منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تراجع نمو الاقتصاد الإسرائيلي بشكل حاد خلال الربع الرابع من سنة 2023 بسبب الحرب الأخيرة التي انطلقت بعد طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وذلك حسب آخر الإحصائيات التي نشرها مكتب الإحصاءات المركزي الإسرائيلي.
إذ تشير التقديرات الأولية إلى أن الحرب الأخيرة قد تتسبب في خسارة إسرائيل لقرابة 52 مليار دولار أمريكي؛ أي قرابة 200 مليار شيكل "عملة إسرائيل" كما يتجه الاقتصاد الإسرائيلي خلال الربع الأخير من هذا العام إلى إلغاء جميع المكاسب التي حققها خلال 2023، بفعل الحرب على قطاع غزة.
حرب غزة 2023 الأخطر على الاقتصاد الإسرائيلي
أفاد تقرير صادر عن بنك "جي بي مورغان تشيس" الأمريكي بأن الاقتصاد الإسرائيلي قد يتكبد انكماشاً يصل إلى 11% على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من هذا العام، وذلك نتيجةً لتصاعد الهجمات على قطاع غزة.
يأتي هذا الانكماش المتوقع في إطار الأحداث الأخيرة، وكانت آخر مرة شهدت فيها إسرائيل انكماشاً مماثلاً خلال عام 2020 بسبب إجراءات الإغلاق الناتجة عن تفشي جائحة كورونا.
من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الإسرائيلي تباطؤاً كبيراً، حيث يتوقع أن يصل إلى نحو 2% فقط عام 2023، بالمقارنة مع نسبة النمو البالغة 6.5% في عام 2022، ويعزى هذا التراجع جزئياً إلى الآثار السلبية للنزاع الحالي. تبقى توقعات النمو في عام 2024 متوقفة على مستوى استمرار الحرب وإمكانية توسيعها لتشمل مناطق أخرى في الجوار.
وتشير تقديرات شعبة البحوث في بنك إسرائيل إلى توقع نمو الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 2% أيضاً. وتقدر الشعبة أن تتسبب الحرب في استهلاك ما يقرب من 3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية عام 2024.
وفي سياق متصل، كان محافظ بنك إسرائيل، أمير يارون، قد توقع منذ بداية الحرب أن تصل تكاليف الحرب على قطاع غزة إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعادل 52 مليار دولار.
تأتي هذه البيانات بعد موافقة الكنيست على إضافة 25.9 مليار شيكل أي 7 مليارات دولار إلى ميزانيتها لتغطية تكاليف الحرب في غزة، وتشمل هذه التكاليف تعويضات جنود الاحتياط والإسكان الطارئ للنازحين داخلياً.
وأكد متحدث باسم الكنيست أن هذا التعديل قد زاد من ميزانية عام 2023 إلى 139 مليار دولار. وكانت إسرائيل قد أقرت الميزانية الأصلية لعام 2023 إلى جانب ميزانية عام 2024 في مايو/أيار الماضي.
وأعلنت وزارة المالية الإسرائيلية الأسبوع الماضي عن عجز في الميزانية بلغ.4.5 مليار دولار في نوفمبر/تشرين الثاني بسبب تمويل الحرب، حيث ارتفعت نسبة العجز كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.4% في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مقارنة بـ2.6% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفي سياق متصل، أفاد مكتب الإحصاءات في الشهر الماضي بأن معدل البطالة ارتفع إلى نحو 10% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نتيجةً لنزوح عدد كبير من السكان الذين كانوا يعيشون قرب حدود قطاع غزة.
خلال الشهر الماضي تراجع سعر صرف الشيكل الإسرائيلي أمام الدولار إلى أدنى مستوى له منذ عام 2012 إلى 4.08 شيكل، أما بتاريخ 9 من أكتوبر/تشرين الأول، أعلن بنك إسرائيل ضخ ما يصل إلى 45 مليار دولار في محاولة لتحقيق استقرار في سعر الصرف، لكن أرقام أسعار الصرف تظهر إخفاق خطط البنك.
الاقتصاد الإسرائيلي في حرب 2014
كانت حرب غزة في عام 2014، المعروفة أيضاً باسم عملية الحافظة الواقية، نزاعاً عسكرياً بين إسرائيل وحركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. بدأ النزاع في 8 يوليو/تموز 2014، عندما قامت قوات الاحتلال الإسرائيلية بتنفيذ عملية الحافظة الواقية؛ رداً على إطلاق صواريخ من قبل كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس وكتائب القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي.
كان هدف حماس هو جلب الضغط الدولي لرفع الحصار الإسرائيلي عن غزة وإنهاء الهجوم الإسرائيلي. شهدت الحرب عدة عمليات عسكرية، بما في ذلك عملية ناحل عوز وعملية العاشر من رمضان.
ففي الربع الثالث من عام 2014، شهد الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل تراجعاً بنسبة 0.4% نتيجة للعدوان على قطاع غزة، وفقاً لبيان صادر عن مكتب الإحصاءات المركزي. تأتي هذه الانخفاضات بعد نمو بلغ 2.2% في الربع الثاني و3.2% في الربع الأول.
أظهر البيان أن هذا التراجع في النمو يعكس تراجعاً في مجالات الاستثمارات والصادرات، وأشار إلى التأثير الكبير الذي خلفته الحرب في يوليو/تموز وأغسطس/آب على قطاع غزة.
وبالرغم من المعدلات النسبية للنمو في الاقتصاد الإسرائيلي، فإن الفجوات الاقتصادية بين الطبقات الاجتماعية مستمرة في التوسع، حيث تُعتبر واحدة من أوسع الفجوات بين الأغنياء والفقراء بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. يعيش العديد من الإسرائيليين تحت خط الفقر، ويواجهون انخفاضاً في متوسط الدخل مقارنة بارتفاع تكاليف المعيشة والإسكان.
حرب غزة 2012
في ظل الحرب التي شهدتها غزة عام 2012، المعروفة بـ"عملية عمود السحاب"، تضرر الاقتصاد الإسرائيلي بشكل خاص، إذ نشبت النزاعات بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة المقاومة حماس في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، مما أدى إلى تشديد الإجراءات الأمنية وزيادة الإنفاق العسكري بشكل كبير داخل صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي.
في هذا السياق، قام الاحتلال الإسرائيلي بتوجيه استثمارات ضخمة نحو التدابير الأمنية والعسكرية، محولة الأموال من قطاعات أخرى، إذ كلفت الحرب الاقتصاد الإسرائيلي قرابة 167 مليار شيكل، أي ما يقرب من 42 مليار دولار.
تعتبر المنطقة الجنوبية من الأراضي المحتلة، وخاصةً التي تقع قرب قطاع غزة، من أكثر المناطق تأثراً، حيث شهدت ضغوطاً اقتصادية بسبب إغلاق الشركات مؤقتاً، فيما اضطر سكانها إلى اللجوء إلى الملاجئ. ورغم صعوبة تحديد التكلفة الاقتصادية الدقيقة، فإن التقديرات تشير إلى تخصيص مليارات الدولارات للعمليات العسكرية ونظم الدفاع الصاروخي "القبة الحديدية".
لفهم الآثار الاقتصادية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة سنة 2012، يجب النظر إلى القطاعات المحددة التي تأثرت بشكل كبير. شهدت التجارة اضطرابات ملحوظة، خاصة في الموانئ الجنوبية، حيث أثرت الإجراءات الأمنية المشددة على تدفق البضائع.
كما تأثرت صناعة السياحة بشكل كبير، حيث شهدت الفنادق إلغاءات وأغلقت الوجهات السياحية الشهيرة؛ ما كلف إسرائيل قرابة 39 مليار شيكل، أو ما يقرب من 10 مليارات دولار.
وعلى صعيد آخر، فإن الإنفاق العسكري المتزايد قام بتوجيه الأموال بعيداً عن البرامج السنوي للاحتلال الإسرائيلي. إذ لم يقتصر الضغط المالي على القطاع العام، بل تأثرت الشركات في المناطق المتضررة بشكل كبير، مع معاناة الشركات الصغيرة والمتوسطة من التداعيات الاقتصادية.
فيما كلفت الحرب أيضاً 2 مليار دولار لإعادة تجهيز جيش الاحتلال، فيما انخفض الناتج التجاري بنسبة 10% أي قرابة 30 مليار دولار، خلال سنة 2012.
الانتفاضة الثانية 2000- 2005
بدأ التباطؤ في النشاط الاقتصادي الإسرائيلي في الربع الأخير من عام 2000 وكان سببه في المقام الأول الانتفاضة الثانية بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، والتي كان لها تأثير مباشر على النشاط الاقتصادي المحلي؛ وبشكل أكثر وضوحاً السياحة وصناعة البناء والتشييد.
إذ تراجع الاقتصاد الإسرائيلي خلال الانتفاضة الأولى بين سنة 2000 و2005 إذ قام الاحتلال بضخ العديد من الأموال في المعدات العسكرية، أثر هذا الضخ الكبير من الأموال على الاستثمارات المحلية والأجنبية.
كما انخفض الناتج المحلي الإجمالي للاحتلال مقابل ارتفاع النفقات العسكرية بما في ذلك تكلفة لبناء السياج الأمني، كما شهد الاحتلال انخفاضاً كبيراً في الناتج المحلي الإجمالي وفي نشاط الاستهلاك الخاص ما بين سنة 2000 و2003، وكان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي والاستهلاك الخاص داخل الأراضي المحتلة أعلى بكثير مما كان عليه في النصف الأول من عام 2003.
فخلال الفترة ما بين سنة 2001 و2003، شهدت الأراضي المحتلة أخطر ركود منذ سنة 1948 بدأت الفترة بانخفاض حاد في مؤشر ناسداك لأسهم التكنولوجيا الفائقة؛ مما أدى إلى انخفاض كبير في الاستثمار في الشركات الإسرائيلية الناشئة وفي صناعة التكنولوجيا الفائقة ككل.
كما ساهمت السياسة النقدية المتشددة في قلة النمو، وهو ما انعكس في انخفاض كبير في دخل الفرد خلال عامي 2001 و2002. وأدت التطورات التي شهدها الاقتصاد الأمريكي، والتي شملت انخفاض معدل النمو وانخفاض الاستثمار، إلى انكماش الطلب على الصادرات الإسرائيلية.
وفي عام 2000، انخفض التضخم إلى الصفر نتيجة للسياسة النقدية المتشددة التي ينتهجها بنك إسرائيل، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الفائدة على القروض. وحث البنك المركزي حكومة الاحتلال على الاستمرار في خفض الميزانية بما يؤدي إلى خفض العجز ونسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.
والتي وصلت خلال الفترة 2000 و2001 إلى أدنى مستوى لها منذ خطة الاستقرار في عام 1985. وفي الفترة من 2001 إلى 2003، حدثت زيادة أخرى في معدل البطالة إلى حوالي 10%، مقارنة بـ7% خلال منتصف التسعينيات.
وخلال عام 2001، واصل بنك إسرائيل تخفيض أسعار الفائدة دون المساس بتحقيق هدف التضخم حتى نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام، حيث خفضها بنسبة 2% من 5.8% إلى 3.8%. وأدى ذلك إلى ارتفاع حاد في سعر الصرف خلال النصف الأول من عام 2002 وإلى زيادة كبيرة في توقعات التضخم.
وكانت النتيجة متوقعة: تضخم بنسبة 6.5%، وهو ما يمثل انحرافاً كبيراً عن هدف التضخم في ذلك العام. ولم يكن اتجاه الأسعار خلال عام 2002 موحداً؛ فخلال النصف الأول من العام، تم تنفيذ مزيج من السياسات الاقتصادية التوسعية، مما أدى إلى استمرار نمو العجز.
وقد خلق هذا المزيج من السياسات وتدهور الوضع الأمني انعدام الثقة، مما أدى إلى زيادة الطلب على العملات الأجنبية. ونتيجة لذلك، انخفضت قيمة الشيكل بنحو 18% منذ بداية العام وحتى شهر يوليو/تموز. وهو تطور يهدد الاستقرار المالي للاحتلال الإسرائيلي.
وفي عام 2003، اتخذت حكومة الاحتلال عدة إجراءات لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الكلي، مما مكَّن الاقتصاد، إلى جانب الاستقرار النقدي، من الوصول إلى معدل نمو قدره 5% وتحقيق إطار مستقر للميزانية.
فيما انخفض الإنفاق العام من 70% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 47% وهو أقل من المتوسط في الاتحاد الأوروبي ويتماثل مع هولندا والمملكة المتحدة، ولكنه أعلى من نظيره في الولايات المتحدة.
ولّدت هذه الأحداث ركوداً حاداً، في الاقتصاد الإسرائيلي، كما كان له آثار شديدة على العمالة سوق. كما ارتفع معدل البطالة إلى 10.7% عام 2003 بالإضافة إلى عجز حكومي.