دائماً ما كان استكشاف طبقات الغلاف الجوي للأرض أمراً ضرورياً حتى يتسنى للعلماء فهم البيئة وتأثيرها في الحياة، ويمكن إرجاع الفضل في اكتشاف الكثير عن الغلاف الجوي إلى الحضارات القديمة التي رصدت الأنماط الجوية وحركات الكواكب والنجوم والظواهر الطبيعية.
ما هي طبقات الغلاف الجوي؟
ساعد شعور الفضول لدى تلك الحضارات في التعرف بعمق على الهواء المحيط بها، ومع ذلك، حدث أول إنجاز كبير في فهم الغلاف الجوي خلال عصر التنوير، حيث وجه غاليليو غاليلي تلسكوبه باتجاه السماء واخترع إيفانجيليستا توريسيلي مقياس الضغط الجوي باستخدام الزئبق "البارومتر".
أتاحت إنجازاتهم الرائدة الفرصة للعلماء لقياس ضغط الهواء في نهاية المطاف، وأدت إلى اكتشاف العلاقة بين الارتفاع والظروف الجوية، وفقاً لما ذكره موقع world atlas الكندي.
وواصل العلماء مع التطور التكنولوجي دراسة تكوين الغلاف الجوي للأرض وسلوكه، حتى استطاعوا جمع بيانات تقريباً من أي مكان أو ارتفاع باستخدام بالونات الطقس والطائرات والأقمار الصناعية.
نعلم اليوم أنَّ الغلاف الجوي هو غطاء غازي متعدد الطبقات يحيط بالأرض.
لا تقتصر أهمية الغلاف الجوي على توفير الأوكسجين الذي نتنفسه فحسب، لكنه يُشكّل درعاً واقية تحمينا جميعاً من الأشعة الكونية والإشعاعات الصادرة من الشمس، كما ينظم الغلاف الجوي أيضاً درجات الحرارة ويؤدي دوراً محورياً في دورة الماء.
كيف تطور الغلاف الجوي؟
عندما تشكلت الأرض قبل 4.6 مليار سنة من مزيج ساخن من الغازات والمواد الصلبة، لم يكن لديها غلاف جوي تقريباً، وعندما بردت الأرض، تشكل الغلاف الجوي بشكل رئيسي من الغازات المنبعثة من البراكين وفقاً لما ذكرته مؤسسة Smithsonian التعليمية.
وقد اشتملت على كبريتيد الهيدروجين والميثان و 200 ضعف كمية ثاني أكسيد الكربون الموجودة في الغلاف الجوي اليوم، وبعد حوالي نصف مليار سنة، برد سطح الأرض وتصلب بدرجة كافية لتجمع الماء عليه.
ممَّ يتكون الغلاف الجوي؟
يتكون الغلاف الجوي من طبقات الغازات المحيطة بكوكب أو جرم سماوي آخر، ويتكون الغلاف الجوي للأرض من حوالي 78% نيتروجين، و21% أوكسجين، و1% غازات أخرى.
توجد هذه الغازات في طبقات الغلاف الجوي (التروبوسفير، والستراتوسفير، والميزوسفير، والغلاف الحراري، والغلاف الخارجي) التي تحددها ميزات فريدة مثل درجة الحرارة والضغط.
بينما يحمي الغلاف الجوي الحياة على الأرض عن طريق حمايتها من الأشعة فوق البنفسجية الواردة، والحفاظ على دفء الكوكب من خلال العزل، ومنع التطرف بين درجات الحرارة ليلاً ونهاراً.
فيما تقوم الشمس بتسخين طبقات الغلاف الجوي مما يؤدي إلى تحريك حركة الهواء وأنماط الطقس حول العالم.
علاوة على ذلك، يُعد الغلاف الجوي مسؤولاً عن بخار الماء، وهو أمر بالغ الأهمية لاستدامة الحياة. يساهم بخار الماء في ظاهرة تأثير البيت الزجاجي (أو الاحتباس الحراري)، وهو ما يساعد في تنظيم درجات الحرارة على كوكب الأرض، فضلاً عن كونه العنصر الأساسي في تشكيل السحب والأمطار.
يمتد الغلاف الجوي للأرض من سطح الكوكب إلى ارتفاع يصل إلى نحو 10 آلاف كيلومتر، وبعد ذلك يمتزج الغلاف الجوي بالفضاء.
لا يتفق جميع العلماء على مكان الحد العلوي الفعلي للغلاف الجوي، لكنهم يتفقون على أن الجزء الأكبر من الغلاف الجوي يقع بالقرب من سطح الأرض، على مسافة تصل إلى حوالي 8 إلى 15 كيلومتراً.
ووفقاً لما ذكرته مجلة National Geographic فإنّ الغلاف الجوي ينقسم إلى خمس طبقات مختلفة حسب درجة الحرارة وهي:
طبقة التروبوسفير
الطبقة الأقرب إلى سطح الأرض هي طبقة التروبوسفير، التي تصل إلى حوالي 15 كيلومتراً من السطح.
تكون طبقة التروبوسفير أكثر سمكاً عند خط الاستواء، وأقل سمكاً عند القطبين الشمالي والجنوبي.
بينما تقع غالبية كتلة الغلاف الجوي بأكمله في طبقة التروبوسفير، بنسبة تتراوح بين 75 و80% تقريباً.
يوجد معظم بخار الماء الموجود في الغلاف الجوي، بالإضافة إلى جزيئات الغبار والرماد، في طبقة التروبوسفير، وهو ما يفسر سبب وجود معظم سحب الأرض في هذه الطبقة.
طبقة الستراتوسفير
الستراتوسفير هي الطبقة التالية من سطح الأرض، وهي أعلى من طبقة التروبوسفير، وتصل إلى ارتفاع حوالي 50 كيلومتراً، وترتفع درجات الحرارة في طبقة الستراتوسفير كلما ارتفعنا فيها.
وتحتوي هذه الطبقة أيضاً على التركيز العالي للأوزون، وهو جزيء يتكون من ثلاث ذرات من الأوكسجين، يشكل طبقة الأوزون في الستراتوسفير.
يمتص هذا الأوزون بعضاً من الإشعاع الشمسي الوارد؛ مما يحمي الحياة على الأرض من الأشعة فوق البنفسجية الضارة المحتملة، وهو مسؤول عن زيادة درجة الحرارة في الأرض.
طبقة الميزوسفير
تقع طبقة الميزوسفير على ارتفاع يتراوح بين 50 و80 كيلومتراً فوق سطح الأرض، وتصبح أكثر برودة تدريجياً مع الارتفاع.
في الواقع، الجزء العلوي من هذه الطبقة هو أبرد مكان موجود داخل نظام الأرض، حيث يبلغ متوسط درجة الحرارة حوالي 85 درجة مئوية تحت الصفر (120 درجة فهرنهايت تحت الصفر).
يشكل بخار الماء النادر جداً الموجود في الجزء العلوي من طبقة الميزوسفير سحباً ليلية مضيئة، وهي أعلى السحب في الغلاف الجوي للأرض، والتي يمكن رؤيتها بالعين المجردة في ظروف معينة وفي أوقات معينة من اليوم.
تحترق معظم النيازك في هذه الطبقة الجوية، كما يمكن لصواريخ السبر والطائرات التي تعمل بالطاقة الصاروخية أن تصل إلى طبقة الميزوسفير.
طبقة الغلاف الحراري
يقع الغلاف الحراري على ارتفاع يتراوح بين 80 و700 كيلومتر فوق سطح الأرض، ويحتوي الجزء الأدنى منه على الغلاف الأيوني.
في هذه الطبقة، ترتفع درجات الحرارة مع الارتفاع بسبب الكثافة المنخفضة جداً للجزيئات الموجودة هنا، إنه خالٍ من السحابة وبخار الماء، في بعض الأحيان يمكن رؤية الشفق القطبي فيه، كما تدور محطة الفضاء الدولية في الغلاف الحراري وفقاً لما ذكرته وكالة الفضاء الأمريكية NASA.
طبقة الأكسوسفير
تقع طبقة الأكسوسفير، أو كما تسمى أيضاً الغلاف الخارجي للأرض على ارتفاع يتراوح بين 700 و10000 كيلومتر فوق سطح الأرض، وهي أعلى طبقة من طبقات الغلاف الجوي للأرض.
الجزيئات الموجودة في هذه الطبقة ذات كثافة منخفضة للغاية؛ لذا فإن هذه الطبقة لا تتصرف مثل الغاز، والجزيئات هنا تهرب إلى الفضاء.
على الرغم من عدم وجود طقس على الإطلاق في الغلاف الخارجي، يمكن رؤية الشفق القطبي أحياناً في الجزء الأدنى منه، كما تدور معظم الأقمار الصناعية الأرضية في الغلاف الخارجي.
تأثير الإنسان في الغلاف الجوي
ينجم عن النشاط الصناعي والنقل والأنشطة البشرية الأخرى كميات هائلة من الملوثات والغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وهو ما أدى إلى مخاوف مستمرة بشأن تلوث الهواء والاحتباس الحراري الذي يضر حتى طبقات الغلاف الجوي.
بالإضافة إلى ذلك، تسببت مواد كيميائية؛ مثل مركبات الكلوروفلوروكربون (CFCs)، في ترقيق سمك طبقة الأوزون وإحداث ثقب بها.
بينما تتواصل الجهود، من ضمنها بروتوكول مونتريال، للحد من انبعاثات المواد المستنفدة لطبقة الأوزون، فإنَّ التداعيات المترتبة على الاستخدام الجامح لتلك المواد لا تزال قائمة.