لم يكن يتبقى أمام أسطورة كرة القدم ليونيل ميسي سوى خطوة واحدة للجلوس على عرش دييغو أرماندو مارادونا، أحد أعظم اللاعبين في تاريخ اللعبة، وقد استطاع أخيراً أن يحققها.
فقد احتفل الأرجنتينيون وعشاق الأرجنتين من حول العالم بفوز منتخبهم التاريخي أمام فرنسا، في المباراة النهائية لكأس العالم 2022، والتي أُقيمت مساء الأحد 18 ديسمبر/كانون الأول على أرض ملعب لوسيل في قطر. وقد جاء طعم الفوز مختلفاً هذه المرة، لأن ميسي هو من رفع كأس العالم للمرة الأولى في مسيرته الرياضية الحافلة بالإنجازات.
تحقَّق الحلم الذي طال انتظاره، بالنسبة إلى الأرجنتينيين، وتُوّج منتخب التانغو بطلاً لكأس العالم للمرة الثالثة في تاريخه، بعد مونديال المكسيك 1986 بقيادة مارادونا، ومونديال 1978 مع النجم الأول للمنتخب ماريو كيمبس، الذي كان أول من قاد الأرجنتين نحو اللقب العالمي.
فمن هو ماريو كيمبس؟
يوم 15 يوليو/تموز 1954، وُلد ماريو كيمبس بمدينة "بيل فيل"، في مقاطعة كوردوبا، وسط شمال الأرجنتين، حيث تعلّم ألف باء كرة القدم ضمن فرقٍ صغيرة، قبل أن يواصل تكوينه ضمن نادي "أنستيتو كوردوبا"، الذي انضمّ إليه في الـ17 من عمره.
وما حصل أن والد ماريو تلقى اتصالاً هاتفياً من كشاف أنستيتو، يُخبره فيه أن نجله مدعو للمشاركة في تجارب فنية مع النادي، فتوجه الفتى في اليوم التالي إلى الملعب الذي يبعد نحو 200 كلم عن منزل العائلة.
وإلى جانب كيمبس، شارك في التجارب عددٌ كبير من اللاعبين الشباب، الذين كانوا مُطالبين بتقديم اسمهم ومكان ميلادهم، والغريب أن ماريو كيمبس قدّم اسماً مستعاراً وقتئذٍ، وهو "كارلوس أغيليرا".
والمفارقة أنه سجّل هدفين اثنين في ظرف 20 دقيقة فقط من بداية المباراة التجريبية التي شارك فيها، ليتمّ اختياره على الفور من أجل الانضمام إلى أفضل نادٍ في مقاطعة كوردوبا.
ووفقاً لموقع Furia Liga فإن اسم ماريو كيمبس كان قد ذاع في المقاطعة، قبل التجارب مع نادي أنستيتو كوردوبا. ولأن المُشرف على عملية اختيار اللاعبين كان يفضل ضمّ مغمورين، بدلاً من مشهورين، فقد تفادى كيمبس خوض التجارب باسمه الحقيقي، حتى يُعزّز من حظوظه في الظفر بمركزٍ ضمن النادي.
تألق في الأرجنتين وصنع التاريخ في إسبانيا
واصل كيمبس تكوينه الرياضي ضمن نادي أنستيتو كوردوبا، ثم لعب مع الفريق الأول، قبل أن ينتقل إلى نادي "روساريو سونترال" العريق، في عام 1974، حيث تألق في مركز متوسط الميدان الهجومي وراء قلب الهجوم الصريح.
وفي المنصب الذي يُطلق عليه في كرة القدم الحديثة "9.5"، برز كهدافٍ من الطراز الرفيع، بفضل كثرة تحركاته وسرعته الكبيرة، إضافةً إلى تسديداته الدقيقة نحو المرمى؛ ما جعله يسجّل 86 هدفاً في 107 مباريات رسمية، خلال موسمين ونصف الموسم.
لم يمرّ تألق ماريو كيمبس في الأرجنتين من دون أن يصل صداه إلى القارة الأوروبية، فنجح الدوري الإسباني في استقطابه، وانتقل في صيف 1976 إلى نادي فالنسيا.
أكد كيمبس فاعليته الهجومية الكبيرة فور وصوله إلى المدينة الأندلسية، فقد تُوّج بجائزة أفضل هدّاف للدوري الإسباني في موسمين متتاليين، برصيد 24 هدفاً في موسم (1976-1977)، و28 هدفاً في موسم (1977-1978)، ما جعل جماهير نادي فالنسيا تطلق عليه اسم "الماتادور"، أي مصارع الثيران.
مدرب الأرجنتين رفض التخلي عنه في مونديال 1978
وبفضل تألق ماريو كيمبس في الدوري الإسباني، أصرّ المدير الفني للمنتخب الأرجنتيني سيزار مينوتي أن يضمّه إلى قائمة اللاعبين المشاركين في نهائيات كأس العالم، التي جرت في صيف 1978.
وجاء إصرار مينوتي رغم طلب النظام العسكري للبلاد الاعتماد على اللاعبين الناشطين في الدوريات الأجنبية، ورغم مطالبة الجماهير الأرجنتينية بعدم استدعاء "الماتادور"، بحجة عجزه عن تسجيل أي هدفٍ في نهائيات مونديال 1974 التي احتضنتها ألمانيا الغربية.
أُقيمت نسخة مونديال 1978 في الأرجنتين، وكان ماريو كيمبس اللاعب الأرجنتيني الوحيد الذي ينشط خارج بلاده.
ووفقاً لموقع Football The Story العالمي، فقد حصل كيمبس بالصدفة على الرقم الأسطوري 10، بعدما اعتمد منتخب الأرجنتين في تلك السنة ترتيب الأحرف اللاتينية في منح الأرقام للاعبين، وليس على مركزهم فوق الميدان.
وهذا ما يفسر مثلاً ارتداء أوسفالدو أرديلاس الرقم 1، رغم أنه يلعب في خط وسط الميدان، وليس حارس مرمى.
لم يخيّب ماريو كيمبس أمل مدرّبه مينوتي، وتمكن من أن يقود منتخب الأرجنتين نحو التتويج بلقب كأس العالم لكرة القدم، للمرة الأولى في تاريخ البلاد؛ وذلك بفضل تسجيله 6 أهداف في 6 مباريات، منها هدفان اثنان في اللقاء النهائي أمام هولندا (3-1) بعد الوقت الإضافي.
وكان كيمبس النجم الأول خلال مونديال 1978، وقد تُوّج بجائزتي أفضل هدّاف وأحسن لاعب في البطولة.
استمر في اللعب حتى الـ42 من عمره
واصل ماريو كيمبس مشواره مع منتخب بلاده إلى نهائيات مونديال إسبانيا 1982، والذي تخلى خلاله عن الرقم 10 لنجم الأرجنتين الجديد دييغو مارادونا، حين أُقصيَ منتخب "الألبيسيليستي" في الدور الثاني، من دون أن يسجل كيمبس أي هدف.
أما عن بقية مساره الاحترافي فقد عاد ماريو كيمبس للتألق مع فالنسيا، وأسهم في تتويج النادي بلقب كأس الملك سنة 1979، وكأس أوروبا للأندية الحاصلة على الكؤوس في العام 1980، ثم لقب السوبر الأوروبي في السنة ذاتها.
وفضّل كيمبس العودة إلى الأرجنتين عام 1981 للعب في صفوف نادي ريفر بليت، فنال معه لقب الدوري المحلي، لكنه سرعان ما عاد إلى فالنسيا في العام التالي.
دافع عن ألوان الفريق الإسباني لموسمين إضافيّين، قبل أن ينتقل في صيف 1984 إلى نادي هيركيلوس أليكانتي الإسباني، ثم احترف بالدوري النمساوي من 1986 وحتى 1992.
وبعد توقفٍ عن اللعب لمدة ثلاث سنوات، وعمله لموسمٍ واحد (1993-1994) في منصب مدرب مساعد، ضمن الجهاز الفني لنادي فالنسيا، عاد ماريو كيمبس إلى اللعب في العام 1995، ضمن صفوف نادي فيرنانديز فيال التشيلي، قبل أن يعتزل اللعب نهائياً في عام 1996، ضمن نادي "بوليتا جايا" الإندونيسي، وهو في الـ42 من عمره.