لم تأتِ سمعة سجن ألكاتراز السيئة من فراغ، وفكرة أنه أكثر السجون رعباً عبر التاريخ ليست مجرد أسطورة، كما أن اختيار جزيرةٍ معزولةٍ لم يأتِ عن طريق الصدفة. فقد بُني هذا السجن بهدف معاقبة أكثر المجرمين خطورةً.
اختارت السلطات الأمريكية خليج سان فرانسيسكو المعزول، نظراً لمياهه القارسة، وتيّاراته القوية التي لا يستطيع أي إنسان تجاوزها، كما أن أسماك القرش تحيط به من كل جنب. في البداية، طُوّرت الجزيرة باعتبارها نقطة للمراقبة، وأقيمت فيها منارة.
سرعان ما أصبحت حصناً عسكرياً، وقد استُخدمت سجناً عكسرياً. لكن في عام 1934، وخلال فترة الكساد الكبير، قررت الحكومة هدم السجن العسكري وبناء آخر، محوّلةً الجزيرة رسمياً إلى "سجن ألكاتراز الفيدرالي".
حقائق عن سجن ألكاتراز
لُقّب بـ"الصخرة"، وكان معقلاً استراتيجياً. وطوال 30 عاماً، اعتُبر السجن الأكثر مهابةً في الولايات المتحدة، قبل إغلاقه نهائياً عام 1963 إثر عملية "الهروب الكبير". فأصبح واحداً من أشهر المعالم السياحية في سان فرانسيسكو، ويقصده الزوار من جميع أنحاء العالم.
لكن، من أين حصل على اسمه؟ ولماذا اعتُبر "الهروب الكبير" منه لغزاً محيّراً حتى اليوم؟ ومن هم أخطر المجرمين الذين ضمّهم؟ إليكم حقائق عن سجن ألكاتراز قد لا تعرفونها:
1- ما معنى اسم ألكاتراز؟
قبل فترة طويلة من انتقال الأمريكيين إلى منطقة خليج سان فرانسيسكو واستيطانها، كانت الجزيرة مستعمرة كبيرة وموطناً للبجع.
عندما وصل المستكشف الإسباني خوان مانويل دي أيالا عام 1775 إلى الخليج الغربي الأمريكي، الذي يُعرف اليوم بخليج سان فرانسيسكو، كان أول ما صادفه جزيرة صغيرة لا تتعدى مساحتها 19 هكتاراً، ولا يسكنها سوى طيور البجع.
فأطلق على الجزيرة اسم La Isla de los Alcatraces، الذي يعني حرفياً "جزيرة البجع"، وحافظت على اسمها منذ ذلك اليوم؛ منذ انتقال الإسبان إليها، وصولاً إلى استيطانها من قِبل الأمريكيين، اشتقت الجزيرة اسمها من كلمة البجعة بالإسبانية "ألكاتراز".
2- ضمّ آل كابوني وأخطر المجرمين
من بين أوائل السجناء الذين نُقِلوا إلى سجن ألكاتراز رجل العصابات الشهير آل كابوني. دخل كابوني "الصخرة" بعد أقلّ من عام من تحويله إلى سجن فيدرالي، وبعدما كان يقضي عقوبة التهرب الضريبي في سجن أتلانتا الفيدرالي.
ووفقاً لموقع Listverse الأمريكي، كان آل كابوني يقدّم رشوة للحراس في أتلانتا من أجل الحصول على معاملة تفضيلية، وكان العملاء الفيدراليون قد سئموا من حصول رجال العصابات على هذه الحياة السهلة، في حين كان يُفترض أن يمرّوا بوقتٍ عصيب.
نُقِلَ آل كابوني إلى سجن ألكاتراز في أغسطس/آب 1934. وبحسب كل الروايات العلنية عن الفترة التي أمضاها هناك، يبدو أن الهدف من نقله قد نجح، إذ كانت فترة بقائه في الجزيرة -وفق كل الروايات- عصيبة للغاية.
لكنه استطاع التغلب على ذلك من خلال الموسيقى. فقد كانت هناك فرقة من السجناء يُسمَح لها بإقامة حفلات لبقية السجناء، كل يوم أحد، انضمّ إليها كابوني، وصار يلتقط آلة "البانجو" الموسيقية كل أسبوع، ويُحضِّر مع بقية السجناء للعرض الموسيقي.
بقي آل كابوني في "الصخرة" 4 سنوات، ثم نُقل إلى أحد سجون ولاية كاليفورنيا عام 1938، حيث قضى عاماً واحداً ثم أُطلق سراحه.
شهدت أسوار سجن ألكاتراز نزول العديد من المساجين الخطرين ومشاهير عالم الجريمة الذين قضوا فترات عقوباتهم داخل السجن، ومن أشهرهم جورج كيلي بارنز، الملقب بـ"المدفع الرشاش"؛ سلاحه المفضل أثناء ارتكابه الجرائم.
وفي مواجهته مع رجال الأمن، اتُّهم جورج كيلي بقائمة طويلة من الجرائم، بدأها في نهاية العشرينيات. لكن أكثرها شهرة تمثل باختطاف رجل الأعمال وصاحب إمبراطورية البترول الأمريكي الشهير، تشارلز أورشير، وقد طلب مبلغ 200 ألف دولار فدية لقاء حياته.
انتهت مغامرته بوقوعه في قبضة مكتب التحقيقات الفيدرالي. وبعد القبض عليه عام 1933 وسجنه في ولاية كانساس، نُقل إلى ألكاتراز برفقة مجموعة من أفراد عصابته عام 1934، حيث قضى نحو 17 عاماً. وفي عام 1951، نُقل إلى سجن كانساس، وتوفي بعدها بعام واحد فقط.
ومن بين مشاهير عالم الجريمة الذين دخلوا سجن ألكاتراز، كان إلسورث ريموند جونسون، المعروف بـ"بامبي جونسون"، أحد زعماء الجريمة ومدير رهانات في حي هارلم بمدينة نيويورك.
في فترة مبكرة، أصبح بامبي يحمل مشاعر كراهية تجاه العالم، خاصة الرجال "البيض"، وتضاعفت عندما انتقل إلى حي هارلم مع أخته، حيث ظهر حماسه لارتكاب الجرائم.
انخرط في جرائم مختلفة، مثل: الدعارة، والسطو، والسرقة، والقتل، وقضى نصف الثلاثين عاماً التي عاشها في السجون. لقد كان سريع الغضب، وخاض شجاراتٍ مع زملائه من السجناء ومع الحراس، ونتيجة لهذا ظلَّ يتنقل من سجن لآخر حتى أُطلق سراحه في عام 1932.
وعند خروجه من السجن، قابل ستيفاني سانت كلير، إحدى زعيمات الجريمة، وعمل معها شريكاً. واجه بامبي وسانت كلير زعيم الجريمة في نيويورك دتش شولتز، ونَجَم عن هذه المواجهة مقتل 40 شخصاً والكثير من الاختطافات.
في عام 1952، حُكم على بامبي جونسون بالسجن 15 عاماً بتهمة التآمر على المخدرات المتعلقة بالهيروين. بعد ذلك بعامين، ذكرت مجلة Jet أن جونسون بدأ عقوبته بعد خسارته الاستئناف.
قضى غالبية تلك العقوبة في سجن الكاتراز، وكان السجين رقم 1117، وقد أُطلق سراحه بعد 11 عاماً -في عام 1963- بشروط.
3- لغز عملية "الهروب الكبير"
عُرف ألكاتراز بأنه السجن الذي لا يُمكن لأحدٍ الهروب منه، لكن ذلك لم يمنع بعض السجناء من المحاولة. وعلى مرّ السنوات، تمكن العشرات من مغادرة جزيرة ألكاتراز، لكن أُلقي القبض على معظمهم، فيما قُتل آخرون بالرصاص، وتأكد غرق آخرين.
غير أن قلة قليلة نجحت في الهروب من السجن، لكن لم يُعثر عليها أبداً. يُعتقد أنها غرقت، إلا أنه لم يُعثر على جثثها، فبقيت لغزاً محيّراً حتى اليوم. نتحدث هنا عن محاولة الهروب الأشهر من سجن ألكاتراز عام 1962، والتي عُرفت بـThe Great Escape.
ضمَّت 3 سجناء -فرانك موريس، والأخوين جون وكلارنس أنغلين- وقد جرى تخليد ذكراهم لاحقاً في فيلم Escape from Alcatraz، من بطولة كلينت إستوود، عام 1979.
طوال أشهر، أمضى الثلاثة الوقت ببطء وبهدوء في الحفر داخل زنازينهم، باستخدام ملاعق مسروقة ومشحذة. وحين جاء الوقت المناسب، وضعوا دمى في أسِرَّتهم وهربوا معاً في جنح الليل. قفزوا من الجزيرة، وشرعوا في السباحة عبر مياه سان فرانسيسكو القارسة والمليئة بأسماك القرش.
بعد 3 أيام من اكتشاف هروبهم، وعدم وجود أية إشارة على ظهور الرجال الثلاثة في أي مكان على اليابسة، بدأت المياه تجرف متعلقاتهم التي سرقوها من السجن إلى الشاطئ.
وفي ظل وجود أدلة على دخول الرجال المياه، وعدم وجود أدلة على المكان الفعلي للرجال أنفسهم، باتت فكرة غرق الثلاثة (أو تعرُّضهم للهجوم من القروش على طول الطريق) أكثر واقعية اليوم.
لكن الحقيقة المطلقة واحدة: لم يُعثر حتى اليوم على الرجال الثلاثة، ولا على جثامينهم؛ وهو ما دفع البعض إلى الاعتقاد أن السجناء نجحوا في الفرار وتخطي العائق البحري، ولم يتركوا هذه المتعلقات إلا لتضليل السلطات وإقناعها بعدم جدوى البحث عنهم.
أُعيد الحديث عن الهروب الكبير في يونيو/حزيران 2022، عندما احتفلت وكالة "مارشالز" -المسؤولة عن مطاردة الفارين- بذكرى فرارهم، وأصدرت صوراً تقريبية لما سيبدو شكل الفارين في الوقت الراهن.
وفقاً للوكالة، لو كان هؤلاء السجناء على قيد الحياة، فهم في التسعينيات من العمر، وقد تجعدت وجوههم بشكلٍ كبير، وغزا الشيب شعرهم. وقد جاءت صورة الفارين الـ3 في إطار إعلان من الوكالة، مصحوباً بأرقام هواتف للاتصال بالسلطات للمساعدة في "التحقيق المستمر"، ما يشير إلى أن السلطات تعتقد أنهم ربما لا يزالون على قيد الحياة.
ولم تشر السلطات إذا ما كانت هناك خيوط جديدة طرأت على القضية، ودفعتها إلى نشر الإعلان بعد مرور 60 عاماً عليها.
4- حقيقة رجل الطيور
الكل يعلم بأمر "رجل الطيور في ألكاتراز"، لكن الأمر الذي لا يعلمه العشرات هو أنه لم يكن لديه أي طائر قط في السجن. كان اسم السجين روبرت ستراود، وقد حُكِمَ عليه للمرة الأولى بدخول السجن قبل ذلك بعقود، بتهمة القتل الخطأ، بعدما قتل نادلاً خلال مشاجرة.
وفي عام 1916، قتل حارساً في سجن ليفنوورث وحُكِمَ عليه بالإعدام. وفي النهاية، خفف الرئيس وودرو ويلسون حكم إعدامه إلى السجن مدى الحياة، وأمر بإيداع ستراود الحبس الانفرادي طوال مدة احتجازه.
حينها، بدأ ستراود بدراسة كل ما يتعلق بالطيور من داخل زنزانته في أحد سجون ولاية كانساس. اقتنى في البداية طيور الكناري، قبل أن يتمكن من إقناع الحراس بشراء طيور أخرى له.
وطوال عشرينيات القرن الماضي، أصبح روبرت ستراود مشهوراً داخل جدران سجن ليفنوورث بمعرفته العميقة بالطيور، وصار يُلقّب بـ"رجل الطيور". كان يعلم عن الطيور أكثر من أي شخص، حتى إنَّه ألّف كتابين شرح فيهما كيفية تربية طيور الكناري.
لكن في عام 1931 انتهى كل شيء، بعدما صدر قرار بتخلّيه عن طيوره. وبعد ذلك بقرابة عقد، جرى نقله إلى سجن ألكاتراز، حيث مُنِعَ من ممارسة أي نشاط له علاقة بالطيور.
وفي حين أنَّ تصوير قصة ستراود على الشاشة -في فيلم Birdman of Alcatraz– قد منح الممثل بيرت لانكستر ترشيحاً للحصول على جائزة أوسكار، إلا أنه كان زائفاً تماماً، لأن رجل الطيور لم يُسمح له بتربية الطيور واقتنائها في ألكاتراز.