منذ بداية الحرب على قطاع غزة بعد طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بدأت العديد من حملات المقاطعة في جميع أنحاء العالم للشركات والمنتجات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي من بينها شركة ماكدونالدز وستارباكس هذه الأخيرة التي خسرت قرابة 11 مليار دولار خلال فترة المقاطعة.
إلا أن حملات المقاطعة لم تكُن حديثة النشأة، إذ شهد العالم العديد من هذه حملات في جميع أنحاء العالم وعلى العديد من المواقف المختلفة، سواء خلال الانتداب البريطاني في الأراضي الفلسطينية إلى مناهضة العنصرية في أفريقيا وصولاً الصور الكاريكاتورية المسيئة للرسول، عليه الصلاة والسلام، وغيرها من المقاطعات العالمية.
هذه المقاطعات تسببت في بعض المشاكل الإقتصادية لبعض الدول أو الشركات، والتي خرجت البعض منها بتصريحات تنافي ما كانت تدعيه في البداية لوقف حملات المقاطعة التي كادت أن تتسبب في إفلاسها.
ما هي المقاطعة؟
المقاطعة هي فعل امتناع طوعي غير عنيف عن منتج أو شخص أو منظمة أو بلد كتعبير عن الاحتجاج. وعادة ما يكون ذلك لأسباب أخلاقية أو اجتماعية أو سياسية أو بيئية. الهدف من المقاطعة هو تحقيق خسارة اقتصادية على الهدف، أو الإشارة إلى غضب أخلاقي، عادةً لمحاولة إجبار الهدف على تغيير سلوك غير مقبول.
تمت تسمية هذا المصطلح على اسم الكابتن تشارلز بويكوت، وكيل أرضي لمالك غائب في أيرلندا، الذي تم استخدام هذا التكتيك بنجاح ضده بناءً على اقتراح من الزعيم الوطني الأيرلندي تشارلز ستيوارت بارنيل ورابطة أراضي أيرلندا في عام 1880.
في بعض الأحيان، يمكن أن تكون هذه الأخيرة شكلاً من أشكال النشاط الاستهلاكي، وتسمى أحياناً الشراء الأخلاقي. عندما يتم تشريع ممارسة مماثلة من قبل حكومة وطنية، يُعرف ذلك باسم عقوبة. وغالباً ما يكون التهديد بمقاطعة عمل تهديداً فارغاً، لا يؤثر بشكل كبير على المبيعات.
شركة نستله سنة 1977-1984
تجاوباً مع موجة الاحتجاج الاستهلاكي الكبيرة، شهدت شركة نستله، واحدة من أكبر شركات الأغذية والمشروبات في العالم، فترة صعبة خلال الفترة من عام 1977 إلى عام 1984، حملة مقاطعة واسعة النطاق على منتجاتها.
حسب موقع "BBC" البريطاني تركزت الجدل حول مكونات منتجات حليب الأطفال، وقد واجهت الشركة انتقادات حادة بسبب سياستها التسويقية العدوانية لهذه المنتجات في البلدان النامية. كانت الانتقادات تتركز بشكل رئيسي حول تسويقها للحليب الصناعي في ظروف غير صحية، حيث كان من الصعب على الأمهات إعداد الصيغة بشكل آمن نظراً لنقص المياه النظيفة والظروف الصحية غير الملائمة.
تتعلق التهم بشكل رئيسي بالنقاط التالية
- تسويق عدواني: اتُّهمت نستله بتسويق عدواني وأحياناً غير أخلاقي، مثل توزيع عينات مجانية من صناعات الحليب في المستشفيات واستهداف الأمهات في المناطق الفقيرة.
- قلق صحي: أُثيرت مخاوف حول ترويج تغذية الحليب الصناعي في ظروف غير صحية، مما قد يؤدي إلى مشاكل صحية للرضع، خاصةً مع استخدام الحليب الجاف الذي يتطلب مياهاً نظيفة للتحضير.
مع تصاعد الضغوط الدولية وتصاعد هذه الحملة ، اضطرت نستله إلى التحرك لمعالجة المخاوف المثارة. فقد اعتمدت الشركة عام 1984 على الرموز التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية بشأن تسويق بدائل حليب الأم. كانت هذه الخطوة طوعية وتهدف إلى تنظيم لترويج حليب الأطفال وتشجيع الرضاعة الطبيعية.
قامت الحملة بفرض أثر اقتصادي على شركة نستله، حيث تسببت في تراجع مبيعات منتجات الحليب الصناعي. كما أثرت الحملة على سمعة الشركة ودفعتها لتعديل سياستها التسويقية لتلبية المعايير الدولية.
الاحتلال الإسرائيلي سنة 2005
تأسست حركة مقاطعة، فرض العقوبات، والتحصين (BDS) في عام 2005 على يد مجموعة من المنظمات الفلسطينية، وتعد هذه الحملة جزءاً من الدعوة العالمية لمقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها، كوسيلة للضغط من أجل التغيير في سياستها تجاه القضية الفلسطينية.
هدفت الحملة إلى تحقيق تأثير شامل يتجاوز الأبعاد السياسية إلى التأثير الاقتصادي، حيث يتم التركيز على مقاطعة المنتجات والشركات الإسرائيلية.
يثير وجود هذه الحملة تحديات اقتصادية متعددة المستويات، حيث يُراقب الناشطون عن كثب تأثيراتها على الاقتصاد الإسرائيلي. تشمل التحليلات الاقتصادية تقييم التأثير المباشر لفقدان الإيرادات على الشركات المستهدفة وتأثير ذلك على القوة الاقتصادية الشاملة.
كما يتم اعتبار العواقب الاقتصادية الفعلية والمحتملة للمقاطعة، بما في ذلك التأثير على القطاعات الاقتصادية الفلسطينية.
لتحقيق رؤية شاملة، يتعين علينا أيضاً النظر في الجوانب الاجتماعية والثقافية للحملة وكيفية تأثيرها على العلاقات الدولية. بالإضافة إلى ذلك، يتعين علينا فحص تفاعل الحملة مع التطورات الاقتصادية العالمية وكيف يتأثر تصور الجمهور للقضية.
المنتجات الدنماركية
في فبراير/شباط سنة 2008 بدأت حملة لمقاطعة المنتجات الدنماركية وذلك إثر نشر جريدة دنماركية ذائعة الصيت حينها حوالي 12 كاريكاتيراً، تصور رسول الله، وهو يلبس عمامة مليئة بالقنابل والصواريخ، وتصوره وهو يصلي في أوضاع مهينة للغاية، ولقد تم نشر هذه الصور علناً وعلى مدار عدة أسابيع، وبمعرفة وموافقة، بل تأييد من الحكومة، وتفاعل الرأي العام الدنماركي.
حاولت الجالية المسلمة هناك الدفاع عن الإسلام ومقدساته، وذلك بوقف نشر هذه الصور، كما رفض رئيس التحرير مجرد مقابلتهم، كما تضامنت كل الهيئات الحكومية مع الجريدة، ورفضت كل محاولات الجالية السلمية، كما قاموا بعمل بعثة إسلامية للقيام بجولة في العالم العربي للتضامن معهم عن طريق فرض حصار اقتصادي، بمقاطعة كل المنتجات الدنماركية ومنع استيرادها.
أدت الرسوم الكاريكاتورية إلى احتجاجات بين المسلمين في العديد من البلدان الذين بدأوا بمقاطعة المنتجات الدنماركية. كما انخرطت الحكومات، حيث تصاعدت الاحتجاجات الدبلوماسية إلى إغلاق العديد من السفارات.
بالإضافة إلى مقاطعة البضائع الدنماركية في الدول الإسلامية كلفت الشركات الدنماركية الملايين. بين فبراير/شباط ويونيو/حزيران 2006، انخفضت الصادرات الدنماركية إلى الشرق الأوسط بمقدار النصف وبلغت التكلفة التي تكبدتها الشركات الدنماركية حوالي 134 مليون يورو.
كما اضطرت شركة الألبان العملاقة آرلا إلى نشر إعلانات على صفحة كاملة في جميع أنحاء الشرق الأوسط تدين الرسوم الكاريكاتورية لأنها تهين الإسلام. خسرت آرلا حوالي 70 مليون دولار تقريباً بسبب مقاطعة عام 2006.
المنتجات الداعمة لإسرائيل
منذ طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول بدأت حملة عالمية لمقاطعة بعض المنتجات والشركات التي دعمت الاحتلال الإسرائيلي في جميع أنحاء العالم، إذ تنص هذه الاخيرة على عدم شراء أو بيع أي نوع من هذه الماركات
إذ انتفضت شعوب العالم ضد المجازر في قطاع غزة، مُشاركة في احتجاجات مناهضة لإسرائيل وداعية لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، إذ يستمر الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب المجازر دون تمييز. على الرغم من جهود اللوبي الإسرائيلي القوي، إلا أن رد الفعل الدولي كان قوياً، وتساؤلات تتكرر حول جدوى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية.
في قطاع غزة، المعتبر "أكبر سجن في العالم"، يعاني الفلسطينيون من ظروف تشبه تلك في معسكرات الاعتقال النازية. يسعى أصحاب الضمائر للتصدي لهذه المأساة بالتعاون الدولي عبر محاسبة الشركات الداعمة للاحتلال.
إذ صرحت شركة ستارباكس إحد الشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي بخسارتها أزيد من 12 مليون دولار أمريكي خلال فترة المقاطعة، بالإضافة إلى إقفال العديد من فروعها في بعض الولايات الأمريكية.
ليست ستارباكس هي الشركة الوحيدة المتضررة من هذه المقاطعة، إذ توجد عدة شركات من بينها زارا للألبسة التي بدأت حولها حملة شرسة بسبب صور نشرتها على حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي والتي بدا وكأنها تسخر من الأوضاع الحالية داخل القطاع.