نوبة صرع أم أزمة قلبية؟ القضية-اللغز: ماذا حدث للبرازيلي رونالدو قبل نهائي مونديال فرنسا 1998؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/11/18 الساعة 12:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/25 الساعة 12:38 بتوقيت غرينتش
رونالدو البرازيلي خلال مباراته مع فرنسا/ Getty Images

قبل ساعة من انطلاق المباراة النهائية لكرة القدم، ضمن مونديال فرنسا 1998، وُزعت ورقة اللقاء على الحاضرين في منصة الصحفيين، داخل ملعب Stade De France الشهير.. فاعتلت الدهشة ملامحهم، ثم ارتفعت الأصوات، وحدث ضجيجٌ أشبه بالشوشرة.

فقد تضمنت ورقة المباراة مفاجأة من العيار الثقيل، تمثلت بغياب اسم "الظاهرة" رونالدو البرازيلي عن التشكيلة الأساسية لمنتخب البرازيل، وتواجده ضمن قائمة لاعبي الاحتياط.

فبدأ الذعر يتملك جمهور السامبا، الذين تساءلوا ما إذا كان هدّاف المنتخب مصاباً، أم أن الأمر مجرّد خدعة من مسؤولي "السيليساو"، بهدف بث الضياع ضمن صفوف الجهاز الفني لمنتخب فرنسا، قبل موعد المواجهة النهائية التاريخية.

لم تتأكد مشاركته إلا قبل نصف ساعة من المباراة 

بعد نصف ساعة فقط، انقلب الوضع تماماً. فحُوّل اسم اللاعب إيدموندو -الذي كان مُدوّناً ضمن التشكيلة الأساسية- إلى قائمة الاحتياط، وحلّ مكانه اسم رونالدو البرازيلي الذي كان قد سجل 4 أهداف خلال نهائيات مونديال فرنسا 1998.

ولكن رغم مشاركته في تلك المباراة الحاسمة، التي جرت في 12 يوليو/تموز، فقد بدا رونالدو ظلاً لنفسه. وانتهى اللقاء لصالح منتخب البلد المنظم، فرنسا، بنتيجة ثلاثة أهداف لصفر.

بعد المباراة، تُوّجت فرنسا بلقب كأس العالم للمرة الأولى في تاريخها؛ ولكن ما حدث خلال المباراة من ضياع لاعبي البرازيل، بسبب ما حدث مع الظاهرة رونالدو، لم ينتهِ مع انتهاء المباراة.

التشكيلة النهائية لمنتخبَي البرازيل وفرنسا، وفيها اسم رونالدو البرازيلي/ وكيبيديا
التشكيلة النهائية لمنتخبَي البرازيل وفرنسا، وفيها اسم رونالدو البرازيلي/ وكيبيديا

فعند مدخل غرفة تبديل الملابس، وبعد لحظاتٍ قليلة فقط من نهاية المباراة، ظهر طبيب المنتخب البرازيلي، ليديو توليدو، أمام الصحفيين ليُعلن الخبر المُدّوي: "لقد تمّ نقل رونالدو في الليلة الماضية إلى العيادة الباريسية (دي لي لاس) لإجراء فحوصاتٍ طبية للقلب والأعصاب". 

وقد تبيّن أن المهاجم الشرس أمضى الليلة، التي سبقت اللقاء، داخل المستشفى. وبشكلٍ مقتضبٍ، أوضح الدكتور توليدو أن رونالدو البرازيلي فَقَدَ وعيه، وعانى من تشنجاتٍ، حوالي الساعة الرابعة فجراً؛ مُشيراً إلى أن زميله في الغرفة، روبيرتو كارلوس، هو من سارع  لإخبار الجهاز الطبي للمنتخب بالحادث.

وفي الوقت الذي نُقل فيه رونالدو على جناح السرعة إلى غرفة طوارئ عيادة "دي لي لاس" في العاصمة الفرنسية، دارت أسئلة كثيرة في رأس المدير الفني للمنتخب البرازيلي، ماريو زاغالو، لعلّ أبرزها: هل يمكن الاستغناء عن خدمات أحسن لاعب في المنتخب، خلال اللقاء النهائي لأكبر مسابقة كروية في العالم؟ 

زاغالو لم يرد المجازفة بصحة رونالدو البرازيلي

في ظلّ الغموض الذي كان سائداً حول موقف رونالدو من المشاركة في المباراة، فقد قرر زاغالو الحفاظ على صحة اللاعب، وعدم المجازفة به.

ووفقاً لموقع Les Remplacents الفرنسي، فقد استدعى زاغالو لاعبي المنتخب وألقى أمامهم الخطاب الروتيني الذي يسبق كل مباراة.

ولكنه هذه المرة دعّم خطابه بتذكير بيبيتو وزملائه بأن البرازيل تُوّجت بمونديال تشيلي 1962، بعد فوزها في اللقاء النهائي أمام تشيكوسلوفاكيا، من دون مشاركة الملك بيليه الذي كان تعرّض للإصابة مع بداية المنافسة.

ولكن، وقبل نحو ساعة من بداية المباراة النهائية أمام فرنسا، وصل رونالدو إلى Stade De France، عائداً من العيادة، حيث أظهرت نتائج الفحوصات أنه لا يعاني من أيّ ضرر. وأمام إلحاح النجم البرازيلي الكبير على خوض المباراة، رضخ زاغالو لطلبه وأدخله ضمن التشكيلة الأساسية.

ملعب Stade De France خلال نهائي مونديال 1988/ وكيبيديا
ملعب Stade De France خلال نهائي مونديال 1988/ وكيبيديا

ونقل الموقع الرياضي الفرنسي تصريح زاغالو، الذي برّر من خلاله الاعتماد على رونالدو في تلك المباراة، قائلاً: "لم أتوقف عن التفكير في استبداله بلاعبٍ آخر، ولكنه أكد لي أنه بخير".

وأضاف: "إذا لم أُشركه في اللقاء، كانوا سيلومونني لفترةٍ طويلة"؛ في إشارةٍ منه إلى النقاد الرياضيين، وجماهير المنتخب البرازيلي من حول العالم. 

وبالفعل، فإن زاغالو لا يُحسد على موقفه. وحتى اليوم، لا يزال اللغز قائماً حول حقيقة الأزمة الصحية التي تعرّض لها رونالدو البرازيلي، وسبب المغامرة به في نهائي مونديال فرنسا 1988، رغم عدم تمتعه بكامل لياقته البدنية.

في الوثائقي الذي حمل عنوان Ronaldo's Redemption، يشرح الظاهرة البرازيلي كيف سارت الأمور بالضبط. ويتذكر قائلاً: "قررت الحصول على قسطٍ من الراحة بعد الغداء، قبل يومٍ من المباراة، وآخر شيء أتذكره هو الذهاب إلى الفراش".

وتابع: "بعد ذلك، أُصبت بتشنج واستيقظتُ محاطاً باللاعبين، وبالطبيب الراحل ليديو توليدو. لم يرغبوا في إخباري بما يحدث".

"سألتُ عما إذا كان بإمكانهم المغادرة والذهاب للتحدث في مكانٍ آخر، لأني أردتُ النوم. ثم طلب مني ليوناردو أن نذهب معاً في نزهة داخل حديقة الفندق، حيث شرح لي الوضع برمته". 

وأضاف رونالدو البرازيلي: "قيل لي إنني لن ألعب في نهائي كأس العالم أمام فرنسا، لكن جميع الفحوصات الطبية الأساسية لم تظهر أي شيء غير طبيعي. بدا الأمر وكأن شيئاً لم يحدث". 

وأكمل حديثه عن ذلك اليوم قائلاً: "بعد ذلك ذهبنا إلى الملعب مع رسالةٍ من زاغالو تقول إني لن أشارك في المباراة. لكن نتائج الاختبار في يدي، مع الضوء الأخضر من الدكتور توليدو. فاقتربتُ من ماريو [زاغالو] في الملعب، وقلت له: أنا بخير، لا أشعر بشيء. ها هي نتائج الاختبار. أريد أن ألعب".

"لم أعطه بديلاً" يقول رونالدو، ويختم: "لم يكن يملك خياراً، فوافق على قراري. ثم لعبتُ وأعتقد أني أثرتُ على الفريق بأكمله، لأن ما حصل معي كان بالتأكيد أمراً مخيفاً للغاية. إنه ليس شيئاً تصادفه كل يوم".

هل أخطأ الفرنسيون في تشخيص حالة رونالدو البرازيلي؟

أطباء عيادة باريس شخّصوا حالة رونالدو على أنها نوبة صرع؛ لكن وبحسب ما نقله موقع Les Remplacents، فإنه -وفي سنة 2012- كشف البروفيسور برونو كارو، رئيس الجمعية الإيطالية لأمراض القلب الرياضية، أن رونالدو البرازيلي قد أُصيب بنوبةٍ قلبية.

البروفيسور كارو، الذي تعاون في العام 1998 مع طبيب نادي إنتر ميلان الإيطالي خلال لعب رونالدو في صفوفه، أوضح أنه "لم يتم تحليل مخطط القلب الكهربائي (الذي تم إجراؤه في عيادة دي ليلاس) مثلما يجب".

وأضاف: "عند وصول رونالدو إلى المستشفى، كانت لديه 18 نبضة في الدقيقة. وهذا يعني أنه كان لا يزال في وقت النوبة، توقف القلب عن النبض". 

وأضاف: "لقد كان الأطباء الفرنسيون عنيدين، واعتمدوا على تشخيص نوبة الصرع وفقاً لما أخبرهم بهم روبرتو كارلوس، وليس على تشخيص طبيب المنتخب. أعطوا للاعب دواءً قوياً جداً، مفيداً للصرع، ولكن لا يُنصح به لمشاكل القلب. وهذا يفسّر أداء رونالدو المخيّب للآمال في النهائي". 

من جهته، ذهب الدكتور الفرنسي، جان بيير دي موندينارد إلى أبعد من ذلك، وذكر في كتابه "المنشطات في كرة القدم" Dopage Dans Le Football (صدر عام 2010)، أن رونالدو البرازيلي قد تأثر بأحد الأدوية المضادة للالتهابات، لأنه كان يعاني من إصابة في الركبتين، منذ انطلاق منافسات كأس العالم لكرة القدم بفرنسا.

وقال موندرينارد: "كان الطاقم الطبي يقدّم له حقناً ليتمكن من اللعب، رغم إصابته، وداخل تلك الحقن توجد مادة مخدرة يمكنها أن تسبب له صدمة مع فقدان الوعي، في حالة حقنه جزئياً في وعاءٍ دموي. ويُمكن لهذه الأعراض أن تكون شبيهة بأعراض نوبة الصرع، في حين أنّها ليست كذلك".

شكوك حول ضغط شركة Nike من أجل مشاركة رونالدو

في العام 2000، وبمناسبة التدقيق في الشؤون المالية لكرة القدم البرازيلية، تمّ فتح تحقيقين برلمانيين لمعرفة ما إذا كان ينبغي مشاركة رونالدو في تلك المباراة التاريخية أمام فرنسا.

وقد ركز البرلمانيون على نظرية أن شركة Nike للألبسة الرياضية، والتي كانت الراعي الرسمي والرئيسي لرونالدو البرازيلي وقتئذٍ، يمكن أن تكون قد أصرّت على مشاركة المهاجم البرازيلي في المباراة.

من جهته، نفى رونالدو البرازيلي هذه الرواية في العديد من المناسبات، مُشيراً إلى أن أحداً لم يفرض عليه خوض نهائي مونديال فرنسا 1998، بل هو من أصرّ على المشاركة وأنه كان متحمساً لذلك.

المهم أنه وبعد 4 سنوات من الواقعة اللغز، ثأر رونالدو لنفسه ولجمهور البرازيل؛ وقاد منتخب بلاده نحو التتويج بلقب كأس العالم لكرة القدم، خلال النهائيات التي احتضنتها كل من اليابان وكوريا الجنوبية في صيف 2002.

وخلال المونديال، نال أيضاً جائزة أفضل هدّافٍ للبطولة برصيد 8 أهداف؛ منها هدفان اثنان سجّلهما في اللقاء النهائي داخل مرمى منتخب ألمانيا (2-0).

تحميل المزيد