يدخل منتخب بولندا نهائيات كأس العالم قطر 2022، بآمال معلقة على نجم برشلونة روبرت ليفاندوفسكي من أجل إعادة مجدها الكروي الغائب منذ 40 عاماً، وذلك عندما تخوض بولندا نهائيات البطولة في المجموعة الثالثة القوية التي تضم إلى جانبه منتخبات الأرجنتين والمكسيك والمملكة العربية السعودية.
تشارك بولندا للمرة التاسعة في تاريخها بكأس العالم في مونديال قطر، وتأمل في تكرار إنجاز نسختي 1974 و 1982 عندما أحرزت المركز الثالث في بطولة كأس العالم، لكن المنتخب الذي يقوده أفضل لاعب في العالم عام 2021، ويدخل هذا المونديال بأسماء صعبة وغير معروفة، سيتعينّ عليه كسر الرقم الأصعب وهو محاولة التأهل إلى الدور الثاني لأول مرة منذ نسخة 1986 بالمكسيك.
الجيل الذهبي لمنتخب بولندا كاد يحرز لقب مونديال 1974
في عام 1973، استعدت إنجلترا لمباراة حاسمة في تصفيات كأس العالم ضد منتخب بولندا، الذي كان حينها يختبئ خلف الستار الحديدي للشيوعية، ولم يكن له ماضٍ كروي مشرف، فقد كان لاعبوهم مجهولين، إضافةً إلى ذلك كانوا يفترضون أنهم أقل شأناً كشأن باقي منتخبات أوروبا الشرقية التي لم تحقق منتخباتها التأهل لبطولة دولية منذ فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية.
وصف المدرب الإنجليزي الشهير براين كلوف، الحارس البولندي يان توماسزيفسكي، بأنه "مهرج"، في النهاية نجحت بولندا في إكمال مباراتها مع إنجلترا في ملعب ويمبلي وأمام 100 ألف مشجع إنجليزي بالتعادل 1-1، وتأهلت بعدها بولندا إلى نهائيات كأس العالم بفضل القرعة.
عندما وصلت بولندا إلى كأس العالم 1974، كانت تحمل ذكريات أليمة برفقة حقائب لاعبيها، فقد تمت استضافة تلك النسخة من قبل ألمانيا الغربية، بعد عقودٍ قليلة من تدمير بولندا على يد جارتها الغربية خلال الحرب العالمية الثانية.
كازيميرز دينا، جرزيغورز لاتو، ولودزيميرز لوبانسكي، أندريه زارماش، فلاديسلاف زمودا، أبرز الأسماء التي شكّلت الجيل الذهبي لكرة القدم البولندية، وقادت منتخب بولندا في كأس العالم 1974، وقبلها إلى تتويج بولندا بالميدالية الذهبية في بطولة الألعاب الأولمبية التي احتضنتها ألمانيا الغربية أيضاً.
دخلت بولندا كأس العالم 1974 في المجموعة الرابعة، إلى جانب كلٍ الأرجنتين وإيطاليا وهايتي، ونجحت بولندا في التأهل إلى دور المجموعات الثاني من النهائيّات، عقب تحقيقها الفوز في كلّ مبارياتها بمجموعتها، وكانت بولندا الفريق الوحيد بالبطولة الذي استطاع أن يفعل ذلك، إذ هزمت إيطاليا والأرجنتين وهايتي وتصدّرت بانتصاراتها فرق المجموعة الرابعة.
في الدور الثاني، وقعت بولندا في المجموعة الثانية رفقة كلٍ من ألمانيا الغربيّة مستضيفة البطولة، يوغوسلافيا والسويد، تخطّت به بولندا السويد بهدف وحيد عبر الهدّاف غريغوري لاتو، وشهدت هذه المباراة تألّق الحارس البولندي الذي تصدّى لركلة جزاء.
في المباراة الثانية واجهت بولندا البلد المستضيف في مباراة تاريخية، بدأت بتأخر صافرة بدايتها 35 دقيقة بسبب الأمطار الغزيرة، حيث حاول رجال الإطفاء أن يسحبوا المياه من أرضيّة الملعب دون جدوى، ومع ذلك أطلق الحكم صافرة البداية رغم أرضيّة الملعب الطينية.
انطلقت المباراة بحذر شديد من الفريقين، لكن البولنديين بادروا في العديد من المرّات بمحاولات لكسر التعادل الذي يكفي خصومهم، وهنا برز الحارس الألماني العملاق سيب ماير الذي أنقذ مرماه من عدّة محاولات.
ومع انطلاق الشوط الثاني سنحت لألمانيا الغربية ركلة جزاء أهدرها أولي هونيس، أمام تألق الحارس البولندي ما زاد من شجاعة البولنديين الذين أتوا إلى هذه المباراة وفي جعبتهم 5 انتصارات في النهائيات من 5 مباريات فقط، ولكن قبل النهاية بربع ساعة استطاع غيرد مولر أن يسجل هدف الفوز لأصحاب الأرض، ويعلن تأهل بلاده للمباراة النهائية، وضاع حلم البولنديين في الوصول إلى النهائي بربع ساعة.
خاض الفريق البولندي الرائع مباراة تحديد المركزين الثالث والرابع مع منتخب البرازيل، وكان له ما أراد عندما فاز بهدف لنجمه غريغوري لاتو الذي توّج هدّافاً للبطولة برصيد 7 أهداف، وبذلك حازت بولندا برونزية النسخة العاشرة من كأس العالم، وباتت الفريق الوحيد في التاريخ الذي هزم منتخبات إيطاليا والبرازيل والأرجنتين في بطولة واحدة.
وفي نهاية البطولة، تحول تومازيوسكي من مهرج إلى أحد أفضل حراس المرمى في أوروبا، كما حاز الأسطورة البولندية غزيجورز لاتو الحذاء الذهبي في البطولة.
كرر منتخب بولندا الإنجاز في مونديال 1982
دخلت بولندا كأس العالم 1982، وهي تعلم أن فرصها في لعب أدوارٍ متقدمة ليست جيّدة، فقبل أربع سنوات في الأرجنتين، فشل المنتخب الأوروبي في تجاوز دور المجموعات.
مع ذلك نجحت بولندا في التأهل إلى الدور الثاني من نهائيات كأس العالم أسبانيا 1982، بعد تعادلين دون أهداف 0-0 مع الكاميرون وإيطاليا ثم انتصارها في الجولة الثالثة 5-1 على بيرو في المجموعة الأولى من المنافسات، وكانت بلجيكا تنتظر بولندا في الدور الثاني.
في الدور الثاني، احتضن ملعب "كامب نو" الذي كان مليئاً بنحو 65 ألف مشجّع، مبارة بولندا أمام بلجيكا.
انهارت بلجيكا في ليلة تألق فيها الأسطورة البولندية زبيغنيو بونيك، الذي أحرز ثلاثية رائعة في غضون 53 دقيقة، ووضع اسمه مع اللاعبين القلائل الذين سجلوا "هاتريك" في تاريخ كأس العالم.
كانت إيطاليا القوية في إنتظار البولنديين في الدور نصف النهائي، في تلك المباراة خسر بولندا بهدفين لصفر.
ومن أجل المركز الثالث، تواجهت بولندا مع فرنسا، وكانت البداية جيدة للمنتخب الفرنسي بتقدّمه في الدقيقة 13 عن طريق رينيه جيرارد، لكن كان الرد قوياً من المنتخب البولندي، وقلبوا الطاولة خلال 6 دقائق.
أدرك أندري زارماخ التعادل عند الدقيقة 41، وقبل نهاية الشوط الأول بلحظات تقدم ستيفان مايوفسكي للبولنديين 2-1.
بعد 3 دقائق من الشوط الثاني، أحرز يانوش كوبيسويز الهدف الثالث لبولندا، فيما سجلت فرنسا هدفًا قبل النهاية عن طريق ألاين كوريول، لكن انتهت المباراة بفوز بولندا 3-2 والحصول على الميدالية البرونزية للمرة الثالثة في المونديال.
فشلت بولندا في بلوغ الدور الثاني بعد جيلها الذهبي
بالرغم من المستوى الكبير الذي قدمه الجيل الذهبي للمنتخب البولندي، لكن الأمر الغريب هو أن بولندا فشلت في التأهل لبطولة أوروبا بالكامل خلال فترتها الذهبية، وكان ظهورها الأول في البطولة القارية في عام 2008.
بعد المستوى الكبير الذي قدمته في تلك النسختين، تراجع مستوى المنتخب البولندي لكرة القدم، ففي مشاركته في مونديال المكسيك 1986، لم يتجاوز الدور الثاني بعد خسارته أمام البرازيل برباعية نظيفة ومنذ ذلك الوقت لم يستطع البولنديون تجاوز الدور الأول خلال مشاركاته في مونديال.
فقد غابوا عن البطولة في الفترة ما بين 1986 إلى غاية 2002 بكوريا الجنوبية واليابان.
ويعقد منتخب بولندا الأمل على نجم برشلونة روبرت ليفاندوفسكي في قيادة بولندا إلى الدور الثاني ولعب دور الحصان الأسود في بطولة كأس العالم قطر 2022.