عثرت بعثة مشتركة لعلماء الآثار اليابانيين والمصريين القدماء مؤخراً على ثلاثة أقنعة موت في مقابر صخرية بمنحدرات سقارة، الموقع الأساسي للدفن في ممفيس، أقدم عاصمة فرعونية لمصر القديمة والتي تُعرف حالياً بمدينة منف في مركز البدرشين بمحافظة الجيزة..
وبحسب نيويورك تايمز فإن أحد الأقنعة الجديدة التي اكتُشفت أمام مقبرة يونانية رومانية تم العثور عليه في عام 2019، كان مصنوعاً من الطين وثُبّت فوق جمجمة بشرية، وكان محاطاً بأجزاء من شعر مستعار.
أقنعة الموت تشيّع المصريين القدماء في رحلتهم للآخرة
في النصوص الحديثة لمصر القديمة، التي تمتد من عام 1550 حتى عام 1070 قبل الميلاد، كان القناع الموضوع فوق رأس المومياء يُعرف باسم "سوخيت"، وتعني "البيضة"، أو في بعض الأحيان "تيب أون سيشتا"، وتعني "رأس الأسرار" أو "رأس الألغاز".
ويقول فوي سكالف، الخبير في مجال علم الآثار المصرية في جامعة شيكاغو، إن مصطلح "السر" أو "اللغز" يُستخدم كتعبير عن المومياء نفسها، حيث تأخذ المومياء، بعد عملية التحنيط والطقوس الروتينية، طابعاً خاصاً ويضيف: "عند وجود أضرار جسدية، يساعد غطاء الوجه في الحفاظ على سلامة الرأس ويمنح الميت صورة مثالية دائمة".
أقنعة الموت عادة مقدسة في الطقوس الجنائزية
ولم تكن هذه الأقنعة، التي صُنعت في ورش العمل عن طريق الحرفيين، زهيدة الثمن؛ حيث كانت الأصباغ والعمالة ذات تكلفة باهظة. وقد أشار الدكتور سكالف إلى أن العدد الكبير من الأقنعة المتبقية يشير إلى أنها لم تكن مقتصرة على طبقة النخبة.
وأضاف: "لا يبدو غريباً أن 35% من السكان في مصر القديمة كانوا يمتلكون الوسائل اللازمة لاقتناء هذه الأقنعة".
وأشار نوزومو كاواي، عالم الآثار في جامعة كانازاوا في اليابان وزعيم البعثة، إلى أن ألوان الشعر المستعار تشير إلى أن تاريخ هذه الأقنعة يعود إلى العصور المتأخرة والبطلمية، أي منذ حوالي عام 713 إلى عام 30 قبل الميلاد.
أقنعة رومانية فريدة في مصر القديمة
ووفق المصدر نفسه، تم العثور على قناعين آخرين داخل سرداب الموتى، بالإضافة إلى تمثالين من الطين يصوّران إيزيس أفروديت، إلهة الولادة، وابنها حربوقراط، الإله اليوناني المستوحى من حورس، إله الصمت المصري الذي كان يُعتقد أنه يمتلك القدرة على حماية نفسه من المرض والموت.
في هذا الصدد، تعلق كارا كوني، أستاذة الفن والهندسة المعمارية المصرية في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: "مع ارتفاع معدل الوفيات إلى هذا الحد، يمكننا أن نقول بثقة إن حربوقراط كان يحظى باحترام خاص".
وتعود أصول القناعين اللذين عُثر عليهما إلى القرن الثاني الميلادي، وهو الوقت الذي كانت فيه مصر تابعة للإمبراطورية الرومانية.
صُنع كل منهما من الكارتوناج، وهي مادة تتكون من خلط شرائح من الكتان أو ألياف البردي القديمة في عجينة توضع على قالب خشبي أو الرأس الفعلي للمومياء ثم تغطّى الأقنعة بطبقة رقيقة من الجص وتلوّى بالذهب، الذي كان يُعتقد أنه يمثل لون أجساد الآلهة ويعتبر رمزاً للرونق الأبدي.
الموت قنطرة العبور إلى الحياة
وقد اهتمت الحضارة المصرية القديمة بالموت منذ بداية التاريخ، حيث اعتبرته مرحلة طبيعية في دورة الحياة، وكان أهم غايات المصريين القدماء تأمين حياة جديدة للمتوفى تضمن له الخلود بسلام.
وقد تجلّى هذا في بناء مقابرهم وتزيين جدرانها بالنقوش، وتحنيط جثثهم للحفاظ عليها، وإقامة شعائر جنائزية خاصة، وقراءة النصوص والصلوات، بهدف التأكيد على البعث والحياة الأبدية.
وفكرتان سادتا في مصر القديمة كان لهما تأثير كبير على مفهوم الموت في الثقافات الأخرى؛ الأولى كانت الفكرة التي تجسّدت في الأسطورة الأوزيرية، عن إله مخلص يموت ويقوم، ويمكنه أن يمنح أتباعه هدية الخلود. هذه الحياة الآخرة سعى إليها الفراعنة أولاً ثم الملايين من الناس العاديين.
والفكرة الثانية تتعلق بمفهوم حكم ما بعد الوفاة؛ حيث إنه في اعتقادهم تؤثر نوعية حياة المتوفى على مصيره النهائي، حتى كان يشاع القول بأن المجتمع المصري في تلك الحقب الزمنية يتكون من الأموات والآلهة والأحياء وفق britannica.
كما وصف المصريون القدماء الموت في نصوصهم بأنه مثل النقاهة بعد المرض، وهذا التصور يدل على اعتقاد في حياة أخرى يبرأ فيها الإنسان من كل مشاكل الدنيا وأمراضها المعنوية، ينعم فيها بحياة النقاهة بعد رحيله عن حياة الأرض.
وإذا كان قد شُيدت مقابر فسيحة من الطوب اللبن في جبانات أبيدوس وسقارة، في الألفية الرابعة قبل الميلاد، فقد تبدلت مقاييس الأبنية الجنائزية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد مع ظهور الأهرامات، وصولاً إلى مقابر وادي الملوك الشهيرة ومعابد الدولة الحديثة.