باستخدام التكنولوجيا المبتكرة والذكاء الاصطناعي، يقف العالم على أعتاب ثورة رقمية تحدث تغييراً جذرياً في كيفية تفاعلنا وتواصلنا عبر منصات التواصل الاجتماعي. إنها ثورة تحولت إلى واقع بفضل ابتكارات مذهلة تستفيد من القوة الضخمة للذكاء الاصطناعي لإحداث تأثير كبير على حياتنا اليومية وعلى مساراتنا الرقمية.
تمكنت كنزة ليلي أول مؤثرة في المغرب التي اعتمدت على التكنولوجيا المتقدمة للذكاء الاصطناعي من تحقيق انتشار واسع على شبكات التواصل الاجتماعي في وقت قياسي.
استطاعت خلال فترة قصيرة أن تستحوذ على انتباه الآلاف من المستخدمين الذين أبدوا إعجابهم الشديد بها، لاسيما لأنها تجسد بكل تفاصيلها صفات الفتاة المغربية التقليدية، سواء من حيث أسلوب اللباس الذي تعتمده أو العادات اليومية التي تتبعها وتشاركها مع جمهورها المتزايد، الذي وصل عدده إلى أكثر من 117 ألف متابع حتى الآن.
كنزة ليلي أول مؤثرة بالذكاء الاصطناعي في المغرب
كنزة ليلي، التي تصف نفسها بأول شخصية افتراضية مغربية، تبرز بين مؤثرات واقعيات السوشيال ميديا، حيث تركز بشكل رئيسي على صناعة محتوى يتناول أسلوب الحياة، والموضة، والجمال، والتغذية، بطريقة تشبه تماماً باقي المؤثرات الواقعيات.
تتشارك كنزة ليلي يومياتها بلغة الشائع في المغرب "الدارجة" مع متابعيها على منصة إنستغرام، حيث تشارك الصور والقصص والفيديوهات التي تبرزها وهي تمارس نشاطاتها المفضلة، مثل الخزف والرياضة والسفر وحتى الذهاب إلى السينما.
لم تفوت كنزة الفرصة لتشجيع المنتخب المغربي لكرة القدم خلال مشاركته في كأس أفريقيا للأمم، وقد نشرت منذ إطلاقها في 29 ديسمبر/كانون الأول 2023 أكثر من 80 منشوراً، حيث حظيت هذه المنشورات بعدد كبير من الإعجابات والتفاعلات من قبل جمهورها المتابع.
فكرة تصميم أشهر مؤثر بالذكاء الاصطناعي
مع الإعجاب الكبير الذي نالته تلك المؤثرة الافتراضية، بدأ المتابعون يطرحون تساؤلات حول الشخص الحقيقي الذي قام بتصميمها وإطلاقها إلى العالم الرقمي. كما لم تخلُ تعليقاتهم من السخرية حيال كيفية عمل كنزة وما إذا كانت تحتاج إلى بطارية للعمل.
وفي ظل هذا الانتشار الواسع، لم يفوّت بعض المتابعين الفرصة للتعبير عن رغبتهم في عدم نزع الحجاب والحرص على ارتداء القفطان المغربي، ما أضاف للمناقشات حول الهوية الثقافية والدينية التي تتبناها المؤثرة.
في الوقت نفسه، تواصل المؤثرة متابعة أكثر من 225 شخصية مؤثرة على موقع إنستغرام، بينهم مشاهير وفنانون وإعلاميون ورياضيون، إلى جانب صفحات متخصصة في الموضة والجمال والسفر، وقنوات وطنية ودولية، ما يعكس القبول والاندماج الواسع الذي حظيت به في أوساط مختلفة من المجتمع الرقمي.
في خطوة مفاجئة، قررت كنزة أن تشارك متابعيها بمفاجأة مذهلة عبر إضافة اسم "زينة ليلي" في البايو الخاص بها، مشيرة إلى أنها "شقيقتها". ولقد أثارت هذه الخطوة الاهتمام والتساؤلات بين متابعيها، وأعطتهم نظرة جديدة على شخصيتها الرقمية.
على الفور بعد تعريفها بهذه الصفة الجديدة، استطاعت زينة أن تحقق نجاحاً سريعاً بالحصول على أكثر من 31 ألف متابع. تختلف زينة عن "شقيقتها كنزة" بأنها لا ترتدي الحجاب، وتعرف نفسها كطالبة ومنتجة محتوى، تهتم بالحياة اليومية وتعشق القراءة، وتُصف نفسها كروح افتراضية.
وتُظهر متابعة زينة لعدة صفحات لمشاهير ومؤثرين، خصوصاً الحسابات الموثقة، بالإضافة إلى صفحات تتعلق بالموضة والجمال، ما يبرز تنوع اهتماماتها وتفاعلها مع عدة مجالات على منصات التواصل الاجتماعي.
من يقف وراء حساب كنزي ليلى
في الواقع، يكمن وراء شخصية كنزة الخيالية فريق مؤلف من حوالي عشرة شباب موهوبين ومتحمسين ملتزمين بتقديم منتج جديد ومبتكر في السوق المغربية. يرأس هذا الفريق، بقيادة مريم بيسا، عملية تصميم المحتوى والمظهر والتفاعل مع جمهور مواقع التواصل الاجتماعي، مع الانتباه إلى كل التفاصيل الصغيرة.
وفي هذا السياق، توضح مريم بيسا حسب موقع "snrt news" المغربي "على الرغم من أن الأشخاص الذين يتابعون حساب كنزة يعتقدون أنها تتفاعل معهم وترد على تعليقاتهم ورسائلهم، إلا أن الواقع هو أنها لا تزال قيد التطوير".
وتضيف: "نحن نعمل على تطوير روبوت الدردشة لكنزة بحيث يكون قادرًا على التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي باللغات العربية والفرنسية واللهجة المحلية "الدارجة".
وفي الوقت نفسه، يعمل فريق مكون من 13 شخصًا بشكل وثيق وعن بعد على حساب إنستغرام الخاص بكنزة وزينة ليلي، محاولين قدر استطاعتهم الإجابة على الأسئلة والتفاعلات، حيث نتلقى عددًا كبيرًا من الرسائل".
وتختم بيسا حديثها بالقول: "كانت رغبتنا الأولى هي ترك كنزة في الظل وتطويرها باستخدام Chatbot والتقنيات الحديثة، ولكن الظروف أجبرتنا على الخروج لنقول إنها أول مؤثرة في مجال الذكاء الاصطناعي تم إنشاؤها في 29 دجنبر 2023. كنا نود أن نفعل ذلك بطريقة مختلفة، ولكن الأمر ليس مهمًا، فالمهم هو أن كنزة موجودة الآن ونعمل على تطويرها لتلبية احتياجات متابعيها".
ليست الوحيدة بالسوشيال ميديا
على الرغم من نجاح كنزة ليلي في جذب انتباه النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة كبيرة، حيث وصفت نفسها كأول مؤثرة تم تطويرها بواسطة الذكاء الاصطناعي، إلا أنها ليست الوحيدة التي قامت بهذه الخطوة. فقد قدمت راضية بنسودة نفسها كمؤثرة بالذكاء الاصطناعي أيضاً.
ومع ذلك، تختلف نتائجهما بشكل كبير، حيث لا يتابع راضية إلا قرابة ألفي شخص على الرغم من وجودها على منصة إنستغرام، واللافت أنها لا تتابع أي شخصية أخرى على هذه المنصة.
تعتبر راضية نفسها شخصية افتراضية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتعمل كبلوجر وصانعة محتوى تركز على الموضة والجمال ونمط الحياة، دون تقديم أي معلومات إضافية حول الشخص أو الجهة التي قامت بتطويرها.
وعلاوة على ذلك، تميزت راضية بأسلوبها المختلف في مشاركة يومياتها وذوقها في الأزياء، حيث تظهر بإطلالات جريئة تختلف عن نمط كنزة.
هل هي بداية نهاية المؤثرات الحقيقيات؟
قد يصبح المؤثرون الافتراضيون قوة ساحقة في "سوق التأثير" في المغرب، وقد يتحول الصراع حول الإعلانات بين المؤثرين الواقعيين والافتراضيين بعدما كان محصوراً بين المؤثرين الواقعيين فقط.
وفي هذا السياق، أوضح أيوب مفتاح الخير، عضو المكتب التنفيذي للمرصد المغربي للسيادة الرقمية، أن "ظاهرة المؤثرين الافتراضيين حققت نجاحاً كبيراً في عدة دول مثل اليابان وإسبانيا والولايات المتحدة، حيث تعتمد هذه الحسابات على مقاييس المثالية، خاصة فيما يتعلق بالجسد".
ومن المتوقع أن تظهر حسابات رجالية مطورة بالذكاء الاصطناعي تعتمد على مقاييس مثالية لجذب المتابعين، وستنافس المؤثرين التقليديين، حيث أظهرت التجارب حول العالم نجاحهم في جني مبالغ كبيرة.
وفيما يتعلق بمن يقف وراء حسابات المؤثرين الافتراضيين، فقد كشف مفتاح الخير أن بعضهم يمثل وكالات تواصل تهدف إلى تحقيق أرباح مادية، بينما يكون البعض الآخر أشخاصاً ذاتيين.
بالتالي، يمثل ظهور هذه "الشخصيات الافتراضية" تحدياً للمؤثرين التقليديين، خصوصاً في ظل تراجع مصداقيتهم في بعض الأحيان وتصاعد الخلافات بينهم حول الإعلانات، ما يثير انقساماً بين جمهورهم.