في تطورات مثيرة، طلبت الحكومة الإسرائيلية من عائلات المحتجزين في قطاع غزة التوقف عن الاحتجاجات التي تطالب بإعادة أفراد عائلاتها، مع انتظار عقد اجتماع لمجلس الحرب لمناقشة صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس.
وأشارت القناة الإسرائيلية الـ12 إلى أن مسؤول ملف المحتجزين في الحكومة الإسرائيلية طالب خلال لقاء مع العائلات وقف الاحتجاجات، مؤكداً أن الحكومة تبذل جهوداً كبيرة لاستعادة المحتجزين. وفي استمرار للضغوط، اعتصمت عائلات المحتجزين أمس الأحد 17 ديسمبر/كانون الأول وأغلقت شارعاً قرب وزارة الدفاع في تل أبيب، رمزياً للوقت الذي قضاه الأسرى في بداية النزاع.
وفي السياق ذاته، أكد عضو مجلس الحرب، بيني غانتس، أنه تحدَّث مع عائلات الأسرى حول إمكانية التوصل إلى اتفاق، مشيراً إلى أن الدفع المالي لن يكون عائقاً، ولكن التحدي يكمن في الوصول إلى اتفاق عملي.
من جهة أخرى، كشفت هيئة البث الإسرائيلية أن الحكومة تدرس إطلاق سراح أسرى ذوي محكوميات عالية في صفقة تبادل قادمة، وأفاد مصدران مصريان بفتح إسرائيل وحماس صفحة جديدة من المفاوضات، تتضمن وقف إطلاق النار والإفراج عن المحتجزين.
خلال هذه الفترة من المفاوضات حول الأسرى عادت إلى الواجهة عدة أسماء فلسطينية من أصحاب المحكوميات الطويلة في سجون الاحتلال من بينهم جمال أبو الهيجا الذي حكم عليه الاحتلال بـ9 مؤبدات أي 900 سنة من السجن.
تعرض أبناؤه وزوجته للاعتقال والمطاردات كما قصف منزله عدة مرات، ورفض الاحتلال إطلاق سراحه في صفقة وفاء الأحرار عام 2011 بسبب قوة خطابه الدعوي وتأثيره على الشباب وتشجيعه على المقاومة.
من هو جمال أبو الهيجا؟
في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين، رأى جمال عبد السلام أبو الهيجا النور في يوم 25 نوفمبر 1959. كانت عائلته قد نزحت من قريتهم "عين حوض" في قضاء مدينة حيفا عقب النكبة في عام 1948، لتستقر في مخيم جنين.
تأثر جمال بوالده، الذي كان مؤذناً وإماماً لمسجد المخيم. انخرط في الدعوة وسار على خُطى والده، مكرساً جهوده للأعمال الاجتماعية ودعم المقاومة. كان منزله معروفاً باستقبال المقاتلين من جميع أنحاء الضفة الغربية.
تزوج جمال من أسماء محمد سباعنة، ورزقا بستة أبناء، جميعهم يسيرون في نفس درب والدهم في الدفاع عن قضية الأسرى ومقاومة الاحتلال.
تلقى جمال تعليمه الأساسي في مدارس الأونروا، وحصل على التعليم الثانوي في مدرسة جنين الثانوية، بعد ذلك، انضم إلى الكلية العربية لإعداد المعلمين في عمان، حاز على درجة الدبلوم في التربية الإسلامية عام 1982.
بدأت حياته المهنية بالتدريس في اليمن ومن ثمَّ في السعودية، وكان له تجربة قصيرة في الكويت، قبل أن يعود إلى جنين عام 1990. في جنين، شارك في اللجنة الاجتماعية للزكاة والصدقات، حيث كانت مهمتها رعاية الأيتام وتقديم المساعدات الدراسية والتموين وترميم البيوت وشراء الأدوية. أيضاً، شغل منصب مدير مراكز تحفيظ القرآن الكريم في المحافظة.
التحق جمال أبو الهيجا بجماعة الإخوان المسلمين في الأردن عام 1979، وتتلمذ على يد أحد قادتها الشيخ عبد الله عزام، وشارك في نشاطاتها الدعوية والفكرية والاجتماعية والمؤسساتية.
جمال أبو الهيجا والمقاومة
في نهاية الثمانينيات، أطلق الشيخ عزام دعوة قوية للشباب الفلسطيني للعودة إلى أرضهم والدفاع عنها ضد الاحتلال. كانت هذه الدعوة ترافقت مع تأسيس حركة حماس، حيث كان الشيخ أحمد ياسين هو الشخص الذي أعلن عن تأسيس الحركة.
من بين أوائل المستجيبين لهذه الدعوة كان جمال أبو الهيجا، الذي عاد إلى مسقط رأسه في جنين عام 1990 خلال الانتفاضة الأولى. انضم إلى حركة حماس وشغل مناصب بارزة، حيث كان ناطقاً باسمها ومنسقاً لها في لجنة القوى الوطنية والإسلامية.
كان جمال أبو الهيجا واحداً من الوجوه الدعوية المعروفة في الضفة الغربية، حيث كان لخطابه الدعوي المؤثر تأثير كبير على الشباب. كان بيته مفتوحاً لاستقبال عائلات الأسرى وإيواء المقاتلين.
تقلد جمال أبو الهيجا مناصب قيادية في حركة حماس شمالي الضفة، وشارك في الانتفاضة الثانية 2000 و2005، حيث أصيب خلالها عدة مرات. قاد عدة عمليات فدائية بارزة، منها عمليات مأساوية مثل عملية مطعم سبارو في القدس وعملية مطعم ماتسة في حيفا.
كان جمال أبو الهيجا أيضاً من قادة معركة الدفاع عن مخيم جنين عام 2002، خلال الاجتياح الإسرائيلي لمدن الضفة الغربية. وضُم اسمه إلى قائمة الاغتيالات التي وضعتها المخابرات الأمريكية للسلطة الفلسطينية.
على الرغم من محاولات الاحتلال اغتياله، استمر جمال أبو الهيجا في النضال حتى تم اعتقاله في 26 أغسطس/آب 2002، بعد أشهر من إصابته في مواجهات مع الاحتلال وعمليات فدائية نفذها.
اعتقالات مستمرة انتهت بالمؤبد
منذ عودته إلى جنين، تكبّد الأسير جمال أبو الهيجا العديد من التحديات والمحن في سبيل النضال والصمود ضد الاحتلال الإسرائيلي. اعتقلته السلطات الإسرائيلية خمس مرات، ولم يسلم أيضاً من مطاردة أجهزة السلطة الفلسطينية.
في المرات الخمس التي اعتقل فيها من قِبل الاحتلال، تعرض لفترات تحقيق طويلة وظروف صعبة في السجون. كانت الاعتقالات تتراوح بين الأعوام 1992 و1999، وتم اعتقاله من قِبَل الاحتلال الإسرائيلي بتهم متنوعة، بما في ذلك قيادة عمليات فدائية وتنسيق نشاطات مقاومة.
في 26 أغسطس/آب 2002، اعتقلته قوات الاحتلال في عملية خاصة، وحُكم عليه بالسجن تسعة مؤبدات و20 سنة إضافية بتهم متعلقة بقيادة كتائب القسام. وضعه ضمن قائمة الأسرى الخطرين، وتعرض لفترات من التعذيب والعزل الانفرادي الطويل.
شارك جمال أبو الهيجا في إضراب الكرامة عام 2012، الذي استمر 28 يوماً، وتدهورت حالته الصحية خلاله. عانى في السجن من حرمانه من الزيارات العائلية ومواجهة المضايقات، وفقد أحباءه أثناء فترة سجنه، حيث توفي والده وأخته وأخوه، وتعرضت زوجته لمرض السرطان.
الملاحقات المستمرة لعائلته
عاشت عائلة جمال أبو الهيجا رحلة مليئة بالمحن والتحديات بسبب نضال أفرادها ضد الاحتلال الإسرائيلي. طوال فترة سجنه، تعرضت العائلة للملاحقة والمضايقات من قِبل الاحتلال وأجهزة السلطة الفلسطينية.
زفاف الشيخ أبو الهيجا عام 1980، والذي كان يعمل في التدريس في اليمن والسعودية، لم يكن محصناً من الاعتقالات. بعد عودته إلى جنين في عام 1990، اتخذ موقفاً قوياً في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، ما أدى إلى تعرض أفراد عائلته للاعتقال والحرمان من السفر.
زوجته أسماء تعرَّضت للاعتقال الإداري في عام 2003 وحُرمت من السفر للعلاج بعد إصابتها بمرض السرطان. ابنه البكر عبد السلام اعتقل وحكم عليه بالسجن لسنوات، وابنه عاصم تعرض للمطاردة والاعتقال. ابنته بنان وابنه عماد الدين أيضاً تعرضا للاعتقال.
عائلة جمال أبو الهيجا تحملت عبئاً كبيراً خلال سنوات الصراع، حيث تعرض منزلها للقصف والحرق عدة مرات، وكانوا يواجهون المخاطر والتحديات باستمرار.