في الوقت الذي كان يعاني فيه المغرب قلة المواهب الكروية، وكثرة الإخفاقات على مستوى الأندية المحلية، والمنتخب الوطني، أصدر الملك محمد السادس، سنة 2007، تعليماته من أجل تأسيس أول أكاديمية كروية، من أجل إعادة هيكلة هذا القطاع، حملت إسم "أكاديمية محمد السادس لكرة القدم".
وبعد سنتين، تم فيهما بناء الأكاديمية، في مدينة سلا، بالقرب من العاصمة المغربية الرباط، افتُتحت الأكاديمية، التي استطاعت تخريج العديد من المواهب الكروية المغربية، والذين أصبحوا اليوم نجوماً في عالم الساحرة المستديرة، سواء داخل الأندية المحلية، أو الأوروبية، لتتمكن ثلاثة أسماء منهم من حجز مقعد في القائمة الرئيسية للاعبي المنتخب المغربي في مونديال قطر 2022.
أكاديمية محمد السادس لكرة القدم للبحث عن مواهب كروية جديدة
بعد تأهل المغرب إلى مونديال 1998، والذي أُقصي منه في دور المجموعات، ثم اعتزال مجموعة من اللاعبين المغاربة اللعب الدولي، وهم الذين كانوا من بين الأقوى كروياً في جيلهم، وأبرزهم مصطفى حجي، ونور الدين النيبت، وصلاح الدين بصير، عانى المغرب من فترة ركود كروي كبيرة، جعلته يغيب عن أغلب البطولات المقامة خارج أرض الوطن.
ومن أجل إعادة هيكلة القطاع الكروي، والنهوض به من جديد، جاءت فكرة تأسيس أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، من قِبل الملك المغربي، للبحث عن أسماء كروية جديدة، على أمل أن تكون الشعلة المنيرة في الكرة المغربية.
وجاء هذا المشروع الجديد، الذي كلف ما يقارب 13 مليون دولار أمريكي، بسلسلة من التغيرات، أهمها حل مشكلة قلة المرافق الرياضية، ووضع برنامج تكوين المواهب الكروية بمعايير عالية، تُمكن الجيل الصاعد من الاحتراف في أكبر النوادي الكروية، سواء داخل المغرب أو خارجه، بعد البحث عنها في مختلف المدن المغربية.
ملاعب كبرى وعيادات طبية.. أهم مرافق الأكاديمية
وقد تميزت هذه الأكاديمية الكروية بمعايير دولية، تتعلق بالبنية التحتية، وطرق العمل، والتأطير الكروي، والنفسي، والاجتماعي للمواهب الجديدة.
فقد امتدت على مساحة تقارب 18 هكتاراً، وتحتوي على 5 أقسام مختلفة، وهي تلك المخصصة للسكن، والتي تضم 30 غرفة مزدوجة و4 غرف فردية، وفضاء للتسلية ومطبخ، وقاعة طعام بسعة 100 فرد.
ثم القسم المخصص للدراسة، ويضم 10 قاعات للتدريس، بالإضافة لقاعة كبيرة، تم تخصيصها من أجل الندوات والمؤتمرات الإعلامية.
كما يوجد داخل الأكاديمية قسم الطب الرياضي، المكون من قاعة لتقوية العضلات، و4 غرف ملابس، وعيادة طبية، ثم قاعة للعلاج الطبيعي، وحوض للمعالجة بالمياه المعدنية، وكذلك القسم الإداري، الخاص بالمشرفين على الأكاديمية، من بين المدربين.
أما آخر قسم وأهمها فهو ذلك المتعلق بالجزء الفني للاعبين الناشئين، والمكون من 5 ملاعب كبرى، 3 منها من النجيل الصناعي.
تكوين الأطفال ابتداء من 13 سنة
وتم تعيين منير الماجيدي، السكرتير الخاص لملك المغرب، ليكون مشرفاً على الأكاديمية، كونه رئيس نادي الفتح الرباطي المحلي، فيما عاد الإشراف الفني لناصر لارغيت، المدير الحالي لمدرسة شبان أولمبيك مارسيليا الفرنسي.
إضافة إلى تعيين باقة من خيرة المربّين المغاربة والأجانب، من أجل انتقاء المواهب الكروية الجديدة، والإشراف على تدريبها، قبل انتقالها إلى النادي الكروي الذي سوف تحترف به.
وقد تضمنت أول مجموعة تم تكوينها في الأكاديمية 45 طفلاً، تتراوح أعمارهم ما بين 13 و18 سنة، تم اختيارهم من مختلف المدن المغربية، إذ تم إخضاعهم لاختبارات فنية وبدنية قبل دمجهم في صفوف الأكاديمية، التي تعتمد نظام التدريس والتدريب في نفس الوقت، كما هو الحال في النوادي الأوروبية.
النصيري.. من أكاديمية محمد السادس إلى الدوري الإسباني
وبالفعل، تمكنت أكاديمية محمد السادس لكرة القدم من تحقيق ما كانت تطمح إليه، بعد تكوينها جيلاً جديداً من اللاعبين، الذين تمكنوا من الانضمام إلى نوادٍ كروية شهيرة، سواء في المغرب أو خارجه.
ويبقى أشهر اللاعبين خريجي الأكاديمية، أولئك الذين تألقوا في كأس العالم قطر 2022، رفقة المنتخب المغربي، تحت قيادة المدرب وليد الركراكي.
وأول هؤلاء اللاعبين هو يوسف النصيري، ابن مدينة فاس، الذي بدأ مساره الكروي ضمن أكاديمية المغرب الفاسي، وذلك لأنه الفريق الذي يمثل مدينته فاس، لينتقل بعد ذلك إلى الأكاديمية الجديدة سنة 2011، ويستمر إلى 2015، عندما تعاقد لأول مرة مع نادي "ملقا" الإسباني، وظل معه إلى 2018.
وبعد ذلك انتقل النصيري إلى نادي ليغانيس الإسباني إلى حدود سنة 2020، وهي السنة التي انتقل فيها لنادي إشبيلية مقابل 25 مليون يورو.
فيما انضم ابن فاس للمنتخب الوطني المغربي سنة 2016، ليشارك معه في كأس العالم 2018، ثم كأس العالم 2022، ويصبح أول لاعب مغربي يسجل هدفين في مونديالين متتاليين.
أكرد وأوناحي.. نجوم كرة القدم الفرنسية بعد تكوين مغربي
ومن بين اللاعبين خريجي الأكاديمية، نجد نايف أكرد، الذي التحق بها سنة 2011، ليغادرها سنة 2014 نحو نادي الفتح الرباطي المغربي.
وفي سنة 2014، تمكّن من توقيع أول عقد له خارج أرض الوطن، إلى جانب نادي "ديجون" الفرنسي، الذي استمر معه حتى سنة 2018.
وبعد ذلك توجَّه أكرد للعب ضمن نادي رين الفرنسي، حتى عام 2022، وهي السنة التي انتقل فيها إلى نادي ويست هام يونايتد الإنجليزي.
فيما لعب إلى جانب المنتخب المغربي للمحليين، ليشارك ضمن تشكيلة الركراكي في مونديال قطر 2022، لتكون هذه هي المرة الأولى التي يلعب فيها في كأس العالم.
أما ثالث هؤلاء اللاعبين الذين تمكنت الأكاديمية من صناعتهم من أجل الاحتراف، فهو عز الدين أوناحي، الذي انضم إليها سنة 2015، إلى حدود سنة 2018، عندما انتقل للاحتراف رفقة نادي ستراسبورغ الفرنسي، ثم انتقل سنة 2020 للعب رفقة نادي يو إس افرانش إلى حدود سنة 2022، وهي السنة التي وقّع فيها مع نادي أنجيه، وانضم فيها إلى المنتخب المغربي، من أجل اللعب إلى جانب بقية الفريق في مونديال قطر.