قام الرئيس عبد الفتاح السيسي، يوم أمس الثلاثاء 2 من أبريل/نيسان الجاري، بحلف اليمين الدستورية لولاية ثالثة داخل مقر مبنى البرلمان بالعاصمة الإدارية الجديدة؛ ما أثار الجدل والتساؤلات حول انتقال حكم مصر خارج القاهرة إلى العاصمة الإدارية الجديدة عقب 1150 عاماً.
وقد ظلّت القاهرة طيلة هذه الفترة مدينة "الألف مئذنة" الشاهدة على التاريخ الإسلامي، بدءاً بالدولة الأموية، ثم الدولة العباسية، فالإخشيدية، فالدولة الفاطمية، ثم الدولة الأيوبية، مروراً بعصر المماليك، ثم الإمبراطورية العثمانية، وبقيت حقبة ما يحكي تاريخها من مبانٍ وعمارة وتحف تملأ كل متاحف مصر.
فمتى تأسست مدينة القاهرة؟ ومن قام بتأسيسها؟
وما هو السبب وراء اختيار الموقع الحالي للقاهرة كموقع للعاصمة؟
وما هي الأحداث التاريخية الرئيسية التي شهدتها القاهرة خلال العصور المختلفة؟
تاريخ نشأة القاهرة وأسباب تسميتها
وفقاً لموقع britannica يعود تاريخ نشأة القاهرة إلى مدينة أون الفرعونية، المعروفة أيضاً بـ هليوبوليس والتي تعتبر واحدة من أقدم عواصم العالم القديم، وتعرف حالياً باسم عين شمس.
أما القاهرة بشكلها الحالي، فتعود إلى الفتح الإسلامي لمصر عام 641م على يد عمرو بن العاص، الذي أنشأ مدينة الفسطاط، ثمّ أسس العباسيون مدينة العسكر، بينما قام أحمد بن طولون ببناء مدينة القطائع.
وعندما دخلت مصر في فترة الفاطميين، بدأ جوهر الصقلي، القائد الفاطمي، في بناء العاصمة الجديدة للدولة الفاطمية بأمر من الخليفة المعز لدين الله عام 969م، وأطلق عليها اسم "القاهرة".
ويمكن اعتبار القاهرة محافظة ومدينة في ذات الوقت، حيث تصنّف بمساحتها الممتدّة كمدينة واحدة، يصل عدد أحيائها إلى 37 حياً.
ويصادف العيد القومي للقاهرة السادس من يوليو/تموز من كل عام، وهو اليوم الذي يوافق وضع القائد جوهر الصقلي حجر أساس المدينة عام 969م.
كما تعدّ القاهرة أيضاً مقراً للعديد من المنظمات الإقليمية والدولية، حيث يقع فيها:
- مقرّ جامعة الدول العربية
- مكاتب لمنظمة الصحة العالمية
- منظمة الأغذية والزراعة
- منظمة الطيران المدني الدولي
- الاتحاد الدولي للاتصالات
- صندوق الأمم المتحدة للسكان
- هيئة الأمم المتحدة للمرأة
- مقر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
- مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة
– مقر الاتحاد الأفريقي لكرة السلة
سبب تسمية القاهرة بهذا الاسم
تعددت روايات سبب تسمية القاهرة بهذا الاسم، فاعتبر بعض المؤرخين أن كلمة "القاهرة" تعني "كاهي رع"، بمعنى "موطن الإله رع".
في حين يعتقد مؤرخون آخرون أنها سُميت على اسم قبة في قصور الفاطميين تُعرف بـ "القاهرة".
وهناك من يرى أنها تمت تسميتها نسبةً إلى الكوكب "القاهر"، المعروف أيضاً باسم "كوكب المريخ".
وقد زعم البعض أن جوهر الصقلي سمى المدينة في البداية "المنصورية"، تيمناً باسم مدينة المنصورية التي أنشأها خارج القيروان المنصور بالله، وكان والد المعز لدين الله وقد استمر هذا الاسم حتى وصول المعز إلى مصر، حيث أُطلق عليها اسم "القاهرة" بعد أربع سنوات من تأسيسها.
كما أطلقت على مدينة القاهرة عدّة أسماء شهيرة أخرى مثل "مصر المحروسة"، و"قاهرة المعز"، و"مدينة الألف مئذنة"، و"جوهرة الشرق".
الفتح الإسلامي للقاهرة
يعود تاريخ نشأة القاهرة إلى الفتح الإسلامي لمصر في عام 641 بقيادة عمرو بن العاص، وذلك على الرغم من أنّ الإسكندرية كانت العاصمة الإدارية لمصر في ذلك الوقت، ليقرّر الفاتحون إثر ذلك إنشاء مدينة جديدة تسمى الفسطاط لتكون العاصمة الإدارية والمركز العسكري لمصر كما ذكر لنا موقع NEW WORLD ENCYCLOPEDIA
وقد تم اختيار موقع الفسطاط قرب قلعة رومانية بيزنطية تُعرف باسم حصن بابليون على شواطئ النيل، مما جعلها مكاناً استراتيجياً يمكن من خلاله التحكم في بلاد كانت تتمركز على نهر النيل.
وقد تم تأسيس أول مسجد في مصر، مسجد عمرو بن العاص، في الفسطاط، والذي يعتبر حتى اليوم أحد أقدم المعالم الإسلامية في مصر وأفريقيا.
ونمت الفسطاط بسرعة لتصبح المدينة الرئيسية والميناء والمركز الاقتصادي لمصر، بينما أصبحت الإسكندرية مدينة إقليمية.
تأسيس القاهرة والعصر الفاطمي:
قامت الدولة الفاطمية بغزو مصر في عام 969 ميلادياً بقيادة الجنرال جوهر الصقلي، بناءً على توجيهات الخليفة المعز لدين الله الفاطمي.
وفي هذا العام، بدأت عملية التخطيط والإنشاء لمدينة جديدة تكون مقراً للحكم ومركزاً للقوة للخلفاء الفاطميين، أُطلق عليها اسم "المعزية القاهرة" وتحولت لاحقاً إلى بساطة "القاهرة"، وهي الاسم الذي يعرف بها حالياً.
وقد تم تنظيم المدينة الجديدة بشكل يجمع بين القصور الكبيرة التي استضافت الخلفاء وأسرهم ومؤسسات الدولة، وبُني فيها الجامع الأزهر في عام 972 ليكون مسجد الجمعة ومركزاً للتعليم والتعلم، ويُعتبر اليوم أحد أقدم الجامعات في العالم.
وفي القرن الثاني عشر، تحولت القاهرة تدريجياً إلى قاعدة للحكم السلطاني، حيث استولى صلاح الدين الأيوبي على المدينة وأعلن نهاية حكم الفاطميين فيها.
القاهرة في العصرين الأيوبي والمملوكي
تأسست الدولة الأيوبية على يد صلاح الدين الأيوبي، الذي هزم الفاطميين وطردهم من مصر عام 567هـ / 1174م، ليحكم مصر من (دار الوزارة) بالجمالية، ومكانها حالياً مدرسة قراسنقر وخانقاه بيبرس الجاشنكير، حيث جعل منها مقراً للحكم، وبنى القلعة وأحاط عواصم مصر جميعاً ( الفسطاط – العسكر – القطائع – القاهرة ) بسور واحد وذلك لرد هجمات الصليبيين.
وفي العصور الأيوبية والمملوكية، شهدت القاهرة تقدماً هائلاً في مجالات العمارة والثقافة والتجارة، وفي القرن التاسع عشر، أقيم مسجد محمد علي، وهو من أبرز المعالم الدينية في القاهرة، ناهيك عن مسجد ومدرسة السلطان الناصر حسن وقبة مجمع السلطان قايتباي، مع الاهتمام المستمر بالعمارة الدينية والتعليم.
وتعتبر المؤسسات الوقفية الإسلامية، التي كثرت خلال الفترة المملوكية، من العوامل المهمة في التنمية الحضرية، حيث ساهمت في بناء المباني الدينية والمدنية وتوفير التمويل لها، مما أضفى على المدينة طابعاً فريداً وثراءً ثقافياً.
فترة الحكم العثماني لمصر
دخل العثمانيون مصر عام 1517 بعد الحرب المملوكية العثمانية (1516-1517) وضمت سوريا لإمبراطوريتها في العام نفسه.
وقد كانت مصر تحكم كإيالة تابعة للدولة العثمانية منذ ذلك الحين حتى عام 1867، باستثناء فترة الاحتلال الفرنسي من 1798 حتى 1801.
ولطالما كانت مصر ولاية صعبة على السلاطين العثمانيين أن يسيطروا عليها بسبب النفوذ والسلطة المستمرة للمماليك، والطبقة العسكرية المصرية التي حكمت البلاد لقرون وبالتالي، استمرت مصر في الاحتفاظ بدرجة معينة من الاستقلالية تحت حكم المماليك حتى الغزو الفرنسي بقيادة نابليون الأول عام ، 1798، وبعد طرد الفرنسيين، تولى محمد علي باشا الحكم في عام 1805، وهو قائد عسكري ألباني في جيش الدولة العثمانية.
وظلت مصر تحت حكم أسرة محمد علي ولاية عثمانية على الورق وتم تعيينها كدولة تابعة مستقلة أو خديوية في عام 1867، ثمّ حكم إسماعيل وتوفيق باشا مصر كدولة شبه مستقلة تحت السيادة العثمانية حتى الاحتلال البريطاني في عام 1882.
ومع ذلك، استمرت خديوية مصر (1867-1914) كولاية عثمانية بشكل رسمي حتى 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1914، عندما تم إعلانها مستعمرة بريطانية رداً على دخول تركيا العثمانية في الحرب العالمية الأولى إلى جانب القوى المركزية.
القاهرة الخديوية
تمتد هذه المنطقة من كوبري قصر النيل حتى منطقة العتبة، وتشمل العديد من المباني البارزة مثل دار الأوبرا التي احترقت في عام 1971، ومبنى البريد، ومقر هيئة الإطفاء، بالإضافة إلى الشوارع والطرق الرئيسية.
وعلى الرغم من أن التحسينات بدأت في فترة محمد علي باشا، إلا أن النهضة الحضارية الفعلية بدأت في عهد الخديو إسماعيل بن إبراهيم باشا، الابن الأكبر لمحمد علي.
وأصدر محمد علي باشا قراراً في عام 1831 يدعو إلى تجميل القاهرة وتنظيفها، وأنشأ مجلساً في عام 1843 مخصصاً لتحسين البيئة الحضرية، وفي عام 1846 تم توسيع شارع الموسكي وترقيم الشوارع وتسمية الشوارع.
كما شيّدت في هذه الحقبة القصور الملكية الفخمة التي أشرف على تصميمها معماريون من إيطاليا وفرنسا، مع اشتراط تعليم كل منهم 4 مصريين في فنون العمارة والتشييد، وكان من بين هذه القصور قصر محمد علي باشا في حي شبرا وقصر الجوهرة في قلعة صلاح الدين الأيوبي، وقصر النيل، وقصر القبة.
وعلى الرغم من تعاقب ثلاثة خلفاء بعد محمد علي باشا في حكم مصر، مثل إبراهيم باشا وعباس الأول وسعيد باشا، فإن إسهاماتهم في مجال العمارة كانت ضئيلة بالمقارنة مع محمد علي باشا، مثل بناء قصر الروضة في عهد إبراهيم، وإنشاء حي العباسية في عهد عباس الأول، وحفر قناة السويس في عهد سعيد.
وعند تولي الخديوي إسماعيل الحكم في عام 1863، كانت الحدود الحضرية للقاهرة تمتد من منطقة القلعة إلى مدافن الأزبكية وميدان العتبة، وكانت معظم أحيائها تعاني من التدهور، مع فصلها عن النيل بالبرك والمستنقعات والتلال والمقابر، وكان تعداد سكانها يقترب من 279 ألف نسمة في ذلك الوقت.
ومنذ ذلك الحين، بدأت الوزارات والهيئات الحكومية في استخدام القصور والمباني التاريخية ذات الطراز المعماري المميز، وفي بعض الأحيان ذات الطابع الأثري، كمقار لها في القاهرة.
لكن بعد ثورة يناير 2011 في مصر، شهدت القاهرة والبلاد بشكل عام فترة من التحولات والتغييرات الهامة في السياسة والاقتصاد والمجتمع، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة وتبني دستور جديد؛ ما أدى إلى تغييرات في هياكل ونظام الحكم.
وقبل تسع سنوات، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن بدء إنشاء عاصمة إدارية جديدة على مساحة تبلغ 220 ألف فدان شرقي القاهرة، اعتبر البعض أنّها قد تكون بديلاً للعاصمة التاريخية؛ ما أثار انتقادات واسعة، حيث اعتبر البعض أنها ستزيد الأعباء الاقتصادية على البلاد المأزومة، وستعني تخلياً عن مدينة القاهرة ذات الثقل التاريخي.
وأكد الرئيس السيسي سابقاً أن المباني الحكومية التي سيتمّ هجرها في العاصمة القديمة سيتم استغلالها؛ ما يمكن أن يساهم في توليد إيرادات تقدر بمليارات الجنيهات سنوياً.
وخلال العام الماضي، تم نقل العديد من الوزارات والهيئات الحكومية إلى مقار جديدة في العاصمة الجديدة، إلا أنه لم يتم الإعلان الرسمي بعد عن نقل مقر الحكم، بما في ذلك القصر الرئاسي، إلى هناك.
وتتواجد مقرات أخرى للحكومة في القاهرة، حيث يتم استقبال زعماء أجانب وإقامة مراسم رسمية؛ مثل قصر القبة في حي حدائق القبة التاريخي، وقصر عابدين في حي عابدين وسط القاهرة. وقد أثار إنشاء السيسي قصراً رئاسياً ضخماً في مدينة العلمين على الساحل الشمالي للبحر المتوسط انتقادات واسعة النطاق، خاصة بعدما انتشرت صور تظهر البذخ في تجهيزاته، على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.