لماذا ننجذب إلى متابعة الأخبار الحزينة ومقاطع الفيديو المأساوية؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/11/26 الساعة 14:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/11/27 الساعة 07:10 بتوقيت غرينتش
الأحداث المأساوية تُعتبر من المحتويات التي ننجذب إليها بشكل لا إرادي - ShutterStock

تُعد الأخبار المأساوية والقصص والأحداث الخطرة من أكثر المواد التي يتم استهلاكها عبر الصحف ووسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي.

فهي تُعتبر من المحتويات التي ننجذب إليها بشكل لا إرادي، وبالتالي تتخلل وعينا، وقد تظل خالدة في الذاكرة دون بذل الكثير من المجهود من أجل استحضارها.

وهو الأمر الذي دفع معظم وسائل الإعلام لاستخدام هذه النوعية من المواد المأساوية والصادمة لتحقيق الانتشار والمكاسب.. فلماذا إذاً ننجذب للأخبار السيئة والقصص المأساوية بهذا الشكل؟

نميل لمتابعة الأحداث المأساوية من أجل الوقاية منها - Shutterstock
نميل لمتابعة الأحداث المأساوية من أجل الوقاية منها – Shutterstock

جاذبية المحتوى المأساوي بالنسبة للعقل

تستخدم وسائل الإعلام حول العالم هذا المنطق للترويج لأنواع مختلفة من القصص. على سبيل المثال، من الأرجح أن يقرأ الناس عن التلوث بالبكتيريا القاتلة في بعض ماركات الأغذية المشهورة، أكثر من قراءة قصة إخبارية إيجابية عن صناعة الأغذية المفيدة للجسم.

وذلك لأن البشر يريدون الانتباه للمخاطر التي قد تواجههم، فينغمسون في استهلاك وتتبع الأخبار السلبية كوسيلة للوقاية وحماية أنفسهم.

ويتضح بحسب دراسات السلوكيات وعلم النفس المتخصصة أن أدمغتنا مبرمجة على الاهتمام جيداً بالأشياء السلبية، وإذا لم نفعل ذلك، فقد نفوت شيئاً قد يكلّفنا حياتنا.

ويكمن الخطر في أن هذه الدورة المفرغة قد تضر العقل البشري، إذ يميل الناس إلى الاهتمام بالقصص السلبية، وتطبع الصحف المزيد من القصص السلبية، ويشتري الناس (لا شعورياً أو بوعي) الصحف أو المجلات الإخبارية التي تقدم المزيد من القصص السلبية، وهكذا دواليك.

وإحدى مشاكل هذه الظاهرة هي أن التغطية السلبية ليست دائماً مفيدة لمجتمعنا أو لنفسيتنا. يمكن أن تؤدي التغطية الإعلامية لأحداث معينة إلى تحريف فهمنا، مما يجعلنا نشعر بالضعف أو الخوف دون داعٍ.

الأشياء الحزينة تربط الناس بالمشاعر الحقيقية

عندما نتناول الأحداث المأساوية، بطبيعة الحال نشعر برد فعل عاطفي. وذلك لأننا إذا تأثرنا وتفاعلنا مع قصة ما، فإن محتواها العاطفي يتردد صداه معنا بطريقة تجعلنا نشعر أنها عميقة وتشبهنا وتعبر عن مشاعرنا بشكل ما.

لذلك عندما نقرأ أو نشاهد أو نستمع إلى قصة حزينة، نشعر تلقائياً بالحزن أو تدمع أعيننا أو نبكي؛ لأن المشاعر التي تنقلها القصة تحاكي تلك التي مررنا بها في الحياة الواقعية أو التي قد نتعرض لها في الموقف المماثل.

قد تعيد هذه الأخبار قدرتنا على تقدير فرص الحياة من حولنا - ShutterStock
قد تعيد هذه الأخبار قدرتنا على تقدير فرص الحياة من حولنا – ShutterStock

الأخبار الحزينة يمكن أن تجعلك تشعر بالامتنان

سبب آخر يجعلنا ننجذب للأخبار الحزينة والمأساوية هو أنها تجعلنا نشعر بالامتنان، ولكن ربما ليس بالطريقة التي نتوقعها.

ومن المثير للاهتمام أنه في إحدى الدراسات العلمية، وجد الباحثون أن المشاركين الذين قارنوا حياتهم بحياة الشخصيات المأساوية قد شهدوا زيادة في مشاعرهم بالامتنان.

وكان أولئك الذين عانوا من أكبر زيادة في معدلات الحزن أثناء مشاهدة مقاطع مأساوية كانوا أيضاً أولئك الذين كانوا على الأرجح يفكرون في علاقاتهم الوثيقة كرد فعل.

وبالتالي يتضح أننا نستمتع بالقصص الحزينة؛ لأنها تساعدنا على التفكير والشعور بالامتنان تجاه الروابط التي نشاركها مع الأشخاص الذين نحبهم ونهتم بهم وبقيمة الحياة والفرص التي نمتلكها.

تدفعك للتفكير في معنى الحياة الأكبر

ومع ذلك، فقد أظهرت الأبحاث الإضافية أن القصص الحزينة قد تثير أفكاراً تتجاوز علاقاتنا وتمتد إلى اعتبارات وجودية أكثر.

في دراسة عُرضت فيها على المشاركين مقاطع فيديو متعددة لشخصيات تتلقى أنباء عن وفاة أحد أقربائهم، وجد الباحثون أن الحزن والاستمتاع مرتبطان، طالما تأثر المشاهدون أيضاً بالقصص التي شاهدوها.

ويبدو أن التأثر بقصة حزينة أو مؤثرة و"الاستمتاع" بالأمر ينبع من مشاعر "تقدير" بسبب التأمل في معنى الحياة أو الحقائق الأعمق. 

يعرّف باحثون في علم النفس التخصصي أن التقدير من هذا النوع هو عبارة عن "حالة تجريبية تتميز بإدراك المعنى الأعمق، والشعور بالتأثر، وتمثل دافعاً للتفصيل والتأمل في الأفكار والمشاعر المستوحاة من التجربة (المحتوى)".

وبناءً على هذا التعريف، فمن الواضح أن تجربة التقدير إيجابية، حتى وإن نبعت من متابعة الأخبار المأساوية، ولكنها ليست بالضرورة "ممتعة".

بل بدلاً من ذلك، فإن المشاعر الإيجابية التي تثيرها عملية استهلاك الأخبار الحزينة والمأساوية تنجم عن عثور المستهلكين على معنى في القصص التي قاموا بمتابعتها، والاستمرار في التفكير في هذا المعنى بعد الانتهاء من استهلاكها.

فرط التعرض لهذا المحتوى السلبي قد يسبب الأمراض النفسية والعقلية. - ShutterStock
فرط التعرض لهذا المحتوى السلبي قد يسبب الأمراض النفسية والعقلية. – ShutterStock

توفر فرصة وإمكانية للنمو الشخصي

تشير الدراسات إلى أن هذا السلوك أيضاً يسهل على المستهلكين النظر في أسئلة كبيرة، مثل مَن نحن، وما الذي نقدر على فعله، وما الذي يجعل الحياة جديرة بالاهتمام. وبالتالي فإن التقدير يمكن أن يؤدي إلى النمو الشخصي والنضج.

وهذا يعني أن السبب الذي يجعل الناس يحبون القصص الحزينة هو أنها تمكنهم من التعامل مع المشاعر الرقيقة وذات المغزى وإثارة الأفكار التأملية التي قد يغفلون عنها ويتجاهلونها في خضم الحياة اليومية.

تحميل المزيد