لا يُرد فيها الدعاء ويغفر الله فيها لعباده.. ما هي فضائل ليلة النصف من شعبان؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/02/14 الساعة 14:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/02/14 الساعة 14:07 بتوقيت غرينتش
ليلة النصف من شعبان/shutterstock

لم يفصلنا عن ليلة النصف من شعبان إلا ليالٍ قليلة، فبحسب التقويم في أغلب الدول العربية، فإن هذه الليلة توافق مساء يوم السبت 24 فبراير 2024.

وتعدّ ليلة النصف من شعبان في التقويم الإسلامي أحد الأيام المباركة التي تحظى بمكانة خاصة لدى المسلمين؛ إذ يستحب فيها زيادة العبادة والتقرب إلى الله، كما أنها فرصة لكل من يرغبون في التوبة والاستغفار، والتفكر في أعمالهم وتطهير أرواحهم علّ الله يقبل توبتهم ودعاءهم.

فما هي ليلة النصف من شعبان؟ وما هو فضلها؟ وما هو دعاء ليلة النصف من شعبان؟ وما هي الأعمال التي يمكن فيها أن نتقرّب بها إلى الله تعالى؟

ليلة النصف من شعبان 

فضل شهر شعبان

يتميز شهر شعبان بمكانة خاصة عند المسلمين، إذ يُعتبر من بين الشهور المفضلة التي اختصها الله بمنزلة كريمة ومكانة عظيمة.

قمر شعبان/shutterstock
قمر شعبان/shutterstock

وقد كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يُخصص صيام أيام شهر شعبان؛ لأنه شهر يغفل عنه بين شهري رجب ورمضان، وفيه ترفع الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى. فعلى سبيل المثال، روى أسامة بن زيد، رضي الله عنهما، أنه قال: "يا رسول الله، لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟"، فأجاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين؛ فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم"، وهذا الحديث رواه ابن أبي شيبة والبغوي والنسائي والبيهقي. 

فضل ليلة النصف من شعبان 

فضل ليلة النصف من شعبان يعتبر أمراً مهماً في الإسلام، حيث اختصها الله سبحانه وتعالى بمكانة خاصة وفضل عظيم.. 

ويُشجع المسلمون على إحياء ليلة النصف من شعبان بالقيام فيها بالعبادة والطاعات، وصيام نهارها، سعياً لنيل فضلها وتحصيل ثوابها، واستغلال الخيرات والبركات التي تنزل فيها. وترتبط هذه العبادات بالتقوى والتوبة والاستغفار. 

فضل الليلة/shutterstock
فضل الليلة/shutterstock

فعلى المسلم أن يستعد للتقرب إلى الله في ليلة النصف من شعبان، ويقضيها في طاعة الله واستغلالها في العبادة والدعاء والتوبة، عسى أن ينال بها رحمة الله ومغفرته، وأن يكون ذلك سبباً في تحقيق الخير والبركة له في الدنيا والآخرة.

الأدلة من السنّة على فضل ليلة النصف من شعبان

وأما السنة النبوية: فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا، فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ أَلَا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ؟ أَلَا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ؟ أَلَا كَذَا؟ أَلَا كَذَا؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ"، أخرجه ابن ماجه في "السنن" واللفظ له، والفاكهي في "أخبار مكة"، وابن بشران في "أماليه"، والبيهقي في "شعب الإيمان".

وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعَرِ غَنَمِ كَلْبٍ"، أخرجه ابن راهويه وأحمد في "المسند"، والترمذي وابن ماجه -واللفظ له- في "السنن"، والبيهقي في "شعب الإيمان".

وعنها أيضاً رضي الله عنها أنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "يَفْتَحُ اللهُ الْخَيْرَ فِي أَرْبَعِ لَيَالٍ: لَيْلَةِ الْأَضْحَى، وَالْفِطْرِ، وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَان؛ ينْسَخُ فِيهَا الْآجَالَ وَالْأَرْزَاقَ، وَيَكْتُبُ فِيهَا الْحَاجَّ، وَفِي لَيْلَةِ عَرَفَة إِلَى الْأَذَانِ"، رواه الدارقطني في "غرائب مالك"، والخطيب في "الرواة عن مالك"، وابن الجوزي في "مثير العزم"، والديلمي في "الفردوس".

إلى غير ذلك من الأحاديث التي ذكرها الأئمة في مصنفاتهم؛ حتى إنهم أفردوا لها بالتصنيف أبواباً مخصوصة في كتبهم؛ فبوَّب الترمذي وابن ماجه في "سننهما": (باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان)، وبوَّب ابن أبي عاصم في "السنة": (باب ذكر نزول ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان، وَمَطْلَعِهِ إلى خلقه)، وبوَّب البيهقي في "فضائل الأوقات"، والبغوي في "شرح السنة": (بَابٌ فِي فَضْلِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ).

دعاء ليلة النصف من شعبان

أقوال الصحابة في فضل ليلة النصف من شعبان

أما أقوال الصحابة رضوان الله عليهم: فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: "يُعْجِبُنِي أَنْ يُفَرِّغَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ فِي أَرْبَعِ لَيَالٍ: لَيْلَةِ الْفِطْرِ، وَلَيْلَةِ الأَضْحَى، وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ"؛ كما أورده الحافظ ابن الجوزي في "التبصرة" (2/ 20، ط. دار الكتب العلمية).

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "خَمْسُ لَيَالٍ لَا يُرَدُّ فِيهِنَّ الدُّعَاءَ: لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ، وَأَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ، وَلَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَلَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ" أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"، والبيهقي في "شعب الإيمان" و"فضائل الأوقات".

وجاء في منشور دار الإفتاء المصرية عدد من الأدعية الخاصة بليلة النصف من شعبان، كان أبرزها: "اللَّهُمَّ يَا ذَا الْمَنِّ وَلَا يُمَنُّ عَلَيْهِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، يَا ذَا الطَّوْلِ وَالإِنْعَامِ. لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ظَهْرَ اللَّاجِئينَ، وَجَارَ الْمُسْتَجِيرِينَ، وَأَمَانَ الْخَائِفِينَ".

دعاء الله/shutterstock
دعاء الله/shutterstock

وتابعت دار الإفتاء المصرية: "اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنِي عِنْدَكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ شَقِيّاً أَوْ مَحْرُوماً أَوْ مَطْرُوداً أَوْ مُقَتَّراً عَلَيَّ فِي الرِّزْقِ، فَامْحُ اللَّهُمَّ بِفَضْلِكَ شَقَاوَتِي وَحِرْمَانِي وَطَرْدِي وَإِقْتَارَ رِزْقِي، وَأَثْبِتْنِي عِنْدَكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ سَعِيداً مَرْزُوقاً مُوَفَّقاً لِلْخَيْرَاتِ، فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ فِي كِتَابِكَ الْمُنَزَّلِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكَ الْمُرْسَلِ: ﴿يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾، إِلهِي بِالتَّجَلِّي الْأَعْظَمِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ الْمُكَرَّمِ، الَّتِي يُفْرَقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ وَيُبْرَمُ، أَنْ تَكْشِفَ عَنَّا مِنَ الْبَلَاءِ مَا نَعْلَمُ وَمَا لَا نَعْلَمُ وَمَا أَنْتَ بِهِ أَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ".

وأكدت دار الإفتاء المصرية أن هذا الدعاء في ليلة النصف من شعبان أمرٌ حسنٌ لا حرج فيه ولا منع، موضحة أن أصل الألفاظ المستعملة في هذا الدعاء وارد عن بعض الصحابة والسلف. 

أعمال ليلة النصف من شعبان

نقل العمل في إحياء ليلة النصف من شعبان

نُقِل العمل على الاحتفال بليلة النصف من شعبان عن السلف الصالح وأهل مكة والشام:

قال العلامة ابن الحاجّ المالكي في "المدخل" (1/ 299، ط. دار التراث): [وكان السلف رضي الله عنهم يُعَظِّمونها -أي: ليلة النصف من شعبان-، ويُشَمِّرُون لها قبل إتيانها، فما تأتيهم إلا وَهُمْ متأهِّبون للقائها، والقيام بحرمتها على ما قد عُلِمَ من احترامهم للشعائر على ما تَقَدَّم ذِكْرُه؛ هذا هو التعظيم الشرعي لهذه الليلة] اهـ.

وقال العلامة الفاكهي في "أخبار مكة" (3/ 64، ط. دار خضر): [ذِكْرُ عمل أهل مكة ليلة النصف من شعبان واجتهادهم فيها لفضلها: وأهل مكة فيما مضى إلى اليوم؛ إذا كان ليلة النصف من شعبان خرج عامة الرجال والنساء إلى المسجد، فصلَّوا، وطافُوا، وأحيَوْا ليلتهم حتى الصباح بالقراءة في المسجد الحرام، حتى يختموا القرآن كله، ويُصلُّوا، ومَن صلَّى منهم تلك الليلة مائة ركعةٍ يقرأ في كل ركعة بـ﴿الْحَمْدُ﴾ -أي: الفاتحة-، و﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ عشر مرات، وأخذوا من ماء زمزم تلك الليلة، فشربوه، واغتسلوا به، وخبَّؤُوه عندهم للمرضى، يبتغون بذلك البركة في هذه الليلة، ويروى فيه أحاديث كثيرة] اهـ.

وقال الحافظ ابن رجب في "لطائف المعارف" (ص: 137، ط. دار ابن حزم): [وليلة النصف من شعبان: كان التابعون من أهل الشام؛ كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم، يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها] اهـ.

هل يستحب صيام يوم النصف من شعبان؟

لم يثبت في سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم صيام يوم الخامس عشر من شهر شعبان، ولا فعله من قبل الصحابة الكرام يُعتبر هذا الأمر محدثاً، ولا يوجد دليل شرعي صحيح يثبت فضل صيام هذا اليوم. بل قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الابتداع في الدين، حيث قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وهذا الحديث مروي في صحيح مسلم.

قد أكد العلماء الكبار مثل الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين -رحمهما الله- على أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها، وتخصيص يومها بالصيام، هو بدعة منكرة لا أصل لها في الشرع المطهر، فقد جاءت هذه العبادات بعد عصر الصحابة -رضي الله عنهم- ولا تثبت بها حجة شرعية وفقاً لأغلبية أهل العلم.

صيام ليلة النصف/shutterstock
صيام ليلة النصف/shutterstock

ومن أهم الأدلة التي يستند إليها العلماء في رفض هذه العبادات هو قول الله تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ"، وهذا يعني أن الإسلام قد أكمل ونُزلت جميع الأحكام الشرعية الضرورية. كما جاء في حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ". 

بناءً على ذلك، فإن تخصيص ليلة النصف من شعبان بالصيام وتخصيص ليلتها بالقيام غير مشروع في الشريعة الإسلامية، ولم يثبت عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه -رضي الله عنهم- في فضلها كما ذكر موقع إسلام ويب 

لكن إذا صام الإنسان الثلاثة أيام البيض من شهر شعبان، وهي اليوم الثالث عشر واليوم الرابع عشر واليوم الخامس عشر، فإن هذا لا بأس به. فقد جاء في السنة النبوية أنه من السنة المستحبة للإنسان أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، ومن الأفضل تحديد هذه الأيام الثلاثة في الأيام البيض من الشهر، كما أخبرنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فقد روى عنه قوله: "صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله". 

تحميل المزيد