احتضنت دولة جنوب إفريقيا نهائيات كأس العالم 2010 لكرة القدم، للمرة الأولى في تاريخ القارة السمراء. فكان الحدث بمثابة فخرٍ كبير لشعوبٍ بأكملها، كما كان فرصةً لتعريف العالم على ثقافة وتقاليد البلاد.
ولعلّ أكثر ما نتذكره من هذه البطولة هو "الفوفوزيلا"، تلك الآلة الموسيقية الغريبة التي أثارت جدلاً واسعاً على أرض الملاعب وخارجها، والتي لم يكن معظمنا ليتعرّف عليها لولا هذا المونديال.
فرضت الفوفوزيلا نفسها، أو بالأصح صوتها، على الجميع في نهائيات بطولة كأس العالم 2010؛ وأصبحت هي الحدث الذي اتجهت أنظار العالم كلّه نحوه.
ولمن لا يعرف، تُعرّف الفوفوزيلا على أنها "صانع ضوضاء بلاستيكي" بسيط على شكل بوقٍ مستقيم، يتراوح طوله في العادة ما بين 2 و3 أقدام، وينتج عنه نغمة واحدة، كما أنه يُستخدم بشكلٍ أساسي في الأحداث الرياضية.
الفوفوزيلا الأصلية مصنوعة من قرون حيوان الكودو
الآلة الأصلية منها مصنوعة من قرون الكودو، وهو حيوان ثديي يعيش في شرق وجنوب إفريقيا. يُشبه الكودو البقرة إلى حدٍّ ما، ويتميّز بقرونه الطويلة غير المستقيمة، التي يمكن أن تصل إلى ارتفاع 1.5 متر.
وبحسب موقع Les Echos الفرنسي، يوجد اختلاف حول سبب تسمية تلك الآلة بـ"فوفوزيلا". يقول البعض إن الكلمة مشتقة من كلمة موجودة في لغة "الزولو"، إحدى أكبر قبائل سكان جنوب إفريقيا، وتعني "إحداث الضجيج"؛ فيما يدّعي البعض الآخر أنها سُمّيت نسبةً إلى الصوت الصادر منها.
ظهرت الفوفوزيلا للمرة الأولى على مدرجات ملاعب جنوب إفريقيا، في تسعينيات القرن الماضي، لا سيما خلال مباريات نادي "كايزر تشيفز"؛ ثم انتشرت بشكلٍ واسع في البلاد ابتداءً من سنة 2001، في ظلّ تسويق النسخة البلاستيكية من الآلة، والتي يبلغ طولها حوالي متر واحد.
وإذا كانت الفوفوزيلا تُضفي أجواءً حماسية كبيرة في المدرجات، فإنها تصنع أيضاً ضجيجاً اعتبره البعض مُزعجاً، خاصةً عندما تُستعمل في الوقت نفسه من قِبل المشجعين. ولعلّ ذلك كان سبب منع إدخالها إلى مدرجات قطر في مونديال 2022.
انطلقت نهائيات كأس العالم 2010، يوم 11 يونيو/حزيران في ملعب "سوكر سيتي" بمدينة جوهانسبورغ، بين منتخبَي جنوب إفريقيا والمكسيك، لحساب الجولة الأولى من المجموعة الأولى للدور الأول، وانتهت بالتعادل الإيجابي.
خرجت معظم الجماهير التي تابعت المباراة على شاشات التلفزيون، في شتى بقاع العالم، بانطباعٍ واحدٍ، ألا وهو الضجيج الكبير الذي يصمّ الآذان، والذي كنا نسمعه من المدرجات.
ولسنا نبالغ لو قلنا إن صوت الفوفوزيلا مستفز إلى حدٍّ كبير؛ فقد حرم عدداً كبيراً من عشاق كرة القدم من الاستمتاع بالشكل اللازم بالمباريات، وكانوا يجدون صعوبة كبيرة في الاستماع إلى ما يقوله المعلق الرياضي على المباراة.
الفيفا حرصت على احترام تقاليد جنوب إفريقيا
من جهته، كان الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) على علمٍ مُسبق بالإزعاج الذي تسبّبه الفوفوزيلا في الملاعب، وقد كان قلقاً بالفعل من الأمر، ولكنه كان حريصاً في الوقت نفسه على احترام تقاليد جنوب إفريقيا؛ وبالتالي عدم منع استعمال الآلة خلال الحدث الرياضي الأهم في البلاد.
ازدادت الشكاوى من الأصوات المزعجة للفوفوزيلا مع توالي مباريات مونديال 2010، لا سيما بعد أن أصبحت هذه الآلة تُباع بالآلاف في محيط الملاعب الجنوب إفريقية؛ فلم يعد استعمالها مقتصراً فقط على أنصار منتخب البلد المُضيف.
وقصد التخفيف من ذلك الازعاج، لجأت الكثير من القنوات التلفزيونية العالمية إلى شركاتٍ متخصصة في خوارزميات فصل الصوت، فعمدت إلى تركيب جهازٍ خاص لتنقية الصوت وطمس ضوضاء الفوفوزيلا، مع الحفاظ في الوقت ذاته على الأجواء الحماسية للمباريات.
الانزعاج لم يكن محصوراً بالمشاهدين خلف شاشة التلفزيون وحسب، بل إن عدداً من اللاعبين اشتكوا أيضاً من صوت الآلة. قلّما كانوا يسمعون بعضهم، أو صافرات الحكم وإرشادات المدربين.
وقد كان من الممكن جداً أن يتكرر المشهد ذاته خلال نهائيات كأس العالم 2014 في البرازيل، لو تمّ السماح بإدخال آلة "كاسيرولا" Caxirola إلى الملاعب.
والكاسيرولا هي آلة موسيقية بلاستيكية، تُصدر صوتاً صاخباً شبيهاً بصوت الفوفوزيلا؛ لكن الاتحاد الدولي لكرة القدم وجد هذه المرة الحجة المادية لمنعها، بسبب احتوائها على كرياتٍ معدنية قد تشكل خطراً على الحضور فيما لو تمّ قذفها على أرض الملعب أو استعمالها في أعمال شغب محتملة.