لا شكّ أنّ النجاح البالغ الذي يحققه منتخب المغرب في كأس العالم قطر 2022 حتى الآن تجمعت حوله عدة ظروف مثالية جعلت أسود الأطلس يكتبون التاريخ بتأهلهم للدور الربع النهائي.
توزعت هذه الظروف بين أداء اللاعبين وتكتيك المدرّب وتشجيع المناصرين المغاربة، وبشكل كبيرٍ انحصرت بين أقدام اللاعبين، فكان لاعب خط الوسط سفيان أمرابط من بين أبرز اللاعبين المغاربة الذين سطروا ملاحم منتخب المغرب في المونديال.
فالنجم المغربي ولاعب خط وسط نادي فيورنتينا الإيطالي البالغ من العمر 26 عاماً، لعب كل دقيقة متاحة حتى الآن في كأس العالم، ولعب دوراً رئيسياً في توازن لعب منتخب المغرب، بصفته لاعب وسط دفاعي في تكتيك 4-3-3 للمدرب المغربي وليد الركراكي.
وبالرغم من إصابته قبل مباراة إسبانيا فإنّ نجم خط الوسط المغربي أبلى بلاءً حسناً في معركة الوسط في مواجهة نجمي منتخب إسبانيا جافي وبيدري.
وبعد نهاية المباراة كشف أمرابط أنّه بقي مستيقظاً حتى الساعة الثالثة صباحاً من أجل تلقي العلاج الطبيعي، من أجل التواجد في مباراة إسبانيا، لحساب ثمن نهائي مونديال قطر 2022.
ويمثّل المكان الذي يلعب فيه سفيان أمرابط من أصعب الأدوار التي يمكن أن يقوم بها لاعبو كرة القدم، إذ يكون مسؤولاً عن ضبط إيقاع وسط الميدان، ويلعب دور الرابط بين الدفاع والهجوم، وفي الكرة العصرية باتت المعارك الكروية تحسم من خلال سيطرة على وسط الميدان، وامتلاك أحسن اللاعبين الذين يؤدون أفضل في ذلك المنصب، وهي النقطة التي حسمت لمنتخب المغرب الكثير من المباريات بفضل لاعبه المتميّز سفيان أمرابط.
سفيان أمرابط الموهبة المغربية التي تشكلت في المدارس الهولندية
وُلد سفيان أمرابط يوم 21 آب/أغسطس 1996، ببلدة "بلا ريكوم" الهولندية، من أبوين مهاجرين، تعود أصولهما إلى بلدة بن طيب بجبال الريف المغربية.
ومنذ صغره، بدأ سفيان ممارسة رياضة كرة القدم؛ إذ لم يكن عمره قد تجاوز سبع سنوات حينما انتسب لفريق دي زويفوغلز الهولندي الصغير في عام 2003، قبل أن ينضم لأكاديمية نادي أوتريخت الهولندي في عام 2006، حيث تلقى تكوينه الرياضي وصُقلت موهبته؛ ما جعل مسؤولي النادي الهولندي يمنحونه عقداً احترافياً في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 وهو في سن الـ17 من عمره، خشية خطفه من طرف الأندية الهولندية الأخرى.
تدرّج سفيان أمرابط مع نادي أوتريخت ضمن فئاته العمرية، حتى صعد للفريق الأوّل في سبتمبر/أيلول 2014، تحت إشراف المدرب روب ألفلين الذي منحه فرصة خوض مباراته الاحترافية الأولى وهو في الـ18 من عمره، وكان ذلك يوم 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2014.
خلال موسمه الأوّل بالدوري الهولندي اكتفى الشاب الصاعد سفيان بالمشاركة في 4 مباريات فقط، وذلك بسبب المنافسة الشديدة على مقاعد وسط الميدان الرئيسية في أوتريخت.
وفي الموسم الموالي الذي كان تحت إشراف المدرب إيريك تين هاغ المدرّب الحالي لمانشستر يونايتد،شارك سفيان في 12 مباراة رسمية لكل المسابقات، قدّم خلالها 3 تمريرات حاسمة.
وواصل سفيان أمرابط تطوره التدريجي تحت قيادة المدرب الهولندي تين هاغ في موسم 2016- 2017، فشارك في 38 مباراة رسمية، سجل خلالها هدفاً واحداً وصنع 4 أهداف أخرى.
جلب تألقه في ذلك الموسم اهتمام العديد من الأندية الهولندية الكبيرة، على غرار بطل الدوري فينورد روتردام الذي تعاقد معه في يونيو/حزيران 2017، لمدة 4 سنوات، مقابل 5 ملايين يورو.
في فينورد عاش سفيان تجربة صعبة، بسبب نقص المشاركة؛ إذ لم يشارك معه سوى في 33 مباراة خلال موسمين.
لينتقل بعدها أمرابط إلى وجهة أخرى ببلجيكا، أين وقّع لصفوف نادي بروج البلجيكي الذي تعاقد معه يوم 24 آب/أغسطس 2018، لمدة 4 أعوام، في صفقة بلغت قيمتها 2 مليون يورو.
ورغم ذلك، بقيت وضعية سفيان أمرابط مع ناديه الجديد معقدة بسبب قلة المشاركات الأساسية مع الفريق مع تغيير منصبه إلى مدافع، قبل أن تتم إعارته يوم 22 آب/أغسطس 2019 لنادي هيلاس فيرونا الإيطالي.
في فيرونا، وجد أمرابط ضالته، مما أدى إلى النادي الإيطالي إلى شراء عقده من كلوب بروج البلجيكي مقابل 3.5 مليون قبل أن يتعاقد معه نادي فيورنتينا يوم 30 يناير/كانون الثاني 2020، وهو النادي الذي لا يزال يلعب فيه سفيان حتى اللحظة، ويمثّل قطعة أساسية في تشكيل النادي الإيطالي.
في مسيرته في الدوري الإيطالي بشكل عام، ظهر سفيان أمرابط في 101 مباراة في المسابقة، وسجل هدفين وصنع واحداً فقط. كما تم طرده في ثلاث مناسبات في الدوري الإيطالي، وتلقى 30 بطاقة صفراء في مجمل مشاركاته بإيطاليا.
كاد أن تخطفه الطواحين الهولندية من أنياب أسود الأطلس
كان سفيان في طريقه إلى تمثيل هولندا، بعدما كان يلعب على مستوى الناشئين لمنتخب هولندا الوطني وكان في طريقه للسير على نفس المسار مع بقية الفئات العمرية للطواحين الهولندية، لكن تأهل "أسود الأطلس" إلى نهائيات كأس العالم تحت 17 عاماً في الإمارات سنة 2013، قلب مستقبل الفتى سفيان أمرابط، خصوصاً بعد الزيارة التي قام بها المدرب الهولندي بيم فيربيك حينها لأسود الأطلس إلى عائلته حيث أقنعهم بأنّه يريد استدعاء سفيان أمرابط للمشاركة في كأس العالم للناشئين.
لم يستطِع بعدها سفيان أمرابط قول لا لمنتخب بلاده الأصلي، لذلك قرر بعدها تمثيل المغرب واللعب لمنتخبي تحت 20 عاماً وتحت 23 عاماً، كما استدعاه المدرب السابق لأسود الأطلس بادو الزاكي لأول مباراة دولية ودية مع المنتخب المغربي الأول عندما بلغ 18 عاماً، حينها جاور أخاه نور الدين في المنتخب المغربي.
ورغم خوضه تلك المباراة مع منتخب المغرب، لم تنقطع آمال الهولنديين في رؤية سفيان يرتدي القميص البرتقالي، إذ ذكر سفيان أمرابط في تصريحات إعلامية، إلى إجراء الاتحاد الهولندي لكرة القدم بقيادة ديك أدفوكات ورود خوليت محادثات في سبيل ضمّه لمنتخب الطواحين الهولندية.
وذكر سفيان: "لقد ذهبت للقائهما مع وكيل أعمالي، كانت محادثة رائعة، تحدثنا لمدة ساعدني وأخبرني أدفوكات أنه يريدني في المنتخب الهولندي".
وأضاف أمرابط أنّ رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم سمع باللقاء وما دار فيه، بعدها تمت دعوته لحضور مواجهة المغرب ضد الغابون ضمن تصفيات كأس العالم، وهي المباراة التي شهدت فوز المغرب 3-0 في الدار البيضاء ولم تشهد مشاركة سفيان أمرابط.
أعجب أمرابط بالأجواء الحماسية التي رافقت تلك المباراة، فقرر بعد عودته إلى هولندا الاتصال بأدفوكات وأخباره بأنّه يريد تمثيل منتخب المغرب فقط.
شارك سفيان أمرابط مع منتخب المغرب في كأس العالم بروسيا 2018، وخلال تلك المنافسة كان سفيان أمرابط أوّل لاعب في التاريخ يدخل الملعب في مكان شقيقه، بعد أن دخل في مكان أخيه نور الدين أمرابط في الدقيقة 76 ضد إيران في كأس العالم 2018.
كما شارك في نهائيات كأس أمم إفريقيا سنة 2019 بمصر، وسنة 2022 بالكاميرون، ويشارك حالياً في ثاني نسخة له من كأس العالم بمشاركته في مونديال قطر 2022.
وخلال مشاركته الحالية في مونديال قطر، قام أمرابط في المباريات الثلاث الأولى للمونديال، بتقديم 133 تمريرة وقطعه لـ5 كرات، فضلاً عن افتكاك الكرة في 24 مناسبة، دون احتساب أدائه في مباراته ضد منتخب إسبانيا والتي استمرت 120 دقيقة وشارك فيها أمرابط كلّها.