قبيل بدء كأس العالم في روسيا عام 2018 وبشكل مثير للجدل، اتهم وزير الخارجية البريطاني آنذاك بوريس جونسون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالسعي لتعزيز صورة روسيا، من خلال استضافة كأس العالم بطريقة مماثلة للطريقة التي استخدم بها أدولف هتلر الألعاب الأولمبية عندما أقيمت في ألمانيا النازية آنذاك.
يومها كان هناك الخلاف الدبلوماسي القائم بين المملكة المتحدة وروسيا، تطور إلى طرد كل من البلدين لدبلوماسيين فيهما، بعد أن زعم البريطانيون أن روسيا سمّمت جاسوساً سابقاً في المملكة المتحدة، وتم تسليط الضوء من قبل وسائل إعلام غربية على كيفية استخدام رياضة شعبية مثل كرة القدم لتلبية أغراض سياسية.
تسييس ملاعب كرة القدم
لعلها أحد أبرز الأحداث تسييساً في تاريخ كرة القدم الحديثة، والتي نتجت عنها حرب بين دولتين، وقتلى، ومصابون، والسبب مباراة مسيسة في تصفيات كأس العالم بالمكسيك سنة 1970.
"حرب الكرة" أو حرب الهندوراس والسلفادور، والحديث هنا عن أحداث مباريات التصفيات لأمريكا الشمالية سنة 1969، حين فاز منتخب الهندوراس على السلفادور بهدف على أرضه وبين جماهيره، وتم الاعتداء يومها على جماهير السلفادور، لترد الأخيرة بثلاثية، وتكرم وفادة الهندوراسيين، ويتم الاعتداء عليهم من قبل السلفادوريين آنذاك.
وفي 26 من يونيو/حزيران 1969 أعيدت المباراة بالأراضي المكسيكية، وفازت السلفادور بثلاثية لهدفين، وتأهلت لنهائيات كأس العالم، إلا أن الأحداث تسارعت مع اعتداء الجماهير الهندوراسية على السلفادوريين، ثم إعلان السلفادور قطع علاقتها بالهندوراس.
وفي 14 من يونيو/حزيران 1969، قررت السلفادور غزو الهندوراس وبدأت الحرب التي دامت أربعة أيام، بسبب أحداث تلك المباريات، ولأسباب أخرى من بينها ملف الهجرة، وقرار هندوراسي بنزع ملكية أراض حدودية من مواطني السلفادور، إلا أن كرة القدم كان لها الدور الأكبر في اشتعال لهيب الأزمة، وقد استغلها سياسيو البلدين أيما استغلال، وقد سبقهم لذلك سياسيون لدول كبرى.
تسييس المونديال
شهدت نهائيات كأس العالم الثانية والثالثة في عامي 1934 و1938 فريقاً فلسطينياً إلزامياً وكان لاعبوه من اليهود فقط، ومن المفارقات أن إيطاليا الفاشية لم تفز آنذاك بالحرب العالمية الأولى فحسب، بل أيضا بكأس العالم الثاني والثالث لعامي 1934 و1938 ممثلة بفريقها الوطني الإيطالي لكرة القدم.
تسييس كرة القدم الإيطالية
وفي وقت لاحق، أسّس بينيتو موسوليني، زعيم الحزب الوطني الإيطالي، دوري كرة القدم الإيطالي لاستخدامه كوسيلة لغرس شعور قوي بالقومية بين أبناء شعب إيطاليا. كانت لوائح لاعبي كرة القدم خلال الثلاثينيات فاشية أيضاً، فعلى سبيل المثال، للمشاركة في كأس العالم، ولا سيما أول ثلاث بطولات لكأس العالم للأعوام 1930 و1934، و1938، قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، كان على اللاعب إثبات جذوره العائلية، والتاريخية وتحديد منشئها ليشترك كعضو ويلعب لفريق إيطاليا لكرة القدم.
وبالتالي، لم يُسمح لأي لاعب باللعب ضد فريق كرة القدم الذي مثله من قبل، ويعتبر خيانة وطنية، فكان لدى موسوليني أكبر الفرص لتنظيم الجماهير، والتأثير عليها من خلال كأس العالم لعام 1934.
وفي عام 1934 قام فريق إيطاليا بتقديم تحية أنصار الفاشية خلال نشيدهم الوطني وأثارت التحية يومها صخباً واسع النطاق بين المتفرجين، كما قام فريق إيطاليا بتغيير ملابسه من اللون الأزرق إلى اللون الأسود بالكامل؛ لتعكس ألوان الحزب الفاشي عندما لعبوا ضد الفريق الفرنسي في تلك الفترة، وذلك بناء على تعليمات من موسيليني.
تسييس الكرة الألمانية
في ألمانيا تم استخدام الرياضة من قِبل هتلر لتأكيد تفوق العرق الآري على كل الأعراق الأخرى، وكان هتلر يرغب في المشاركة في كأس العالم بتقديم فريق كرة قدم أنيق وماهر، ليظهر بشكل جيد أمام أعين العالم، فيثبت لهم أن الألمان بشر متحضرون مثل باقي العالم ويُقدّرون الرياضة الجيدة مثل أي شخص آخر.
كانت خطة هتلر تتجسّد في استخدام الورقة الإنسانية من خلال الرياضة، ليستدرج تعاطف العالم، وعليه تمّ تنظيم وتخطيط دورة الألعاب الأولمبية في ألمانيا عام 1936 بشكل مثالي لهذا الغرض، ألا وهو تسهيل انتشار النازية، وسيطرة العرق الآري على باقي البشر.
أصبحت لعبة كرة القدم يومها، وسيلة للترويج لنظام سياسي معين على الساحة الدولية، يعبر القائد السياسي فيها عن أفكاره، ويتلاعب من خلالها بالرأي العام، ويمكننا القول إنه خلال النصف الأول من القرن العشرين خدمت كرة القدم هذا الغرض بشكل مثالي.
ورغم كل شيء، كانت كرة القدم ولا تزال رياضة الجماهير الأكثر شعبية. فالجماهير التي تشاهد اللعبة من المدرجات منخرطة بحجم انخراط الأشخاص في الملعب الأخضر، ولا عجب إذاً أن تتم تسمية الحشود، والمؤيدين عادة باسم "اللاعب الثاني عشر في الفريق".
وتبقى كرة القدم هي الرياضة الأكثر شعبية في العالم لسبب وجيه، فهي تغرس الإحساس بالوحدة بين لاعبيها، حيث تتوحّد الألوان المختلفة، ويحِسَّ الجميع بالانتماء إلى بلد واحد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.