يومٌ للعرب.. مونديال قطر: ارفع رأسك أنت عربي2022

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/12 الساعة 10:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/12 الساعة 10:11 بتوقيت غرينتش
فرحة الجماهير المغربية والعربية بتأهل المنتخب المغربي/REUTERS

قلنا سابقا أن هذا المونديال استثنائي للعرب، فمن توهج قيادة  قطر إلى مباريات المنتخبات العربية، وانتهاءً بما يقدمه أولاد الركراكي من بطولات ليس لها مثيل في تاريخ المشاركات العربية والإفريقية، فبعد أن مر المنتخب المغربي متصدر للمجموعة وجد نفسه أمام منافس شرس له الباع الطويل في البطولة، وهو الفائز بها في مونديال جنوب إفريقيا مع جيل تشافي وإنيستا، منتخب لاروخا كنا نتمنى جميعا ألا نواجهه ولكن شاء الله تعالى أن يتأهلوا كوصيف لليابان في مجموعة وصفت بالجنون، وكيف لا وهي من شهدت إقصاء أبناء برلين أصحاب مونديال البرازيل.

إلا أننا وبعزيمة الرجال التي لا تهاب الصعاب بل تناديها أن أقبلي ولا تترددي فنحن لك يا صعابُ خلقنا، وهكذا كان، وبعد مباراة رأينا فيها كل شيء إلا الأهداف، اتجهنا لركلات الجزاء التي عولنا على ابننا ياسين بونو فكان في الموعد حتى تخيلته يقرض قول طرفة بن العبد:

"إذا قيل من فتى خلت أني قد عنيت فلم أكسل ولم أتبلد"

فكان ياسين في العزم كطرفة أو هو كعنترة، وصد من الركلات ثلاثا وأخرى قالت العريضة هذه مني لكم يا مغاربة، وهكذا أنصفت كرة القدم من أحبها بجنون ومن ردد وراءه الملايين "يا الله"

حناجر ملايين العرب ستحتاج لفترة نقاهة بعد أن صدحت طيلة المباراة بالهتاف والدعاء، ولم يكن لها أي متسع لشربة ماء أو استراحة وهناء، فهذه مباراة للتاريخ، ومباراة لا باقي المباريات، فنحن اليوم نكتب تاريخا جديدا للمشاركة العربية، ونمزق صفحة كتب عليها "المهم المشاركة" ونسطر بعرق يتصبب كاللؤلؤ من جبين الرجال "سجل أنا عربي، سجل أني أريد الكأس".

فوز المنتخب المغربي على نظيره البرتغالي / رويترز
فوز المنتخب المغربي على نظيره البرتغالي / رويترز

ولأننا لا نهاب الشدائد العظام، لم نفزع حين قالوا ستواجهون البرتغال، الذين هم برازيل أوربا وفيهم رونالدو، بل قلنا يا مرحبا برونالدو وبمن معهم. 

ودخلنا المباراة ضد البرتغال وبادرنا إلى الهجوم كأننا نحن البرازيل لا هم، وضيعنا الفرص، وضيعوا كذلك، وأضحت المباراة سجالا، حتى ارتقى يوسف النصيري إلى الثريا كأنه فتاك من فتاك العرب إلا أنه لا يغير على  القوافل والقبائل إنما أغار دون من أول يوم على مرمى البرتغال فسرق حلم رونالدو بالذهب، وأودع الكرة شباك أحفاد أوزيبيو وروي كوستا.

وانتهى الشوط الأول على وقع الهدف، ودخلنا الشوط الثاني وكلنا عزم على تسجيل الثاني، ولم لا الثالث كذلك، إلا أن المباراة أصبحت برتغالية ومتوقع هو هذا،وما زاد من تأزم وضعيتنا تغيير سايس القائد بعد الإصابة، وطرد شديري للتهور، وحتى ظننا أن البرتغال قد تفعلها وتعادلنا، أطلق الحكم صافرته معلنا تأهل المغرب لنصف الذهب كأول منتخب عربي وإفريقي في التاريخ.

أي تاريخ سجلته الشوارع العربية والمقاهي والبيوت، التي لم يهدأ لها بال حتى شاهدت الأسود وهي ساجدة، و الركراكي وهو يجري كالمجنون، وبوفال وهو يرقص مع والدته في سعادة لا توصف.

أمام هذه الفرحة الغامرة شدني منظر الشوراع العربية وكيف انتشت بفوز أسود الأطلس فقلت " إنه العجب العجاب الذي يحدث في هذا العالم العربي، لقد شاهدنا فوز المنتخبات الأوربية أكثر من مرة ولكننا ولا مرة رأينا الإسبان يحتفلون بفوز فرنسا أو البرتغال بفوز الإنجليز، لكننا رأينا كيف تحتفل غزة بفوز المغرب وتخرج الحشود في الدوحة وتتزين شوارع القاهرة، وتتعالى الهتافات في مقاهي تونس والخرطوم وبغداد واللاذيقية وبيروت وطرابلس الغرب وقسطنطينة وبسكرة، ومسقط وأنقرة ونواكشوط وغزة الأبية والتي لم تغب عنا ولو لوهلة بل إن القضية الأولى للمونديال هي  القضية الفلسطينية.

المونديال..لماذا يحدث هذا عند العرب فقط؟

يقول الحق تعالى في كتابه العزيز "إن أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون" حين درس الغرب هذا العالم العربي أمكن منه ومن دوله، وجد أمامه شعوبا غير شعوب احتلها من قبل، ولم يكن يتوقع أبداً أن يفشل في ما نجح فيه في القارة الأمريكية بعد أن حول أهلها من الوثنية إلى المسيحية ومن لغتهم الأم إلى اللاتينية.

وجد الغرب نفيه أمام أمة تتحدث نفس اللغة ولها نفس الدين والتاريخ، فوقع في حيرة من أين يبدأ، وبعد مدة طويلة تأكد أن اللغة التي تجمع هذه الشعوب أكثر من مجرد لغة وأن الدين الذي يوحد هذه الأمة أكثر من مجرد دين.

عمل بكل وسعه من أجل اقتلاع العرب من دينه وتعويض العربية بلغته، ووقف في وجه الشيوخ والمعلمين فقتلهم وعذبهم ونفاهم؛ وهدم المساجد وأغلق الكتاتيب، ولم يفلح في نهاية المطاف، وظلت العربية راسخة يتغنى بها الشعراء وبقي الإسلام شامخاً يجمع المسلمين كل ساعة في المسجد وكل عام في مكة والمدينة.

اليوم ونحن في الألفية الثالثة، لا زالت العربية توحدنا ولازال الإسلام يلملم فرقتنا ويداوي جراح البعد بين الأحبة، وها هي ذي فرحة تأهل المنتخب المغربي تعيد إلى الأذهان مسيرات الشعوب العربية المجاهدة إبان الاستعمار يوم خرج العالم العربي فرحة بانتصار المقاوم المغربي محمد بن عبد الكريم الخطابي في أنوال الخالدة 21 يوليوز 1921، ويوم اغتالت أيدي الغدر الفرنسية المناضل التونسي فرحات حشاد في 5 دجنبر 1952 في رادس، وخرجت الجموع في كل بقاع العالم العربي لتحتج، فقابلتها رشاشات المحتل بالرصاص الحي.

الجماهير المغربية خلال المباراة التي جمعتهم بالبرتغال/ REUTERS
الجماهير المغربية خلال المباراة التي جمعتهم بالبرتغال/ REUTERS

هذه الأمة العربية لا زالت بخير، ولم تنسى يوما أنها كانت موحدة على قلب رجل واحد، وليس يمكن أن يحدث وتختفي هذه اللحمة العربية، لأن الله تعالى قدم لنا ما لا يصدأ ولا يشيب، لغة عربية وقرآن يتلى آناء الليل والنهار.

سيبقى هذا اليوم راسخا في ذاكرة كل مغربي وكل عربي، إنه يوم للتاريخ، وليس يقول أحد أنها مجرد لعبة، لا وألف لا لقد تجاوزت منذ مدة هذه المستديرة كونها منافسة رياضية، واليوم هذه رسالة مشفرة لم يهمهم الأمر، فهذه البقعة المباركة من العالم لا زال بإمكانها أن تعود وتبهركم كما فعلت سابقا، وإن فعلنا وقارعناكم في ملعب كرة القدم،فغدا تجدوننا في ملاعب أخرى كنت تعتقدون أنها خلقت لكم، وإنها رسالة لكل مغربي "ارفع رأسك أنت مغربي"ولكل عربي "ارفع رأسك أنت عربي".

كما أنها رسالة إلى الفرق الأخرى أن احذرونا فإنا متعطشون للفوز ولن نسمح لكم بأخذ كأس العالم بعيدا عن قطر بل نسعى لأن نبقيها قريرة العين في بلاد العرب بإذن الله تعالى.

يحق لك  أيها العربي أن تسعد وتفرح، ففرحنا فرحك وحزننا حزنك، وهكذا نحن أيضا سعادة أي عربي ومسلم سعادتنا؛ وإن قال دريد بن الصمة: "وما أنا إلا من غزية إن غوت ، غويت وإن ترشد غزية أرشدِ".فلسان حال كل عربي: "وما أنا إلا من العرب إن تحزن، أحزن وإن تسعد العرب أسعدِ".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي الرباج
كاتب مغربي
كاتب مغربي
تحميل المزيد