ابتكر تكتيكاً هجومياً جديداً في تاريخ اللعبة! منتخب المجر الذي أبهر العالم ولم يُتوّج بكأس العالم

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/16 الساعة 12:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/16 الساعة 12:18 بتوقيت غرينتش
المنتخب المجري الذي واجه ألمانيا في نهائي كأس العالم 1954/ وكيبيديا

في الحديث عن أفضل منتخبات كرة القدم عبر التاريخ، غالباً ما يتبادر إلى أذهاننا اسم منتخب البرازيل، الذي يتصدر قائمة المنتخبات بفوزه 5 مرات في بطولة كأس العالم. ويُمكن أن نذكر الأرجنتين، التي تسعى للحصول على كأسها الثالثة، أو منتخب هولندا الذي أمتع الجميع بأسلوب لعبه في سبعينيات القرن الماضي. 

ولكن في الخمسينيات، برز منتخب المجر بشكلٍ صارخ ومفاجئ لعشاق كرة القدم. لُقّب بـ"المنتخب الذهبي"، وقد ترك بصمةً واضحة في تاريخ الكرة العالمية، ولم يكن ينقصه سوى لقب المونديال ليكون الأفضل دون منازع. 

منتخب المجر تشكّل بنواةٍ من فريق عسكري 

بدأت "ملحمة" منتخب المجر الذهبي سنة 1949، عندما عُيّن غوستاف سيبيس مديراً فنياً له. فلجأ إلى نادي "بودابيست هونفيد" العسكري لتكوين النواة الأولى لمنتخب البلاد.

كان النادي العسكري يضمّ في صفوفه خيرة لاعبي الجمهورية الشعبية المجرية، على غرار المهاجمَين فيرينتس بوشكاش وساندور كوتشيش، إضافةً إلى حارس المرمى جيولا غروسيكس. 

تجدر الإشارة إلى أن نادي "بودابيست هونفيد"، ولدى تأسيسه في عام 1909، كان اسمه "كيسباتش" (نسبةً إلى أحد أحياء العاصمة بودابست)؛ ولكن الجيش المجري ضمّه إليه في عام 1949، وغيّر اسمه إلى "هونفيد"، التي تعني باللغة الهنغارية "حامي الوطن".

لم يكن المنتخب المجري بصيغته الجديدة يخوض المسابقات الرسمية، بل كان يكتفي بالمباريات الدولية الودية، التي كان يفوز بها بالنتيجة والأداء.

لكن المدرب غوستاف سيبيس نجح في إقناع المسؤولين الشيوعيين للبلاد بأهمية المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية عام 1952، التي أُقيمت بالعاصمة الفنلندية هلسنكي، بحجة تحسين صورة الدولة الاشتراكية وانفتاحها على العالم الخارجي.

وبالفعل فقد ساهم منتخب المجر لكرة القدم في إبهار العالم الرياضي خلال أولمبياد هلسنكي 1952، من خلال أدائه الشيّق الذي كان يحقق له انتصاراتٍ سهلة لا تتطلب الكثير من العناء.

فقد فاز على رومانيا (2-1) في الدور الأول، وإيطاليا (3-2) في الدور 16، ثم تركيا (7-1)  في ربع النهائي، والسويد (6-0) في نصف النهائي؛ قبل أن يُتوّج بالميدالية الذهبية بعد فوزه في النهائي على نظيره اليوغسلافي، بهدفين نظيفين من توقيع بوشكاش وزولتان تشيبور.

قائدا منتخبي ألمانيا والمجر قبل بداية المباراة/ وكيبيديا
قائدا منتخبي ألمانيا والمجر قبل بداية المباراة/ وكيبيديا

التتويج الأولمبي فتح شهية منتخب المجر ومسؤوليه الرياضيين والسياسيين، الذين قرروا المشاركة في مونديال سويسرا 1954، بعدما غاب عن نسخة عام 1950 التي أُقيمت في البرازيل.

وبهدف ضمان المشاركة في نهائيات مونديال 1954، كان منتخب المجر مُطالباً بالمرور عبر التصفيات الأوروبية. فأوقعته القرعة بمواجهة منتخب بولندا، الذي انسحب قبل إجراء مباراة الذهاب في بودابست، ليفوز بوشكاش وزملاؤه ببطاقة التأهل من دون خوض أي لقاءٍ في التصفيات. 

فوز مذلّ على إنجلترا

واستعداداً للمشاركة في مونديال سويسرا 1954، خاض منتخب المجر الذهبي العديد من المباريات الودية، وفاز بها جميعها. ولعلّ أبرزها تلك التي خاضها أمام مستضيفه الإنجليزي يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1953، في ملعب "ويمبلي" الأسطوري بلندن، وانتصر فيها بنتيجة 6 أهداف لـ3.

وقد اكتسبت تلك المواجهة الرياضية رمزية سياسية كبيرة، لأنها أُقيمت في خضم الحرب الباردة، بين منتخبٍ يمثل قطباً من أقطاب الرأسمالية الأوروبية (إنجلترا) ومنتخب المجر التابع للمعسكر الشيوعي الذي كان يقوده الاتحاد السوفيتي.

وانطلاقاً من هنا، فقد كانت هزيمة المنتخب الإنجليزي في تلك المباراة بمثابة وصمة عارٍ بالنسبة إلى الجماهير والصحافة، لا سيما أنها وقعت في ملعبٍ لم يسبق لمنتخب "الأسود الثلاثة" أن تعرّض فيه لأي خسارةٍ أمام منتخب غير بريطاني (أي اسكتلندا، وويلز، وأيرلندا).

ووفقاً لموقع Le Corner الفرنسي، فإنّ تلك المباراة -وبغض النظر عن رمزيتها السياسية- تُمثل مُنعرجاً حاسماً في تاريخ رياضة كرة القدم، بعدما شهدت بداية الخطط التكتيكية في اللعب من المدرب المجري.

في تلك الفترة، كانت الفرق تلعب بخطة تكتيكية واحدة، وتُقسّم من خلالها تشكيلة اللاعبين إلى فوجين: فوج يدافع وآخر يهاجم، وهي الطريقة التي طبّقها المنتخب الإنجليزي في مواجهته التاريخية مع نظيره المجري.

لكن مدرب منتخب المجر الذهبي اعتمد أسلوباً تكتيكياً مُستحدثاً، فاجأ من خلاله منافسه، مثلما أبهر الجمهور والنقاد الرياضيين.

في المباراة التي فازت بها المجر على إنكلترا بسباعية/ وكيبيديا
في المباراة التي فازت بها المجر على إنكلترا بسباعية/ وكيبيديا

فقد لعب تلك المباراة بكتلةٍ واحدة فقط، كان خلالها كل اللاعبين معنيّين بمجريات اللعب. كما قرر المدرب غوستاف سيبيس أن يلعب المنتخب بقلبَي هجوم بدلاً من 3، بخلاف ما كان سائداً، ولجأ كذلك إلى تحويل المهاجم الثالث إلى متوسط ميدان هجومي؛ الذي صار يُطلق عليه لاحقاً "قائد العمليات الهجومية"، ويحمل عادة الرقم "10".

وفي تلك المباراة، طلب المدرب المجري من الجناحَين الأيمن والأيسر التراجع قليلاً إلى خط وسط الميدان، لتكون الهجمات أكثر سرعة عند استرجاع الكرة من المنافس؛ وذلك بعدما كان مُتعارفاً أن يلعب الجناحان في خط الهجوم فقط.

وفي تصريحٍ قديم للنجم المجري فرينتس بوشكاش حول الطريقة التي ابتكرها المدرب وساهمت بشكلٍ كبير في نتائج منتخب المجر الذهبي، قال فيه: "كنّا أحراراً في تحركاتنا، وجميعنا معنيّ باللعب حينما تكون الكرة بحوزتنا. عندما نهاجم فالكل يُهاجم، والأمر نفسه ينطبق حين نكون في حالة الدفاع".

وفي تصريحٍ آخر، يقول بوشكاش: "اخترعنا بطريقةٍ ما الكرة الهولندية الشاملة"، وذلك في إشارةٍ منه إلى الطريقة التي أبدعها المدرب الهولندي رينوس ميشيلز -في نهاية ستينيات القرن الماضي- وبرع فيها مع نادي أيكاس أمستردام.

وفاز منتخب المجر على نظيره الإنجليزي بنتيجة كبيرة (7-1) في مباراة ودية أخرى، جرت في بودابست يوم 23 مايو/ أيار 1954، أي قبل ثلاثة أسابيع فقط من نهائيات كأس العالم في سويسرا. 

هُزم في مونديال 1954 بعد 32 مباراة من دون خسارة 

دخل المنتخب المجري الذهبي نهائيات مونديال 1954 في ثوب المُرشح الأول لحصد اللقب، وكان يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق حلم جماهيره. 

فقد فاز في الدور الأول على منتخبَي كوريا الجنوبية (9-0) وألمانيا الغربية (8-3)، ثم  تجاوز عقبة منتخبَي البرازيل (4-2) في ربع النهائي، والأوروغواي (4-2) في نصف النهائي، قبل أن تتبخر آماله في التتويج.

هُزم منتخب المجر الذهبي في المباراة النهائية أمام ألمانيا بثلاثة أهداف لهدفين -في نهائي عُرف بـ"معجرة بيرن"- رغم أنه كان متقدماً بهدفين نظيفين، بعد 8 دقائق فقط من بداية المواجهة؛ لتكون المباراة الأولى التي يُهزم فيها منذ أكثر من 4 سنوات، بعد سلسلة من 32 مباراة من دون خسارة. 

استمرّ منتخب المجر بالتألق بعد نهاية مونديال سويسرا 1954، وقد باشر بسلسلة جديدة من اللقاءات من دون هزيمة، طيلة 18 مباراة، انتهت بتشتّت الفريق لأسبابٍ سياسية.

مباراة المجر وألمانيا في مونديال سويسرا/ Getty Images
مباراة المجر وألمانيا في مونديال سويسرا/ Getty Images

الاضطرابات السياسية أنهت منتخب المجر الذهبي 

في 23 أكتوبر/تشرين الأول 1956، انطلقت الانتفاضة الشعبية المجرية ضدّ النظام الشيوعي للبلاد، التي استمرت حتى 4 نوفمبر/تشرين الثاني، وانتهت بقمعها من قِبل الجيش المجري بمساعدة الجيش الأحمر السوفييتي.

وعند اندلاع الانتفاضة الشعبية بالمجر، كان نادي بودابيست هونفيد موجوداً في مدينة بلباو الإسبانية لخوض مباراة ضمن بطولة أوروبا للأندية. رفض معظم لاعبيه العودة إلى البلاد احتجاجاً على قمع النظام العسكري للمتظاهرين المدنيين. 

وبطلب من اتحاد الكرة المجري، سطّر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) عقوبة بحق اللاعبين، وحرمهم من التعاقد مع أندية جديدة لمدة 18 شهراً. 

وبما أنّ منتخب المجر الذهبي كان متشكلاً في أغلبيته من لاعبي نادي بودابيست هونفيد، فقد تشتت تلقائياً، فاسحاً المجال أمام منتخبٍ جديد غير منسجم، ما انعكس سلباً على نتائجه الفنية لاحقاً.

وبعد انقضاء فترة العقوبة، نحج بعض نجوم منتخب المجر الذهبي في الظفر بعقود احترافية مع أندية أوروبية عريقة، على غرار ساندور كوتشيش الذي انضمّ إلى برشلونة، وفرينتس بوشكاش الذي خلّد اسمه في ريال مدريد. 

تحميل المزيد