخبارات الأمن في أجهزة الاستخبارات الخارجية الفرنسية (ديه جيه اس ايه) "في الواقع الأمر بسيط جدا: إن تأكيد مقتل هؤلاء الناس في تلك الأصقاع أمر لا نستطيع فعله"، مضيفا "يجب التمكن من الحصول على الحمض الريبي النووي (دي ان ايه) أو تقاطع شهادات ذات مصداقية. لكنه أمر غير متوافر في هذا النوع من الحالات".
لا إمكانية للتحقق
فالمناطق التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الاسلامية" أو الجماعات المتفرعة من تنظيم القاعدة في سوريا والعراق ليست بمتنأول عملاء الاستخبارات الأجنبية، خاصة وأن خطر العمل فيها مباشرة كبير جدا مع تعدد عمليات قتل من يشتبه بأنهم جواسيس.
وقال آلان شويه "بالنسبة لإمكانية الوصول إلى الأرض لا أعتقد أن بإمكاننا أو إمكان أحد القيام بذلك"، مؤكدا أن "الأمر خطر للغاية". "يتوجب عدم التفوه بترهات. ليس لدينا أحد، وبالتالى لا قدرة لنا على التحقيق أو التدقيق".
وأكد قائد سابق لجهاز استخبارات طلب عدم كشف هويته أن "تسلل عملاء بإمكانهم الاتصال بنا ليقولوا لنا إنه حي، وشاهدتهأمر مستحيل، وخطر جدا. إن الحياة الحقيقية ليست كما هي في السينما. في أفضل الحالات يمكن التحدث إلى عملاء مزدوجين. أناس سيعطون معلومات، وأحيانا بدون معرفة إلى من يتكلمون فعلا.
وهناك أيضا أولئك (الجهاديون) الذين يمكننا أن نستجوبهم عندما يعودون إلى فرنسا، إذا وافقوا على الكلام…".
مراقبة الإنترنت
وفي غياب مصادر مباشرة فإن أجهزة الاستخبارات تراقب بالتأكيد كل ما يكتب أو ينشر على الإنترنت. وتقوم بالتخزين والتصنيف وتسعى إلى التدقيق بفضل قدراتها على التنصت والرصد والمراقبة.
وأضاف المصدر نفسه "نجمع كما من الأدلة: مثل أرقام هواتف. ونراقبها. وعندما يحل الصمت فجأة، ربما يكون (الشخص المعني) قد قتل". "لكنهم ليسوا حمقى، فهم يعلمون بأنه يتم التنصت على مكالماتهم. وهم حذرون لذلك ينتقلون إلى وضعية الصمت.
"نحاول الحصول على معلومات أخرى عما إذا كانوا لا يزالون أحياء أو لا، من خلال مراقبة أقربائهم. لكن ذلك لن يكون دقيقا على الإطلاق".
وتابع "في أجهزة الاستخبارات، نتوخى الحذر الشديد على الدوام. فعندما كنت في الخدمة كنا نتعقب اثنين أو ثلاثة، وكنا شديدي الحذر. حتى وإن كنا شبه متأكدين بان الشخص قتل، فهو ليس كذلك بالنسبة إلينا ما دمنا لم نشاهد الجثة أو لم نحصل على الحمض الريبي النووي"
وقال أيضا "تلك كانت الحال مع بن لادن، فالأميركيون كان لديهم الجثة لكنهم حصلوا على الحمض الريبي لأحد أفراد عائلته للتأكد من أنه هو نفسه وليس شبيها له..".
شهادات موثوق بها
واعتبر آلان شويه أن التحقق من خلال شهادة موثوق بها أو دليل مادي يكون أكثر حسما ولاسيما أن بعض "الأهداف" قد يكون لديهم مصلحة في الإيهام بمقتلهم.
وقال "نظرا إلى أن تنظيم الدولة الاسلامية بدأ يتراجع على الصعيد العسكري، فإن عددا معينا من الأجانب، من فرنسيين وإنكليز أو شيشانيين، لديهم مصلحة في الإيهام بأنهم قتلوا ليتمكنوا من الاختفاء". "فبإمكانهم أن يطلبوا من رفاق لهم أن ينشروا على شبكات التواصل الاجتماعي عبارة المسكين، قتل. ذلك يمكن أن يكون مجرد تضليل."
وأضاف "انظروا إلى مثل الملا عمر، فالشائعة عن وفاته تنتشر منذ عشر سنوات. قد يكون قتل.. لكن الشيء الوحيد الذي يمكن تأكيده فعلا هو أن ذلك سيصبح حقيقة يوما ما".