منذ يونيو/حزيران 2022، شهدت المملكة المتحدة بداية واحدة من أكبر التجارب في عالم العمل؛ إذ بدأت تجربة الأسبوع العملي المكون من 4 أيام عمل. شاركت في هذه التجربة 61 شركة، حيث عمل الموظفون لمدة ستة أشهر بنسبة 80% من ساعاتهم المعتادة مع الحفاظ على 100% من أجرهم.
هذه التجربة لم تكن مجرد مبادرة لتحسين التوازن بين العمل والحياة الشخصية فحسب، بل كانت أيضاً استجابة للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية العالمية. نُظمت هذه التجربة بالتعاون بين Autonomy، وهي مؤسسة بحثية، وDay Week Global 4 وحملة Day Week UK 4، بالشراكة مع جامعات كامبريدج وأكسفورد وكلية بوسطن.
4 أيام عمل.. نتائج التجربة
حسب موقع "future of work hub" البريطاني بعد مرور عام على نهاية تجربة الأسبوع العملي المكون من 4 أيام عمل، تكشف النتائج عن تأثير إيجابي واسع النطاق. نبدأ بالنظر إلى الشركات نفسها: حوالي 89% من الشركات المشاركة لا تزال تطبق هذه السياسة، مما يشير إلى نجاحها وقبولها في بيئة العمل. أكثر من ذلك، أصبحت هذه السياسة دائمة في أكثر من نصف هذه الشركات، ما يعكس التزاماً طويل الأمد بتوفير توازن أفضل بين العمل والحياة.
من جانب الموظفين، الفوائد واضحة ومتعددة. أبلغوا عن تحسن في الصحة البدنية والعقلية، وهو أمر حيوي في ضوء التحديات التي يفرضها العمل الحديث. كما شعروا بتوازن أكثر استدامة بين مسؤوليات العمل وحياتهم الخاصة، مما يساعد على تقليل الإرهاق والتوتر. هذا التحسن في الرفاهية ليس مجرد ميزة للموظفين فحسب، بل يعود بالنفع أيضاً على الشركات من خلال تعزيز الإنتاجية والإبداع.
المديرون والقادة في هذه الشركات أيضاً لاحظوا تأثيرات إيجابية ملموسة. أكدوا على أن تقليص ساعات العمل لم يؤثر سلباً على الإنتاجية؛ بل على العكس، لوحظ تحسن في أداء العمل وجودته. يعود هذا التحسن جزئياً إلى زيادة التركيز والحيوية التي يشعر بها الموظفون خلال ساعات العمل المخفضة. كما أن البيئة العملية أصبحت أكثر إيجابية، مما يساهم في خلق ثقافة عمل أكثر تعاوناً وابتكاراً.
من ناحية أخرى، لم تتأثر إيرادات الشركات المشاركة سلباً خلال فترة التجربة؛ بل على العكس، نمت الإيرادات بنسبة 1.4% في المتوسط خلال فترة التجربة، مع تسجيل بعض الشركات زيادة في الإيرادات بنسبة 35% مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق. كما أظهرت الدراسة انخفاضاً في نسبة ترك الموظفين لوظائفهم بنسبة 57% خلال فترة التجربة.
تعكس هذه النتائج إمكانية تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة الشخصية دون التضحية بالإنتاجية أو الأداء الاقتصادي للشركات. كما تشجع على تبني هذا النموذج في مختلف القطاعات والصناعات، مما يفتح الباب لإعادة التفكير في كيفية تنظيم ساعات العمل في المستقبل.
أثر النتائج على مستقبل ساعات العمل
تجربة الأسبوع العملي المكون من 4 أيام عمل في المملكة المتحدة تمثل نقطة تحول مهمة في فهم وتطبيق مفاهيم العمل المرن. النجاح الذي شهدته هذه التجربة يعزز الدعوة لإعادة تشكيل ثقافة العمل التقليدية عالمياً، وهو ما يظهر جلياً في الاهتمام المتزايد بتجارب مماثلة في بلدان مختلفة.
تحول عالمي نحو العمل المرن
في الولايات المتحدة وإيرلندا شهدت هذه البلدان تجارب مماثلة، مع تقارير تشير إلى نجاحها في تحسين الرفاهية والإنتاجية. هذه التجارب تدعم الحجة بأن نموذج العمل المكون من أربعة أيام يمكن أن يكون فعالاً في مجموعة متنوعة من البيئات والثقافات العملية.
أما تأثير جائحة كورونا أثارت الجائحة تساؤلات حول الحاجة إلى مرونة أكبر في العمل وطرحت الضوء على أهمية التوازن بين العمل والحياة الشخصية، مما ساعد في تسريع الاعتراف بمزايا أسبوع العمل المكون من أربعة أيام.
التأثيرات المستقبلية
من التأثيرات المستقبلية لـ 4 أيام عمل في الأسبوع نجد:
- تغيير في ثقافة العمل: النتائج الإيجابية من تجربة المملكة المتحدة قد تحفز المزيد من الشركات حول العالم لاعتماد نماذج عمل مرنة وتقديم خيارات عمل أكثر تنوعاً لموظفيها.
- الصحة والرفاهية: تشير النتائج إلى تحسين الصحة العقلية والبدنية للموظفين، مما قد يساهم في خفض معدلات الإجهاد والإرهاق المهني على المدى الطويل.
- الإنتاجية والاقتصاد: على الرغم من القلق المبدئي بشأن التأثير على الإنتاجية، أظهرت النتائج أن الشركات قادرة على الحفاظ على أو حتى زيادة الإيرادات مع أسبوع عمل أقصر.
تحديات واعتبارات: يجب مراعاة التحديات مثل تعديل عقود العمل، تحديد أجر الإجازات، والتأثير على العمال. الاستفادة الكاملة من هذا النموذج تتطلب تنفيذاً مدروساً وتكيفاً مستمراً مع ظروف كل شركة وقطاع.