تهمة “اللحية” في مصر.. كيف تنقذ نفسك منها؟

إذا كنت ملتحيا وتعيش في مصر وعلى وجه الخصوص بالقاهرة فإنك قد تواجه وأنت في الشارع اتهامات بالإرهاب أو الانتماء لجماعات تعتبرها السلطات إرهابية، وهنا لن ينقذك إلا إذا أثبت بالصور تحملها على موبايلك، أو ستايل ملابسك، أنك “برنس” (كلمة عامية متداولة).

عربي بوست
تم النشر: 2015/08/03 الساعة 12:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/08/03 الساعة 12:09 بتوقيت غرينتش

إذا كنت ملتحيا وتعيش في مصر وعلى وجه الخصوص بالقاهرة فإنك قد تواجه وأنت في الشارع اتهامات بالإرهاب أو الانتماء لجماعات تعتبرها السلطات إرهابية، وهنا لن ينقذك إلا إذا أثبت بالصور تحملها على موبايلك، أو ستايل ملابسك، أنك "برنس" (كلمة عامية متداولة).

الظروف الاستثنائية التي عاشها الشعب المصري منذ الثالث من يوليو بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، وضعت المصريين في أزمة تصنيف بعضهم للآخر ما بين منتم لجماعة الإخوان المسلمين أو رافض لهم، أو بين مؤيد لمرسي وآخر مناصر للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.

وبين كتلة تصف ما حدث على أنه "ثورة شعبية" مكتملة الأركان، وأخرى تراه "انقلاباً عسكرياً"، لتبدأ الاتهامات المتبادلة بين وحول الجميع.

هذا التصنيف صار يشكل خطراً على البعض، حتى أنه تم القبض على طالب بالمرحلة الثانوية بتهمة حيازة رواية "1984" للكاتب جورج أورويل، وكان طبيعياً أن تقع المعاناة الأكبر على الذين قرروا إطلاق لحاهم، ليتم تصنيفهم كمنتمين للإخوان المصنفين كجماعة إرهابية محظورة.

"عربي بوست" حاولت رصد حالة التصنيف في مصر على أساس اللحية، وتحدثت إلى عدد من الشباب المصري ممن يطلقون لحيتهم بعضهم تدينا والآخر يعتبره لايف ستايل.

أغلب محاولاتنا لرصد تفاصيل ذلك التصنيف وما يترتب عليه من معاناة يومية في الشارع وفي المواصلات العامة، قوبلت بالرفض خوفاً من إثبات تهمة "اللحية" على أصحابها.

حرية شخصية

إلا أن "إيهاب"، الذي فضل عدم ذكر اسمه كاملا، وهو طالب بإحدى الجامعات الخاصة، دافع عما يراه "حرية شخصية" وقال "أصبح الوضع جنونياً في بعض الحالات، يتم استيقافي والتحقيق معي في محطات المترو، والمواصلات العامة، حتى أنني اضطررت للانتظار لسبع ساعات في أحد كمائن الشرطة ليتم التأكد من عدم انتمائي للجماعة المحظورة".

يرفض تصوير وجهه كاملا ويؤكد أن اللحية حرية شخصية

طالب الجامعة الشاب أكد أن ملاحقته بسبب لحيته القصيرة تبدأ من المنزل، حيث يأمره والده يومياً بالتخلص منها، لكنه مازال يرى أنها حرية شخصية لا دخل لأحد بها.

منظم الحفلات والألعاب النارية

"اخرج من السيارة.. واستخرج محتويات حقيبتك"، بهذه العبارة لخص "إبراهيم" الشاب العشريني ما يتعرض له يومياً من مضايقات أثناء سفره الدائم الذي تقتضيه طبيعة عمله بإحدى شركات تجهيز الحفلات.

"إبراهيم" متخصص بتجهيز الألعاب النارية للحفلات التي غالباً ما تقام بالمنتجعات السياحية ومدن شرم الشيخ والغردقة.

وعلق قائلاً "تزيد المعدات التي أستخدمها لتحضير الألعاب النارية من شدة الشبهات حولي أثناء مروري بالكمائن، ولكن الأغرب أنني دائما ما أكون بصحبة فريق عمل كبير أثناء السفر، ودائماً ما يتم تفتيشي دونما تفتيش الآخرين، والسبب هو اللحية".

موضة إبراهيم

"موضة".. هذا كان دفاع "إبراهيم" عن لحيته المشبوهة مبتسماً لضباط الكمائن، مشيراً إلى أنه قضى ليلة الثلاثين من يونيو بميدان التحرير وكان دائماً مع إسقاط الإخوان.

شاب يراها موضة نت

ليلة في "التخشيبة"

"بكيت في أول أيام رمضان داخل قسم الشرطة"، هكذا تحدث "كامل" الذي يعمل "نجاراً" بأحد الأحياء الشعبية، وقال كنت أقوم بتجديد بطاقة الرقم القومي، وأثناء مرور أحد الضباط أمسك بلحيتي وجذبها صارخاً "دي طويلة ليه؟"، وحين أجبته "دي سنة عن النبي" جذبني من ملابسي صارخاً "إنت إخوان؟".

"كامل" أجاب بأنه ليس إخواني، لكن تلك الإجابة لم تكن وافية وقاطعة، وحتى بكاؤه حزناً على إهانته بلا سبب لم يفلح، وأثناء تفتيشه، أنقذته علبة سجائر وقلادة من الفضة كان يرتديها من شبهة الانتماء لجماعة إرهابية.

الخروج على الحاكم حرام

"المظاهرات حرام، والخروج عن الحاكم أيضاً حرام، والبعد عن عبادة الله هو سبب ما تعانيه مصر منذ سنوات" هكذا الأمر من منظور "حجاج" المنتمي للتيار السلفي السني، مضيفاً "أعتبر اليوم الذي لا يتم استيقافي وتفتيشي به يوماً غير عادي، واعتدت على نظرة "أنت إرهابي" في عيون الجميع، والأزمة ليست في تشكك رجال الأمن بي، أو حتى عمليات التفتيش اليومية، فأنا لا أحمل ما يجعلني متخوفاً، ولم ولن أشارك يوما في أية تظاهرة وأرى أن الخروج على الحاكم المسلم محرم شرعاً".

شاب يعتبر اللحية سنة عن النبي

زوجتي المنتقبة في المواصلات

الأزمة الأكبر كما يرى "حجاج" هو تصنيف المواطنين له، وما ينتج عن هذا التصنيف، قائلاً: "أصبحت أخشى ارتياد المواصلات العامة مع زوجتي وأبنائي، فلحيتي والنقاب الذي ترتديه دفع بعض الناس إلى التطاول بالألفاظ النابية في إحدى المرات أثناء سفري لقريتي، وكان ذلك بعد أحداث فض اعتصام رابعة".

حجاج أجاب على المطالبات اليومية له بقص لحيته قائلاً: "هذه اللحية هي شعار المسلم، ولن أتخلى عنها مهما كان الأمر، وطالما لا أحمل في صدري إلا كتاب الله وسنة رسوله لن يصيبني شيء، والاشتباه بي وبغيري لن يضر، طالما كان الأمر عادلاً ولا ظلم فيه لغير المخطئ".

يرفض تصوير وجهه ويعتبر اللحية شعار المسلم

صور المحمول تنقذ أحمد

"بابتسامة عريضة.. كشفت بصعوبة عن أسنانه المغطاة بشارب ولحية كثيفين، ليبدأ "أحمد أبو طالب" حديثه مشيراً إلى أن معاناته الأكبر تلك التي يتسبب بها والده الذي يصر على أن يقص لحيته خوفاً من أن يتم القبض عليه بعد الاشتباه بكونه منتمياً لجماعة الإخوان".

"الصور الموجودة على هاتفي المحمول، وستايل ملابسي ينقذني في كل مرة أتعرض فيها للتفتيش أو الاشتباه"، هكذا تحدث أبو طالب مضيفاً "نحن نعلم ونقدر أن هناك إرهاباً تعاني منه مصر، لكن تصنيف البشر على أساس لحيتهم شيء غير منطقي ويصبح ضرباً من الجنون في بعض الأوقات".

مصير الصحفي الملتحي

أما "محمود حسن" الطالب بالفرقة الرابعة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة فقال "أعمل كصحفي كمتدرب بإحدى الصحف، وأسوأ ما يحدث أثناء العمل الميداني، وتغطية التظاهرات أو الاشتباكات هو تشكك قوات الأمن في كوني أحد المتظاهرين، وما يزيد الوضع سوءاً هو أنني أحمل كاميرا، وقد أصبحت مدعاة للتشكك والتصنيف في مصر مثلها مثل اللحية".

"أنا حر، رغم تلك التصنيفات" هذا هو الحل من وجهة نظر محمود الذي اختتم حديثه قائلاً "التصنيف يحيط الملتحين في كل مكان، ففي الجامعة يعتقدون أنني من الأولتراس، وعلى مقاهي وسط المدينة يعتقدون أنني فنان تشكيلي أو ناشط سياسي، وفي الكمائن يعتقدن أنني إخوان.. والحقيقة أنني حر".

تحميل المزيد