قالت صحيفة Washington Post الأمريكية، في تقرير نشرته يوم السبت 13 أبريل/نيسان 2024، إنه مع تزايد التوتر في علاقة مالي بالفرنسية- لغة حاكمتها الاستعمارية السابقة فرنسا- تكتسب الجهود المبذولة لاستخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء كتب للأطفال بلغة البامبارا وغيرها من اللغات المحلية زخماً كبيراً.
ومع تصاعد التوترات السياسية بين البلدين، استبدلت الحكومة العسكرية في مالي اللغة الفرنسية باعتبارها اللغة "الرسمية" للبلاد، وأحلَّت محلَّها لغة بامبارا و12 لغة أصلية أخرى، رغم أن اللغة الفرنسية ستظل تُستَخدَم في المؤسسات الحكومية والمدارس العامة.
استخدام الذكاء الاصطناعي في مدارس مالي
يعني هذا التغيير أن هناك المزيد من الإرادة السياسية وراء جهود مثل تلك التي تبذلها RobotsMali، وهي شركة ناشئة استخدمت الذكاء الاصطناعي لإنشاء أكثر من 140 كتاباً بلغة البامبارا، حسبما قال سيني توغنين، الذي يعمل في وزارة التعليم في مالي، والذي كان يساعد شركة RobotsMali في إنشاء كتبها، وقال إن الحكومة والشعب الآن "منخرطون في الرغبة في تعلُّم اللغات المحلية وتقدير قيمتها".
حيث تستخدم شركة RobotsMali الذكاء الاصطناعي لإنتاج قصص تعكس حياة وثقافة الماليين العاديين، فبدلاً من مجرد ترجمة رواية كلاسيكية فرنسية مثل رواية "Le Petit Prince- الأمير الصغير" (رواية للأطفال تحكي عن طفلٍ يقوم بأفعالٍ مؤذية) إلى لغة البامبارا، يضع فريق RobotsMali مطالبةً في منصة الذكاء الاصطناعي ChatGPT مثل: "أخبرني بالأشياء المؤذية التي يفعلها الأطفال".
يقوم الفريق، الذي عُرِفَ عن عمله لأول مرة من قِبَلِ موقع Rest of World، بإزالة الأمثلة التي قد لا تكون ذات صلة بمعظم الأطفال في مالي، ثم يستخدم ترجمة جوجل -التي أضافت بامبارا في عام 2022 وتستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين ترجماتها- للقيام بجولة أولى من الترجمة، ثم يقوم خبراء مثل "توغنين" بتصحيح أي أخطاء.
ويستخدم موظف آخر مجموعةً متنوعةً من أدوات إنشاء الصور التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لتوضيح القصص، والتأكد من أن الشخصيات مرتبطة بالأطفال الماليين، ثم يلجأ إلى ChatGPT لإنشاء اختبارات فهم القراءة.
في الفصل الدراسي في سافو، وهي قرية ريفية في مالي، كان يجلس عشرات الطلاب الذين تركوا المدارس العامة أو لم يلتحقوا بها مطلقاً، وكانوا يتابعون معلمهم في قراءة قصة عن الأشياء التي لا يجب على الأطفال فعلها، بما في ذلك إهدار الطعام ومضايقة إخوتهم وغيرهم من الأطفال أو الرد على الكبار. في نقاط مختلفة، دعا المعلم الطلاب الأفراد إلى القراءة بصوت عالٍ، وهو ما فعلوه بشغف، وفي بعض الأحيان قاموا بالتصحيح لبعضهم بلطف.
لم يكن معظم الطلاب قد شاهدوا لغتهم الأم بشكلها المكتوب حتى وقت قريب. والآن أصبحوا ينطقون بشغفٍ الكلمات التي تظهر على أجهزة الكمبيوتر المحمولة من طراز ThinkPad أمامهم، وكانوا يتعثَّرون أحياناً عندما يقرأون قصةً مكتوبة بالكامل باللغة البامبارا، اللغة الأكثر شعبية في مالي، حيث أُنشِئت القصة المعروضة على شاشاتهم وتُرجِمَت باستخدام الذكاء الاصطناعي.
ألف لغة في أفريقيا
إن الغالبية العظمى من لغات أفريقيا البالغ عددها حوالي ألف لغة غير مُمَثَّلة على مواقع الإنترنت، والتي تزحف إليها منصات الذكاء الاصطناعي التوليدية الكبيرة، مثل ChatGPT، للمساعدة في تدريب نفسها.
إذا طرحت على ChatGPT الأسئلة الأساسية في اللغتين الأكثر شعبية في إثيوبيا، الأمهرية والتغرينية، على سبيل المثال، فإنه ينتج خليطاً لا معنى له من الأمهرية والتغرينية وأحياناً لغات أخرى.
قال نيت ألين، الأستاذ المشارك في مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية ومقره واشنطن، إنه رغم أن الولايات المتحدة والصين "بلا شك في صدارة" تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فإن الجهود مثل تلك التي تُبذَل في مالي تُظهِر أننا "نعيش في ظل عصر إمكانية الوصول إلى الذكاء الاصطناعي".
وقال توغنين، الذي بدأ التعاون مع شركة RobotsMali بعد إجراء تدريب على الذكاء الاصطناعي أجرته الشركة، إن البرنامج جعل عمل الوزارة أكفأ، وقال: "هناك أشياء كثيرة يجب تصحيحها، لكن الأمر يستغرق ثواني لترجمة ما كان سيستغرق أسابيع أو أشهراً"، مضيفاً أنه في ذلك الأسبوع فقط أنتج بالفعل كتابين.
كذلك فقد قال توغنين إن الجهود السابقة التي بذلتها حكومة مالي لإدخال لغة البامبارا في المدارس العامة باءت بالفشل إلى حد كبير، بسبب نقص التمويل، وضعف تدريب المعلمين، وقلة اهتمام الآباء بتعلم الأطفال لغة في المدارس غير الفرنسية.
لكنه قال إنه في السنوات الأخيرة كان هناك احتضان متزايد لأهمية تعلم القراءة والكتابة باللغات الوطنية، التي يتم التحدث بها تقليدياً في المقام الأول، ويرجع ذلك جزئياً إلى رفض الحكومة لفرنسا والتركيز على السيادة الوطنية.
في حين قال بكاري ساهوغو، وهو عضو آخر في وزارة التعليم يعمل مع RobotsMali، عن أهمية الكتابة بلغة البامبارا واللغات المحلية الأخرى: "إنها تثري تاريخنا الثقافي واللغوي، وتسمح لنا بحماية ثقافتنا وتطويرها".
جدير بالذكر أن مالي قد تخلَّت في دستورها الجديد عن اللغة الفرنسية، التي كانت اللغة الرسمية لدولة غرب أفريقيا منذ عام 1960.
وبموجب الدستور الجديد الذي مُرِّر بأغلبية ساحقة بنسبة 96.91% من الأصوات، في استفتاء 18 يونيو/حزيران 2023، لم تعد الفرنسية هي اللغة الرسمية.
وستكون الفرنسية بالتالي لغة العمل فقط، فيما ستحصل اللغات الوطنية الـ13 التي يتحدث بها مواطنو الدولة على وضع اللغة الرسمية.
وبموجب النص الجديد، الذي تم اعتماده بنسبة 96.91% من الأصوات، أصبحت اللغات الوطنية لغات رسمية. ويمنح الدستور الجديد صلاحيات أكبر لرئيس الجمهورية، ويطوي صفحة الجمهورية الثالثة.
يشار إلى أنه يجري التحدث بنحو 70 لغة محلية في البلاد، وبعضها، بما في ذلك بامبارا وبوبو ودوجون ومينيانكا، مُنح وضع اللغة الوطنية بموجب مرسوم عام 1982.