كانت كل أنظار الجماهير الرياضية مُصوّبة، قبل بداية نهائي مونديال قطر لكرة القدم، نحو النجمين الأرجنتيني ليونيل ميسي والفرنسي كيليان مبابي، لكن سرعان ما خطف آنخل أنخيل دي ماريا الأضواء فور بداية المواجهة بسرعته الخارقة وتوغلاته الخرافية في منطقة المنتخب الفرنسي، فكان بمثابة المفاجأة السارة لكل أنصار منتخب الأرجنتين.
فقد فضل مدرب المنتخب الأرجنتيني، ليونيل ساكالوني، الاعتماد في مركز الجناح الأيسر، على دي ماريا المُعاني من مشاكل عضلية، بدل زميليه لوثارو مارتينيز وبارديس، في خطة هجومية كلاسيكية ( 4-3-3)، فكان اختيار المدير الفني صائباً إلى أبعد الحدود، بحيث جعل دي ماريا اللاعبين الفرنسيين الموجودين على جهته، كوندي وديمبلي، يعيشان الجحيم طيلة الشوط الأول من المباراة.
ونجح دي ماريا بفضل حيوته المميزة في جلب ضربة جزاء، سجل على أثرها زميله ميسي الهدف الأول للأرجنتين، قبل أن يضيف هو شخصياً الهدف الثاني لمنتخب بلاده وسط فرحة ممزوجة بالدموع في لقطة جد حساسة، تُجسد الشخصية العاطفية للنجم السابق لنادي ريال مدريد الإسباني.
أنخيل دي ماريا..عاش طفولة صعبة فخلدها بوشم على ساعده الأيسر
وُلد آنخل دي ماريا يوم 14 فبراير/شباط 1988 بمدينة روساريو الأرجنتينية، أي بنفس المدينة التي وُلد ونشأ بها زميله في منتخب "التانغو"، ليونيل ميسي.
نشأ دي ماريا وسط عائلة فقيرة وعاش طفولة صعبة حيث كان يضطر لمساعدة والديه في بيع الفحم لسد احتياجات الأسرة.
وقد قال في أحد تصريحاته الصحفية، متحدثاً عن تلك المرحلة من حياته: "تخيّل أنّ امرأة تقود دراجة هوائية في جميع أنحاء روساريو، مع طفل في الخلف وفتاة صغيرة في المقدمة، بالإضافة إلى حقيبة رياضية بها حذاء رياضي وأكل.. كانت تقودنا في مرتفع، منحدر، تحت المطر، في البرد وفي الليل. لا يهم، كانت أمي تجوب شوارع المدينة".
ولكن الفقر الشديد لم يمنع الطفل الصغير آنخل من لعب كرة القدم، رفقة أقرانه، في حي "إل بيردييل" الذي كان يقطن به.
وقد أثرت عليه تلك الطفولة الممزوجة بين السعادة والشقاء إلى درجة وضع وشم على ساعده الأيسر يحمل عبارة "الولادة في إل بيردييل كانت وستظل أفضل شيء يحدث لي في حياتي".
كان الفتى دي ماريا نحيل الجسم بسبب سوء التغذية لكن دون أن يمنع ذلك نادي روساريو سونترال لضمه لصفوفه، لما بلغ 13 عاماً من عمره، بعدما أعجب مسؤوليه بموهبته الكروية المميزة، فواصل تكوينه الرياضي ضمن مختلف الفئات الشابة لهذا النادي إلى غاية التحاقه بالفريق الأول في العام 2005.
نال لقب بطولة العالم للشباب وذهبية أولمبياد 2008
أمضى دي ماريا عقده الاحترافي الأول مع روساريو وهو في سن الـ17 عاماً، فبدأ يتخلص تدريجياً من آثار الفقر، وذلك بالموازاة مع صعود نجمه بالبلاد كلاعب شاب واعد، فأسهم في تتويج منتخب الأرجنتين لأقل من 20 سنة، في بطولة العالم لكرة القدم لهذه الفئة التي جرت في صيف 2007 بكندا، والتي تألق بها وسجل خلالها 3 أهداف، كانت كافية للفت انتباه كشافة الأندية الأوروبية الكبيرة.
ونجح نادي بنفيكا لشبونة البرتغالي في خطف آنخل دي ماريا بمجرد نهاية مونديال الشباب 2007، بعدما دفع مبلغ 8 ملايين يورو لنادي سونترال روساريو.
وإذا كان الموسم الأول لدي ماريا مع بنفيكا متواضعاً، فإنّه أنهاه بكل قوة رفقة المنتخب الأرجنتيني لأقل من 23 سنة، حيث نال اللقب الأولمبي والميدالية الذهبية خلال أولمبياد بكين 2008، ضمن تشكيلة ضمت في صفوفها نجوم المستقبل للمنتخب الأول على غرار ميسي وأغويرو وريكيلمي وماسكيرانو.
وسجل دي ماريا في تلك الدورة الأولمبية هدفين حاسمين، واحداً في الوقت الإضافي ضد هولندا مما سمح للفريق بالتأهل إلى الدور نصف النهائي ، والثاني في المباراة النهائية والذي منح الأرجنتين الفوز على نيجيريا (1-0).
وقد سمح له هذا التألق في تلقيه أول دعوة للانضمام للمنتخب الأرجنتيني الأول، وذلك للمشاركة في مواجهة منتخب الباراغواي يوم 8 سبتمبر/أيلول 2008، لحساب تصفيات كأس العالم لكرة القدم 2010.
بنفيكا جلبه إلى أوروبا.. وريال مدريد منحه المجد القاري
بالموازاة مع بداية بروزه مع منتخب بلاده، قدم دي ماريا أداءً رائعاً في موسمه الثاني مع بنفيكا (2008-2009) ما جعل الأندية الأوروبية الغنية تباشر إغراءاتها للاستفادة من خدمات النجم الأرجنتيني الموهوب، فسارعت إدارة النادي البرتغالي لتجديد عقد اللاعب، في شهر أكتوبر/تشرين الأول، بالرفع من راتبه السنوي، وبتمديد التعاقد إلى غاية 2015 مع شرط جزائي بقيمة 40 مليون يورو.
وبعدما سعت أندية آرسنال وتشيلسي ومانشستر يونايتد الإنجليزية وميلان الإيطالية، جاهدة لضمه، فإنّ ريال مدريد الإسباني كان هو الأكثر إقناعاً للنجاح في استقطاب دي ماريا، فأعلن يوم 28 يونيو/حزيران 2010 توصله لإتفاق مع بنفيكا لتسريح نجمه مقابل 30 مليون يورو، وذلك في الوقت الذي كان فيه اللاعب رفقة منتخب بلاده بجنوب إفريقيا للمشاركة في نهائيات المونديال.
شارك دي ماريا ضمن التشكيلة الأساسية لمنتخب الأرجنتين التي بلغت الدور ربع النهائي لمونديال جنوب إفريقيا، بقيادة المدرب دييغو مارادونا، ثم وبعد قضائه عطلة قصيرة، وقع يوم 4 آب/أغسطس 2010، عقده الرسمي مع ريال مدريد.
وسرعان ما أصبح أحد اللاعبين الأساسيين في الفريق المدريدي، فساهم في تتويج النادي بلقب كأس الملك في سنة 2011، ثم بلقب الدوري الإسباني وكأس السوبر الإسباني في 2012، وواصل نجاحه بنيل لقب دوري أبطال أوروبا وكأس الملك، مرة أخرى، في العام 2014، كما اختير في العام ذاته كأفضل صانع أهداف في البطولة الإسبانية، بفضل تقديمه لـ17 تمريرة حاسمة.
وانتهى موسم 2013- 2014 بذوق غير مكتمل بالنسبة لدي ماريا، بحيث فشل رفقة منتخب الأرجنتين في نيل لقب كأس العالم، بعدما انهزم أمام منتخب ألمانيا (0-1)، في اللقاء النهائي لمونديال البرازيل 2014.
فشل مع مانشستر يونايتد ثم أصبح أسطورة في سان جيرمان
وفضل دي ماريا خوض تجربة احترافية بدوري أوروبي آخر، فتعاقد في آب/أغسطس 2014 مع نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي، لمدة 5 سنوات، في أغلى صفقة في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز، لذلك الوقت، بعدما دفع اليونايتد لريال مدريد 75 مليون يورو.
وظهر جلياً أنّ ذلك الاختيار لم يكن صائباً بالنسبة للنجم الأرجنتيني، بحيث وبعد بداية قوية وواعدة مع الفريق فإنه أنهى الموسم على كرسي الاحتياط، ما جعله يطلب الرحيل، فاستغل نادي باريس سان جيرمان الفرنسي الفرصة ليقتنص العصفور النادر.
تعاقد دي ماريا مع باريس سان جيرمان يوم 6 آب/أغسطس 2015، لمدة 4 سنوات، في صفقة بلغت قيمتها الإجمالية 63 مليون يورو، ولكنه جدّد العقد فيما بعد، ليلعب مع النادي الفرنسي 7 مواسم كاملة، أصبح على أثرها إحدى أساطير الفريق، بعدما خاض 295 مباراة رسمية، سجل خلالها 93 هدفاً، وقدم 112 تمريرة حاسمة، وتُوّج معه بـ18 لقباً، منها 5 ألقاب للدوري المحلي و5 ألقاب لكأس فرنسا، وبلغ رفقته نهائي دوري أبطال أوروبا لكرة القدم لسنة 2020.
ولم يقترح باريس سان جيرمان على دي ماريا تمديد عقده في الصيف الماضي، فرحل نحو نادي يوفنتوس الإيطالي؛ حيث أمضى على عقد لمدة موسمٍ واحدٍ فقط.
وهو في سن الـ34، عانى آنخل دي ماريا من إصابات عديدة منذ بداية الموسم الجاري، وتواصلت مشاكله العضلية خلال فترة تواجده مع منتخب الأرجنتين في مونديال قطر، ما تسبب في غيابه عن مباراة الدور ثمن النهائي أمام أستراليا واكتفائه بـ10 دقائق فقط في نهاية الوقت الإضافي لمواجهة هولندا في الدور ربع النهائي، وبقائه في كرسي الاحتياط في لقاء الدور نصف النهائي أمام كرواتيا.
وبقية القصة معروفة وهي مشاركته لمدة 63 دقيقة في المباراة النهائية والتي كانت شبه حاسمة في التتويج باللقب العالمي، بعد عام ونصف فقط من مشاركته الحاسمة في نهائي "كوبا أمريكا"، لما سجل هدف الفوز الوحيد (1-0) للأرجنتين في مرمى الغريم التقليدي، منتخب البرازيل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.