كنت ربما أول فنانة فلسطينية تظهر على المسرح في حفلاتها مُرتدية الزي التراثي الفلسطيني.. كنت حينها لا أملك ملابس أنيقة تليق بالمسارح، فكان الثوب هو الحل، هكذا بدأت قصتي مع الزي الفلسطيني، لكن بعد أن بتّ لا أظهر إلا بأثواب فلسطينية، وجدت أنه لا يوجد أي ثوب في هذا العالم يُضاهي جماله على هذه الأرض .
إن الثوب الفلسطيني، نسيج من حكايا وتاريخ عريق خطّه هذا الشعب الذي ما زال إلى الآن يُحافظ على تراثه ولغته وحضارته العريقة أمام وجه الاحتلال، الذي يحاول كل يوم سرقة هذا التراث وهذه اللغة وطمس تاريخ الشعب الفلسطيني البطولي بصموده ومقاومته.
لن أكتب ما كُتب عن تاريخ الثوب أو التطريز الفلسطيني، بل سأكتب ما أحسه من خلال ممارستي اليومية للتطريز الذي يُشكّل حيّزاً هاماً من حياتي، لأنّه يمنحني المتعة وحالة من التأمل والإشباع الجماليّ .
حين أرتدي الثوب الفلسطيني الذي طرّزته أيادي النساء الفلسطينيات، واللواتي وضعنَ فيه كل طاقتهنّ الإيجابية، ووضعنَ في كل غرزة نبض قلوبهنّ، أحسّ بطاقتهنّ وحكاياهنّ تتسرّب إلى روح روحي، كأنني أرتدي تاريخ الشعب الفلسطيني المُجسّد في ثوب يجمع ألواناً ساحرة ترتكز على الأرجوانيّ وظلاله، والأخضر وظلاله.
ما يعجبني في التطريز الفلسطيني وما يميّزه عن باقي فنون التطريز في العالم، هو تمازج ظلال الألوان بين الأحمر والخمري والبرتقالي والأرجواني، هذا المزيج المُدهش، هو سرّ مطرّزاتنا، بالإضافة طبعاً إلى الرسومات المستمدة من البيئة الفلسطينية مثل رسمة السرو والنخيل والنجمة والحُجُب والقلادة .. إلخ.
إن الاحتلال، سعى دائماً لسرقة هذا الفن الخاص بالشعب الفلسطيني والذي ورثناه عن جدّاتنا الكنعانيات، وتسويقه على أنه من التراث اليهودي، مثلاً ارتداء مضيفات شركة الطيران الإسرائيلية "العال" للثوب الفلسطيني وتقديمه على أنّه تراث إسرائيليّ.
إن التطريز الفلسطيني مرآة تعكس إبداع المرأة الفلسطينية الصابرة والتي تحمل في روحها أملاً وفرحاً وجمالاً رغم ألمها ووجعها من ممارسات الاحتلال البشعة واليومية ضد شعبها، إلا أنّها تأبى أن تتوقّف عن هذه الصناعة اليدوية، وتورثها من جيل إلى جيل، لأنها فخر إنجازات فلسطين، ولأنها هويتنا التي تجمع فيها ألوان الشمس.