سـ(نــ)ـخوض معاركـ(ـنا) معـ(ـهم)..

اتسعت "هم".. لدرجة أن العدو الحقيقي وجد فرصة للاختباء بين أعداء صنعناهم بأنفسنا.. ثم أثير بعد سنوات سؤالاً شائكاً. لماذا يكرهوننا؟!.. ولعل إجابته أسهل كثيراً، من أسئلة سابقة.

عربي بوست
تم النشر: 2015/08/09 الساعة 07:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/08/09 الساعة 07:17 بتوقيت غرينتش

العنوان ليس خطئاً طباعياَ. بل محاولة لتفكيك العبارة الشهيرة "سنخوض معاركنا معهم"..

لعلك لا تعرفها. هي مطلع قصيدة تحولت فيما بعد إلى نشيد شهير، انتشر بين المنتمين لحركة الإسلام السياسي في العالم العربي (الجهادي منها والإصلاحي).

وقد سمعتها صغيراً لأول مرة، منتصف التسعينات٬ على هامش حفل كبير، أقيم في مسجد الحي، وكنا في ساحته نلعب، وفي صحنه نحفظ القرأن، ونقيم احتفالات مختلفة، وفيها، نردد أناشيداً نحبها، منها : "سنخوض معاركنا"..

سنخوض معاركنا معهم، وسنمضي جموعاً نردعهم، ونعيد الحق المغتصبا، وبكل القوة ندفعهم.. بسلاح الحق البتار، سنحرر أرض الأحرار، ونعيد الطهر إلى القدس، من بعد الذل وذا العار..
(اسمعها من هنا )

الكلمات موضوعها "القدس" كما تلاحظ. لكن النشيد تدريجياً، تحول إلى أيقونة، وترددت أبياته الأولى في مناسبات عديدة لاحقة، ليست ذات صلة مباشرة بالقدس وفلسطين.

عندما خسر مرشح الإخوان بمنطقتنا في انتخابات عام 2000 بالتزوير، وقفنا أمام لجنة الفرز ننشد.. "سنخوض معاركنا معهم"، تحولت الانشودة إلى مقولة فلسفية تحكم أفكارنا. ولهذا أسباب واضحة..

منها، كلمات القصيدة السهلة، ولحنها الجميل، لا أعرف كيف اختار صاحب اللحن لقصيدة كهذه لحناً رومانسياً هادئاً، بعيد عن تشنجات الطبول والهتاف التي نجدها في أناشيد إسلامية أخرى.. وأصلاً، كانت النسخة الوحيدة المتوفرة من النشيد، بدون موسيقى، بصوت المنشد المعروف "أبو عبد الملك"..

الآن، وبعد تجاوزي فكرة الإنتماء إلى تيار الإسلام السياسي بشكل عام، أضبط نفسي متلبساً، بالدخول إلى "ساوندكلاود"، والبحث عن "سنخوض".. هكذا كنا نطلق عليه اختصاراً، والاستماع إليه (سراً) عدة مرات..

هذا الصباح، استمعت إليه مرة جديدة، وقد لاحظت، أن القناة التي يوجد بها النشيد على الموقع تحمل اسم "حازمون". ولعلك تعرف أنه شعار حملة ترشيح الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل لرئاسة الجمهورية، بعد ثورة جميلة، قام بها شباب الوطن، وبعضهم، ينتمون للتيار الإسلامي، حتى أنهم، أنشدوا يوماً داخل ميدان التحرير، وقبل سقوط نظام مبارك : سنخوض معاركنا معهم..

الآن، بينما أعيد الاستماع، أفكر، أنها ليست مجرد قصيدة ونشيد، بل ما هو أعقد وأكثر تركيباً.. هذه الأيقونة / المقولة / الشعار / الفسلفة، ربما بحاجة إلى تفكيك، وإعادة نظر..

"سنخوض معاركنا معهم"..

سـ = سوف

هذه المعارك نخوضها في المستقبل. وفي اللغة، استخدام الفعل في صيغته المستقبلية يفيد التوكيد والتأكيد.
سنخوض هذه المعارك دون شك. لكنها أيضاً، معارك مؤجلة..

سألت صديقي مرة، يبدو أن الوقت لازال طويلاً بين اللحظة التي نعيشها الآن واللحظة التي سنخوض فيها معاركنا معهم، السؤال هو : ما الذي سنفعله في الفترة الفاصلة؟..

لا توجد إجابة واضحة.. سنستمر في تكرار ترديدنا للنشيد. حتى اللحظة المناسبة. دون أن تكون لدينا أدنى فكرة، عن معايير تحديدها، وعن صاحب قرار اختيارها. كل لحظة تبدو مناسبة للمعركة، وكل لحظة أيضاً، تبدو وكأنها لحظة انتظار جديدة، للحظة مناسبة قادمة في المستقبل.

هذا غموض، يليق بحلم أجيال متتالية تعلقت بالمقولة المؤثرة، وهكذا هي المقولات المؤثرة.. دائماً غامضة.. تزامن هوسي الشخصي بالنشيد، بإصدار أوبريت حقق نجاحاً كبيراً، يحمل اسم "الحلم العربي".. وكان بالنسبة لي أيضاً، في غاية الغموض، حتى الآن لم أفهم ما معنى أن "أجيال ورا أجيال هتعيش على حلمنا، واللي نقوله اليوم، محسوب على عمرنا"!!، ما المقصود تحديداً مما سبق؟، بالنسبة لي لا شيء.. لكنها كانت مقولة ملائمة لأن تجد مهاويسها حينها (وربما لا زالت)..

والمقولات المؤثرة، عموماً، تحتوي على قدر لا نهائي من "الحقيقة المطلقة"، حتى وإن تعلقت هذه الحقيقة بوعد مستقبلي غير معلوم الموعد. سنخوض تعني أننا سنخوض. لا مجال لشك أو تشكيك. ولا حتى مناقشة.

والمعركة قادمة في المستقبل. مع عدو حقق انتصار علينا في الماضي. ويبدو الحاضر بينهما، دون محل صحيح من الإعراب.

نـ = نحن

من سيخوض المعركة ذات الموعد غير المحدد؟.. الإجابة واضحة هذه المرة.. نحن.. أنا وأنت.. صاحب النشيد، وأولئك الذين يستمعون إليه.

ونحن، كلمة خادعة، رغم ما تبدو عليه من تحديد. في الواقع لا توجد إشارة واضحة إلى من نحن تحديداً التي يقصدها النشيد. نحن الشباب؟، نحن أنصار تيار الإسلام السياسي؟، نحن المصريين؟، نحن من؟..

تزامن سماعي للنشيد، مع وقت كنت أقف فيه أمام المرآة طويلاً في محاولة طفولية مني لحفظ ملامح وجهي. كنت لازلت أتعرف على نفسي، وكنت أيضاً، متلهفاً لأن يخبرني أحدهم، من أنا تحديداً، ثم من نحن؟..

لاحقاً، كنت أجلس أمام صحفية فرنسية شابة، وبيننا مترجم، سألتني عن السبب وراء توقفي عن الإنتماء لمعسكر الإسلام السياسي. بتلقائية قلت لها : اكتشفت أن العالم أوسع.

"نحن"، التي فهمتها لاحقاً من كلمات النشيد. ضيقة جداً، تشير إلى هؤلاء الذي ارتضوا الإيمان بحلم غامض، يخص خوض معركة مستقبلية، دون موعد محدد، أو خطة يسهل فهمها.

وفي الواقع، فإن الأخبار اليومية، والأحداث السياسية، تشير، إلى أن اللحظة المناسبة المجهولة، تبتعد ولا تقترب. لذا، قد نعيش "نحن"، ونموت، ومعركتنا التي نحلم بخوضها (ودون أدنى شك في حدوثها) لم تبدأ بعد.. وهذا بائس جداً، والعالم أوسع من ذلك كثيراً.

نا = تخصنا

معاركنا.. الإشارة واضحة. هذه المعارك تخصنا، نملكها، ليست معارك واسعة سنكون جزءاً منها. بل هي معاركنا نحن. اخترناها واختارتنا. كل شيء محدد في وصفها..

لاحقاً، كان يمكن أن نستخدم ضمير الملكية نفسه، لوصف أي معركة باعتبارها "معركتنا". طالما "نحن" طرفاً بها.

لاحقاً، أصبح كل شيء معركة تمهيدية للمعركة المستقبلية غير محددة الموعد. الانتخابات البرلمانية، انتخابات النقابات، التظاهرات، انتخابات رئاسة الجمهورية.. كل شيء صالح للمنافسة بين طرفين، هو ساحة مناسبة لمعركة (والانتخابات عادة تتوافر بها الشروط السابقة)..

ولأننا في الحاضر لا نملك إلا انتظار لحظة بدء المعركة المستقبلية، فلا مانع، من تسلية وقت فراغنا، في معارك تجهيزيه، مع عدم نسيان أنها جميعاً "معاركنا"..

وفي المعركة، المعادلة واضحة. أنت هنا أو هناك. معنا أو ضدنا. منتصر أو مهزوم. لا مجال للجمع بين صفتين أو مكانين مما سبق. معاركنا الحالية، وسيلة تنقية وفرز. للأفراد والأفكار..

ـهم = هم

إن كانت "نحن" غير محددة، فلا داعي لتحديد "هم". سنخوض معاركنا "معهم" عموماً.. أي طرف يقف في الجهة المقابلة، لا ينتمي إلى "نحن"، فهو بالضرورة ينتمي إلى "هم"..

خلال الانتخابات البرلمانية الأولى بعد الثورة، أسس الإخوان في مصر حزباً سياسياً، يحمل شعاراً مثيراً للجدل.. "نحمل الخير لمصر".. هناك "نحن" واضحة في بداية الشعار..

جمعتني جلسة عمل مع فريق الدعاية الخاص بالحزب خلال مرحلة اختيار الشعار، قلت : ما رأيكم لو حذفنا كلمة "نحمل" كلها من بداية الشعار.. هكذا يبدو الشعار أقصر، وأقل إثارة للجدل حول "نحن".. ليصبح "الخير لمصر".. الخير كله لمصر كلها.. ونحن جزء من مصر.. ولسنا تحديداً من نحمل الخير!.

لم يجد الاقتراح قبولاً، ربما لأن آلاف المطبوعات التي تحمل الشعار بصيغته الأولى قد تمت طباعتها.

وبينما، كانت "نحن"، تزداد ضيقاً وتحديداً، كانت "هم" تزداد اتساعاً. لتشمل كل من لا ينتمي إلينا. بل، جاءت الحملة التالية للإخوان خلال الانتخابات بشعار أغرب "اسمعوا منا ولا تسمعوا عنا".. فنحن حتى لا نأمن "هم" على وصف "نحن" أو الكلام عنا!.

اتسعت "هم".. لدرجة أن العدو الحقيقي وجد فرصة للاختباء بين أعداء صنعناهم بأنفسنا.. ثم أثير بعد سنوات سؤالاً شائكاً. لماذا يكرهوننا؟!.. ولعل إجابته أسهل كثيراً، من أسئلة سابقة.

ملاحظة ختامية : حاولت (عبر جوجل) الوصول لاسم كاتب كلمات النشيد، ولم أجده، لكني وجدت عدة تقارير، تعود إلى مارس 2012، تهاجم "أبو عبد الملك" بسبب إعلانه التوقف عن الغناء بدون موسيقى، والإتجاه للغناء الموسيقي، تحت اسم "محسن الدوسري".. وقد وصفوا فعله بالانتكاسة، والخروج عن "الصف"..
(يمكنك الإطلاع على القصة من التقرير التالي : https://goo.gl/EbcWPd )..

الشهر نفسه، مارس 2012 : جماعة الإخوان المسلمين تعلن الدفع بمرشحيها خيرت الشاطر ومحمد مرسي لانتخابات رئاسة الجمهورية في مصر!.

تحميل المزيد