ليوم الجمعة مكانة كبيرة في الإسلام، فهو يوم مبارك بالفضائل والبركات والعبادات وهو أفضل الأيام، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة، كما رواه مسلم في صحيحه؛ لذلك يرغب المسلمون في صيامه تقرباً إلى الله عزّ وجلّ ولتعزيز الروابط الاجتماعية والأخوية، وذلك من خلال أداء الصلاة والقيام بالأعمال الصالحة والتذكير بالقيم والمبادئ الإسلامية.
غير أن جواز صيام هذا اليوم لا يزال يعدّ أمراً غير واضح بالنسبة للكثيرين، فهل يجوز بالفعل صيام يوم الجمعة؟ وهل يجوز صيام يوم الجمعة منفرداً؟ وماذا عن صيام يوم الجمعة للقضاء؟ وهل من الممكن صيام يوم الجمعة إذا توافق مع يوم عرفة أو يوم عاشوراء؟
كل هذه التساؤلات ستجدون الإجابة عنها بالتفصيل في هذا التقرير:
هل يجوز صيام يوم الجمعة؟
حديث: "لا يصومَنَّ أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله، أو بعده" هو حديث أخرجه البخاري، ومسلم في صحيحيهما.
فهل يجوز صيام يوم الجمعة ؟
وتؤكد الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية على جواز إفراد يوم الجمعة بالصوم في حال وجود سبب يبرر ذلك؛ مثل احتياج الشخص لقضاء صيام مفروض متبقٍ من شهر رمضان، أو إذا وافق يوم الجمعة صوماً مُعتاداً للصائم.
كما يؤكد الجمهور من العلماء أيضاً على جواز صيام يوم الجمعة منفرداً في حالة توافر الأسباب المشروعة؛ مثل تزامنه مع أيام الصوم المستحبة، أو لقضاء ما على المسلم من أيام رمضان، أو في حالة الصوم المتقطع (صوم يوم وإفطار يوم آخر)، أو إذا صام يوماً قبل يوم الجمعة أو يوماً بعده.
وتوجه العلماء بعدم إفراد يوم الجمعة بالصيام يستند إلى النصوص النبوية التي تنهى عن ذلك، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده"، وقد ورد هذا الحديث في الصحيحين وأيضاً عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه سُئل عن نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم يوم الجمعة؛ فقال: "نَعَم". متفق عليه.
وبالتالي يعود كُره إفراد يوم الجمعة بالصيام إلى الأحاديث النبوية التي تنهى عن ذلك، ويرى العلماء باتباع هذا التوجيه احتراماً وامتثالاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وتعاليمه، وبناء على ما سبق ذكره يُكره إفراد يوم الجمعة بالصيام بشكل عام، إلا إذا كان الصوم مرتبطاً بعادة للصائم، ففي هذه الحالة جائز.
وما دام النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصيام مخصوصاً بمن قصد ذلك، إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة، فهل يجوز صيام يوم الجمعة في هذا اليوم؟
ما هو حكم صيام يوم عرفة يوم الجمعة؟
في إجابة الدكتور محمد عبد السميع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، على سؤال حول جواز صيام يوم عرفة الجمعة منفرداً، أو إذا كان يتعين صيام يوم قبله أو بعده، أكد أنه لا مانع من صيام يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة، وليس هناك حاجة لصيام يوم قبله أو بعده.
وأضاف أنه يُسمح بتخصيص صيام يوم الجمعة لفضل فيه، مثل يوم عرفة، ولا مانع من ذلك.
ولفت الدكتور عبد السميع الانتباه إلى أن صيام النافلة المطلقة في يوم الجمعة، أي الصيام التطوعي بدون سبب محدد، قد يكون غير مستحب، لأن يوم الجمعة هو يوم فرح وعيد للمسلمين. ولكن إذا صادف يوم عرفة، أو كان الصائم يصوم يوماً ويفطر يوماً، فإن ذلك لا يشكل مانعاً من الصيام في هذه الحالات.
وما دام يجوز صيام يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة، وليس هناك مانع شرعي من ذلك، فهل يجوز صيام يوم الجمعة يوم عاشوراء؟
ما هو حكم صيام عاشوراء يوم الجمعة؟
أكدت دار الإفتاء المصرية أنه إذا وافق يوم الجمعة يوم عاشوراء، فإنه يجوز صيامه منفرداً.
وأضافت دار الإفتاء أن الجمهور من العلماء يرون أنه يجوز صيام يوم الجمعة منفرداً إذا كان هناك سبب لهذا الصوم، مثل توافق يوم الجمعة مع عادة الصائم كصوم يومٍ وإفطار يومٍ، أو توافقه مع يوم عاشوراء، أو لقضاء الصيام المتبقي من رمضان، أو صيام يوم قبل يوم الجمعة أو بعده.
وأكدت دار الإفتاء أنه إذا أتى يوم عاشوراء ووافق يوم الجمعة، فإن صيام المسلم منفرداً يصح ولا حرج عليه.
كما يعتبر صيام يوم عاشوراء من الأعمال المستحبة في الإسلام، وقد ورد في السنة النبوية فضل هذا اليوم وجزاؤه. فقد روى النبي صلى الله عليه وسلم أن صيام يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام الماضي، كما جاء في صحيح مسلم عن أبي قَتادة رضي الله تعالى عنه، عن الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "صوم عاشوراء يكفِّر السّنة الماضية، وصوم عرفة يكفِّر سنتين: الماضية والمستقبَلة" رواه النَّسائي في السّنن الكبرى.
وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- قال: "ما رأيت النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- يتحرّى صيام يومٍ فضَّله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشّهر، يعني شهر رمضان" رواه البخاري، ومسلم.
لذا، يمكن للمسلمين صيام يوم عاشوراء منفرداً حتى لو وافق يوم الجمعة، ويمكنهم الاستفادة من فضل هذا اليوم والتوبة إلى الله وتكفير ذنوبهم.
وما دام يُجاز صيام يوم الجمعة إذا ما وافق يوم عرفة ويوم عاشوراء، فهل يجوز صيام يوم الجمعة للقضاء أيام من رمضان أو لأي سبب آخر يتطلب القضاء في يوم الجمعة تحديداً؟
هل يجوز صيام يوم الجمعة و السبت قضاء؟
بحسب دار الإفتاء حول هل يجوز صيام يوم الجمعة فصيام القضاء هو صوم واجب كصوم شهر رمضان، ويعتبر صيام يوم الجمعة شرعاً جائزاً ولا حرج فيه، ولا كراهية في ذلك، فصيام يوم الجمعة للقضاء يكون صحيحاً.
ففي الحديث النبوي، يُذكر بكراهية صيام يوم الجمعة منفرداً، وذلك إذا كان الصائم يقصد بصيامه الاعتراض على ما شرعه الله من الاحتفال في يوم الجمعة كونه عيداً للمسلمين، ومن غير المناسب أن يتم التعارض بين الصيام في يوم الجمعة وبين الاحتفال والخشوع في هذا اليوم؛ لذا يتعيّن على الصائم أن يحرص على تقديم الأولويات الدينية في هذا اليوم المبارك.
لكن، إذا كان الصيام في يوم الجمعة قضاء لفوائت من رمضان أو لسبب شرعي آخر، دون الاعتراض على شرعية الاحتفال في هذا اليوم، فإنه لا توجد كراهية في صيامه، ويُعتبر الصيام فيه صحيحاً
وقد سبق أن أجابت دار الإفتاء المصرية على سؤال مواطنة حول حكم صيام يومي الجمعة والسبت لقضاء أيام الحيض التي أفطرتها في رمضان، في بث مباشر عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"؛ حيث ذكرت المواطنة أن يوم الجمعة هو يوم إجازتها من العمل.
وأجاب الدكتور محمود شلبى، مدير إدارة الفتوى الهاتفية، وأمين الفتوى بدار الإفتاء،حول هل يجوز صيام يوم الجمعة قائلاً: "نعم يجوز صيام يوم الجمعة منفرداً لقضاء أيام الفطر في رمضان، ويجوز صيام يوم السبت منفرداً للقضاء، ويجوز أيضاً صيام يومي الجمعة والسبت معاً في القضاء، ولا شيء في ذلك إن شاء الله".
هذه الإجابة تؤكد جواز صيام يوم الجمعة للقضاء وكذلك صيام يوم السبت للقضاء، سواء بشكل منفرد أو متزامنين، وتأتي هذه الإجابة بناءً على التوجيهات الشرعية والفقهية المعتمدة لدار الإفتاء المصرية.
وعلى اعتبار أنه يجوز صيام يوم الجمعة للقضاء دون الاعتراض على شرعية الاحتفال في هذا اليوم، فهل يجوز صيام يوم الجمعة مدى الحياة بحسب أحكام الشريعة؟
هل يجوز نذر صوم يوم الجمعة؟
فيما يتعلق بنذر صيام يوم الجمعة مدى الحياة لأداء عبادة إضافية أو لتحقيق غاية دينية محددة، فإن الفقهاء اختلفوا حول جواز ذلك.
بحسب الحنفية والمالكية، نذر صيام يوم الجمعة مشروع ومستحب؛ نظراً لكونه نذراً لطاعة الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" -رواه صحيح البخاري.
أما الشافعية والحنابلة، فيرى بعضهم أنه غير مستحب وينصحون بتجنبه.
بينما رأى علماء آخرون كراهية إفراد يوم الجمعة بالصوم، مع التفضيل للصيام في أيام أخرى، فعن مسلم عن محمد بن عباد بن جعفر: سألت جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- وهو يطوف بالبيت: أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام الجمعة؟ فقال: نعم، ورب هذا البيت. وروى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصّوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم.
وفيما يتعلق بسؤال هل يجوز صيام يوم الجمعة ومشروعيته، فإنه إذا وافق يوماً يحرم الصيام فيه، فإنه يتوجب الفطر والقضاء وعندما يتعلق الأمر بالعجز عن الوفاء بالنذر، فإنه يُسَن تأديته ككفارة لليمين. والله أعلم.