مناطق “الإدارة الذاتية” الكردية.. الأسد لم يبقَ ولكنه لم يرحل أيضاً

عربي بوست
تم النشر: 2015/08/04 الساعة 07:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/08/04 الساعة 07:54 بتوقيت غرينتش

يدفع السوريون المقيمون في محافظة الحسكة حيث يتقاسم الكرد وقوات النظام السوري السيطرة، ثمن ازدواجية السلطة إذ تفرض عليهم خدمتان للعلم والاستحصال على رخصتي قيادة ودفع ضرائب للجانبين.

ويتجوّل رائد (28 عاما) بسيارته في شوارع مدينة الحسكة متجنّبا المرور على حواجز وحدات حماية الشعب الكردية خشية اقتياده إلى الخدمة العسكرية الإلزامية التي يفرضها الكرد في مناطق سيطرتهم.

ويقول رائد وهو أحد النازحين العرب من حي غويرإن في جنوب المدينة، "أنهيت خدمتي العسكرية في الجيش النظامي منذ ٤ سنوات والآن يجب ان أقوم بخدمة إلزامية أخرى لمدة 6 أشهر مع وحدات حماية الشعب الكردية لدي زوجة وأولاد ولا أستطيع الابتعاد عنهم طيلة هذه المدة".

التعاون بين السلطتين أرهق المواطن

وتتعايش مؤسسات وأجهزة الحكومة مع الإدارة الذاتية من دون صدام في مدينة الحسكة وفي مناطق أخرى من المحافظة التي تحمل الاسم نفسه، بينما يتحمل المواطن عبء وجود سلطتين في ظل تداعيات الحرب المستمرة في البلاد منذ أكثر من 4 أعوام.

في عامودا الواقعة في ريف القامشلي شمال الحسكة، يتهرب عزيز (28 عاما) وهو كردي من الحواجز الحكومية.

ويقول "أشتاق لوالدتي المقيمة في الحسكة والتي لم أرها منذ سنتين، لكنني أخشى زيارتها لأنه علي أن أمر على حاجز نظامي قد يسوقني إلى الخدمة الإلزامية التي تخلّفت عنها".

ويضيف "أنهيت الخدمة العسكرية مع الكرد. ليست طويلة وتمر بسرعة، لكنني أخاف الالتحاق بالخدمة في الجيش النظامي، لماذا علينا نحن سكان الحسكة أن نمضي عمرنا على الجبهات ونخضع للخدمة الإلزامية بشكل مضاعف؟".

وانسحبت قوات النظام السوري تدريجيا من المناطق ذات الغالبية الكردية مع اتساع رقعة النزاع في سوريا العام 2012، لكنها احتفظت بمقار حكومية وإدارية وبعض القوات، لا سيما في مدينتي الحسكة والقامشلي. ولا تزال تقدم الخدمات فيها كالماء والكهرباء والاستشفاء، وتدفع رواتب الموظفين الحكوميين.

نفوذ الكرد يتصاعد بعد تهميش دام عقود

وبعدما ظل الكرد لعقود مهمشين في سوريا، بدأ نفوذهم يتصاعد مقابل تقلص سلطة النظام. وظهرت وحدات حماية الشعب إلى العلن وحملت السلاح للدفاع عن المناطق الكردية في مواجهة فصائل من المعارضة المسلحة وتنظيم الدولة الإسلامية.

في 2013، أعلن حزب الاتحاد الديموقراطي أبرز ممثلي الكرد في سوريا، إقامة الإدارة الذاتية المؤقتة في 3 مقاطعات: الجزيرة (الحسكة)، وعفرين (ريف حلب)، وكوباني (عين العرب). وسمّيت هذه المناطق "روج آفا"، أي غرب كردستان بالكردية.

ويؤكد رئيس شعبة الخدمة العسكرية في الإدارة الذاتية رضوان محمد شريف أن "على كل سكان مقاطعة الجزيرة من سن 18 إلى 30 عاما، مراجعتنا لاستصدار تأجيل أو تسوية أوراقهم للخدمة في صفوف الوحدات".

ويوضح فيما تكدست دفاتر خدمة العلم الخضراء الخاصة بالكرد على مكتبه في مبنى التجنيد المتواضع في وسط الحسكة، "هناك من خدم في جيش النظام لكن ذلك لا يعفيه من الخدمة الإلزامية في الإدارة الذاتية".

على بعد أقل من كيلومتر واحد، ترتفع شعارات حزب البعث وصور الرئيس بشار الأسد والعلم السوري أمام مبنى كبير يضم شعب التجنيد الحكومية.

ويقول بلال وهو أحد معقبي المعاملات الذين يجلسون على مدخل المبنى "شعبة التجنيد هي الجهة الرسمية المعتمدة للتأجيل أو للحصول على دفتر عسكري. وهذا ينسحب على عناصر وحدات حماية الشعب حتى اللحظة".

ووجد الطالب الجامعي خليل خليل الحل بالقيام بالخدمتين لتسهيل حركة تنقله. ويقول الشاب العائد من التدريبات الكردية قبل شهر "أنهيت الخدمة العسكرية مع الجيش النظامي منذ 2004. لم اتوقع يوما أن أعود لحمل السلاح، لكن لم يكن لدي خيار آخر".

ويملك منصور اوسي (56 عاما) من جهته رخصتين للقيادة ولوحتي تسجيل لسيارته.

ويتنقل منصور وهو كردي وموظف حكومي سابق وسائق سيارة أجرة حاليا، بانتظام بين الحسكة والقامشلي.

ويقول لوكالة فرانس برس" استصدرت رخصتين لقيادة السيارة، أخشى إذا رأت الشرطة النظامية دفتر قيادة الكرد، أن تعتبر ذلك تمردا على الدولة. وفي الوقت نفسه، لا يقبل الكرد دائما بالأوراق الرسمية، بات الأمر مزعجا. لكن من يسمعنا؟".

ويقول رئيس المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية في مقاطعة الجزيرة أكرم حسو في مكتبه في عامودا "الأوراق الصادرة عنا هي رمز للمقاطعة وليس للدولة".

ويضيف" نعترف بالنمرة السورية الرسمية (لوحة التسجيل)، لكن نعاني حاليا من فراغ من طرف الحكومة". في القامشلي، في سوق طويل يمتد بين حيي الوحدة وفلسطين، ترتفع الأعلام الكردية وصور الزعيم الكردي عبد الله أوجلان على بعد أمتار من صور الأسد.

ويروي تجار لفرانس برس رافضين الكشف عن أسمائهم أن أصحاب المحال الواقعة في مناطق سيطرة الكرد يمتنعون عن تسديد الضرائب للحكومة، والعكس صحيح بالنسبة إلى المحال في مناطق سيطرة الحكومة.

لكن أصحاب المحلات الموجودة في مناطق النفوذ المتداخلة يشكون وضعا صعبا. ويقول أحدهم بهفارد أسمر (50 عاما) وهو جالس عند باب صيدليته، "نعاني من وجود رقابتين: الأولى لنقابة الصيادلة التابعة للحكومة حيث ندفع اشتراكات سنوية ورسوما، أما الآن فهناك جهة ثانية تمارس دورا رقابيا وتحرر مخالفات بحجة غلاء الأسعار"، في إشارة إلى الشرطة الكردية.

ويقول صاحب محل لبيع الهواتف الجوالة بأسى" أدفع للحكومة بشكل شهر ضريبة استئجار العقار، وللكرد بشكل أسبوعي ضريبة النظافة".

تحميل المزيد