على مر العصور شكل العقل البشري أداة إختراعات وتقدم، حيث أسهم في تقديم اختراعات وتكنولوجيات غيّرت مسار البشرية و ساعدت في تحسين نوعية الحياة.
إلا أن هذا العقل نفسه، ورغم إبداعه وقدرته في تحدي المألوف، كان في بعض الأحيان نقمة على أصحابه، بعد أن دفع عدد من العلماء والمخترعين حياتهم ثمناً لاختراعاتهم وأفكارهم، التي أرادوا من خلالها أن يسهموا في تحسين البشرية وتطوير التكنولوجيا.
لقد كانت تجاربهم وابتكاراتهم تحمل في طياتها مخاطر كبيرة، ليس فقط على من حولهم بل على حياتهم الشخصية أيضاً.
إذ منذ فجر الثورة الصناعية، برزت بعض الحوادث المأساوية التي ارتبطت مباشرةً بالاختراعات، مما جعل أصحاب هذه الابتكارات يفارقون الحياة بشكل محزن.
قصص هؤلاء العلماء والمخترعين تشهد على شجاعة وإصرار غير محدودين، حيث لم يتوقفوا عند التحديات أو المخاطر المحتملة، بل استمروا في الدفع نحو الأمام لتحقيق إنجازات كانت تبدو للبعض مستحيلة.
إلا أن القدر كان لهم بالمرصاد، حيث كانت بعض ابتكاراتهم تشكل الفارق بين الحياة والموت، على الرغم من النجاح الهائل الذي حققه بعضهم، إلا أن الثمن الذي دفعوه كان حياتهم نفسها.
آلة الطباعة الدوارة.. ويليام بولوك
في عام 1863، قام ويليام بولوك، المخترع الأمريكي، بابتكار "آلة الطباعة الدوارة" التي أحدثت ثورة في عالم طباعة الصحف، إذ كانت تعمل بتغذية ذاتية باستخدام الورق الملفوف على بكرات.
أصبح اختراع بولوك واحداً من أهم الابتكارات التي ساعدت في تسريع عملية الطباعة، لكن مأساة وقعت في 3 أبريل 1867، عندما حاول بولوك ضبط أجزاء من آلته.
وأثناء محاولته تعديلها، علقت قدمه في أحد الأجزاء المتحركة للآلة، مما أدى إلى سحقها، ثم بعد أيام قليلة، أصيب بولوك بمضاعفات خطرة بسبب الجرح، وخضع لعملية بتر لساقه المصابة، لكنه للأسف، توفي على طاولة العمليات نتيجة المضاعفات.
هذه الحادثة المأساوية تلخص كيف يمكن أن يكون الابتكار سلاحاً ذا حدين؛ فقد قاد اختراع بولوك إلى تحسين حياة الكثيرين، لكن كلفه في النهاية حياته.
إختراعات: السرير ذو البكرات.. توماس ميدغلي
عندما كان الكيميائي الشهير توماس ميدغلي في سن 51 عامًا، قرر ابتكار نظام جديد يعتمد على البكرات والخيوط لمساعدته على النهوض من السرير.
إذ كان يعاني حينها من إعاقة جسدية نتيجة إصابته بشلل الأطفال، واعتقد أن هذا النظام سيتيح له العيش باستقلالية أكبر.
لكن المفارقة كانت أن هذا النظام نفسه كان سببًا في وفاته، ففي يوم 2 نوفمبر 1944، علقت إحدى الخيوط حول عنقه أثناء استخدامه لهذا النظام، مما أدى إلى اختناقه حتى الموت.
وقد عرف عن ميدغلي بإسهاماته الكبيرة في تطوير الوقود وتحضير الكلوروفلوروكربون، لكن نهاية حياته جاءت بسبب أداة كان يعتقد أنها ستساعده على تجاوز إعاقته.
سفينة التيتانيك.. توماس أندروز
توماس أندروز، المهندس البحري الذي صمم سفينة تيتانيك الشهيرة، لقبه البعض بالبطل لأنه قضى ساعاته الأخيرة يحاول إنقاذ أكبر عدد من الركاب بعد اصطدام السفينة بجبل جليدي في عام 1912.
كان أندروز قد اقترح إضافة 46 قارب نجاة إضافي، لكن اقتراحه لم يُؤخذ بجدية وتم الاكتفاء بـ20 قارباً فقط.
وبعد حادث السفينة الشهيرة، توفي أندروز مع غرق السفينة، لكن إرثه لا يزال حياً في الذاكرة الجماعية، من خلال العديد من الطرق، من بينها الفيلم الذي يحكي قصة السفينة.
الطائرة الشراعية.. أوتو ليلينتال
يُعتبر أوتو ليلينتال أحد رواد الطيران، حيث أطلق عليه لقب "ملك الطائرة الشراعية"، وكان ليلينتال أول شخص يقوم برحلات متكررة بطائرته الشراعية، مما ساهم في تطوير مفهوم الطيران الأثقل من الهواء.
لكن بتاريخ 9 أغسطس 1896، وأثناء إحدى رحلاته التجريبية، سقط ليلينتال من ارتفاع 17 مترًا، مما أدى إلى كسر عموده الفقري.
ثم توفي في اليوم التالي للحادثة، وكانت آخر كلماته الشهيرة هي: "يجب على الإنسان بذل بعض التضحيات الصغيرة."
وتعد إسهامات ليلينتال في مجال الطيران حجر الأساس في تطوير الطيران الحديث، لكن التضحيات التي قدمها كانت بحجم حلمه الكبير.
نقل الدم.. ألكسندر بوغدانوف
ألكسندر بوغدانوف كان طبيبًا روسيًا وعالمًا مبدعًا، وكان يعتقد أن نقل الدم يمكن أن يكون وسيلة لتجديد الشباب.
لذلك جرب على نفسه 11 عملية نقل دم، لكنه أصيب بأمراض عديدة وهي الملاريا والسل من جراء هذه التجارب، مما أدى إلى وفاته في النهاية.
كرسي الآلام الخمسة.. لي سيوهو
كرسي الآلام الخمسة كان أحد أدوات التعذيب المروعة في التاريخ القديم، وقد اخترعه لي سيوهو، الذي صممه ليكون أداة للإعدام البطيء والمؤلم.
إذ يتكون هذا الكرسي من حوالي 1300 مسمار موزعة في كل بقعة منه، ويجلس الضحية على الكرسي ويتم توثيقه بإحكام، ما يؤدي إلى اختراق المسامير لجسده تدريجياً حتى الموت.
إلا أن الغريب في الأمر أن لي سيوهو نفسه وقع ضحية اختراعه عندما اتهم بالخيانة، وبعد ذلك تم الحكم عليه بالإعدام باستخدام هذا الكرسي المميت.
الثور البرونزي.. بريلوس
الثور البرونزي كان عبارة عن أداة إعدام وتعذيب في اليونان القديمة، اخترعه النحات بريلوس كوسيلة لإعدام المجرمين.
فقد صنع بريلوس الثور من البرونز، وكان يوضع داخله الضحية ثم يشعل النار تحته حتى يحترق ببطء.
وبشكل مأساوي، انتهى بريلوس نفسه بأن يكون أول من يتعرض للتعذيب على هذا الجهاز عندما أمر الحاكم بتجربته عليه.
إختراعات:منطاد الهواء الساخن.. بلاتر دي روزييه
الفيزيائي الفرنسي بلاتر دي روزييه هو مبتكر منطاد الهواء الساخن، وهو جهاز كان يهدف إلى تسهيل التنقل عبر الهواء.
لكن في عام 1783، خطط روزييه برفقة ماركيز دي أرلاندس ليكونا أول من يعبر القناة الإنجليزية باستخدام هذا المنطاد.
وللأسف خلال الرحلة، وقع خطأ أدى إلى احتراق المنطاد وسقوطه، مما تسبب في وفاة روزييه وشريكه فوراً.
كانت تلك التجربة المأساوية، وهو إختراعات كانت مبتكرة، هي درساً في تحدي الطبيعة ومحاولة استغلال التكنولوجيا الجديدة بشكل أفضل، لتكون أكثر أمنا فيما بعد.