ربما تعد مقولة" الحاجة ام الاختراع" التعبير الأدق في هذه الحالة، فسكان محافظة الحسكة السورية ذات الأغلبية الكردية تغلبوا على عقبة عدم توافر مصافي لتكرير البترول المستخرج من حقولهم النفطية بعدما انسحبت منها عناصر نظام الأسد قبل عامين، بإنشاء مصافي خاصة بهم، الأمر الذي يعود عليهم بنحو مليون دولار يوميا.
حاجة سكان منطقة "رميلان" صاحبة أكبر حقول النفط في سوريا، للمحروقات دفعتهم إلى هذه الخطوة لعدم وجود مصافي في المدينة حتى قبل الحرب حين كانت تحمل شاحنات النقل براميل النفط الخام إلى محافظي حمص وبنياس التي يوجد بهما المصافي.
فلدى اقترابك من مدينة "رميلان" ستشاهد تصاعد الدخان الأسود من داخل المصفاة الحقل النفطي الواقع تحت سيطرة الكرد، جراء تسخين كميات من النفط مستخرجة من بئر قريب داخل "فرن" كبير تمهيدا لتكريرها.
ويعد حقل رميلان أكبر الحقول النفطية في سوريا من حيث المساحة الجغرافية، وينتج الحقل يوميا ما يزيد عن 15 ألف برميل من المشتقات النفطية، أي أكثر من العشرة آلاف برميل يوميا التي تنتجها الحكومة السورية من الآبار القليلة الباقية تحت سيطرتها في البلاد في ريف حمص الشرقي. لكنها أقل بكثير من ال165 ألف برميل التي كان ينتجها الحقل قبل بدء النزاع 2011.
الحصول على الكاز والمازوت
"جكدار علي" ذو الـ 27 عاماً، ويعمل تقني في احدى المصافي المستحدثة في حقل رميلان، يقول "نقوم بتسخين النفط إلى أن يصل إلى 125 درجة مئوية للحصول على البنزين، ثم نزيد درجة الحرارة الى 150 لنستحصل على الكاز، وآخيرا نحصل على المازوت عندما تصبح الحرارة 350".
ويقول رئيس هيئة الطاقة في الادارة الذاتية الكردية المهندس "سليمان خلف" خلال جولة داخل بعض منشآت الحقل التي نشط فيها عشرات العمال هي المرة الأولى التي تقوم فيها الادارة الذاتية بإنتاج النفط وتكريره وتوزيعه.
الدفاع عن آبار النفط
ويقول خلف الذي يقوم مقام الوزير في الادارة الذاتية "نحن دافعنا عن المنشآت والآبار النفطية، وقدّمنا مئات الشهداء لحمايتها"، في اشارة الى المواجهات الدامية في منطقة رميلان بين الكرد وتنظيم الدولة الاسلامية.
كما تصدى الكرد لعصابات مسلحة حاولت بعد انسحاب النظام الاستيلاء على منشآت في الحقل بقصد السرقة واستغلال الانتاج النفطي.
ويروي خلف أن أنابيب النفط الواصلة بين حقول الجزيرة في المنطقة الشرقية ومصافي التكرير في مدينتي حمص وبانياس تعرضت لعمليات تخريب وسرقة، فتوقف 1300 بئر نفطي (في حقل رميلان) عن العمل بشكل كامل، واعيد تشغيل 150 منها منتصف العام 2014".
ويقول خلف ان الحكومة السورية أمّنت في البداية بعض المواد الأولية الضرورية لتشغيل الآبار مثل زيوت العنفات وقطع تبديل.
ويضيف خلف "بالنسبة الى السلطات الكردية، لا مشكلة في التنسيق مع السلطات الحكومية في حال عودة الانتاج الى ما كان عليه، وفي حال تأمين خط النفط بين الجزيرة ومصفاتي حمص وبانياس، فسوف نعيد الضخ مباشرة، لكن بعد أن تأخذ المناطق الكردية حصّة مجزية من مردود النفط"
قطع الأشجار للتدفئة
ويقول حسان، الموظف في مديرية حقول الحسكة الحكومية والذي لا يزال يعمل في المكان، "مرت منطقة الجزيرة بشتاء قارس العام 2013 ما اضطر الكثير من العائلات الى قطع الأشجار واستخدام خشب الأثاث المنزلي للتدفئة فلم يكن بإمكاننا الوقوف مكتوفي الأيدي. لذلك أنشأنا مصافي تلبّي حاجتنا من المحروقات".
حرّاقات صغيرة
قبل إنشاء المصافي، لجأ سكان إلى إنشاء حرّاقات صغيرة محلية الصنع تم تركيزها عشوائيا قرب آبار البترول، وكان الناس يحفرون في الارض ويستحصلون على النفط الخام ويقومون بتكريره في هذه الحراقات بشكل يدوي.
ويروي صالح 28 عاما ويعمل سائق سيارة في مدينة القامشلي ان "هناك ثلاثة أنواع من البنزين في المنطقة: البنزين العراقي المهرّب، والبنزين المحلي (الكردي)، والبنزين النظامي السوري القادم من مناطق سيطرة الدولة السورية والأخير هو الاكثر جودة".
وقود رديء النوعية
ويجمع سكان المنطقة ان الوقود المنتج محليا "رديء النوعية"، لكن ثمنه (150 ليرة سورية للتر، اي نصف دولار) اقل بكثير من "النفط النظامي" الذي قد يكون من انتاج سوري او مستوردا من ايران (1،3 دولارا).
ودمرت الحرب القطاع النفطي في البلاد، بعد ان كانت سوريا تنتج 380 الف برميل يوميا. وكان إنتاج مجموعة حقول دير الزور (شرق) الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية الاكثر غزارة.
تصحيح: ورد خطأ في اسم رئيس هيئة الطاقة، والاسم الصحيح سليمان خلف فوجب التنويه.