في جنوب روما، وعلى بُعد مسافة تقريبية من 241.4 كم، كانت تقع مدينة باياي القديمة أو "بايا"، الموجودة بين جبل فيزوف والبحر المتوسط.
هذه المدينة كانت تعتبر من المدن الفارهة في الماضي، والتي تضم منتجعاً خاصاً للنخبة الرومانية القديمة.
كان هذا الموقع قبل قرون هو المكافئ القديم لمدينة لاس فيغاس في عصرنا الحالي، فهو مكان كانت تُولَد فيه الأسرار والمؤامرات والفضائح.
في القرن الأول قبل الميلاد، تحولت هذه المدينة لوجهةً مفضلة لشخصيات بارزة مثل يوليوس قيصر وأغسطس ونيرون، حيث امتلكوا منازل رائعة هنا.
ولم يكن سبب شهرتها فقط الينابيع الطبيعية الساخنة والجو المعتدل في المنطقة، بل كانت معروفة أيضاً بالأنشطة الخاصة التي تُقام بها.
باياي.. مدينة الخطيئة
بالرغم من أنها كانت مكاناً يجذب كل من يبحث عن الرفاهية والمتعة، فإن مدينة باياي كانت تحمل لقب "مدينة الخطيئة"؛ حيث كان الزوار يتيحون لأنفسهم الفرصة للتصرف بلا حدود، دون الالتزام بأي قوانين أو عادات وتقاليد كانت.
فقد تم تداول عدة قصص عن هذه المدينة، تحكي عن الاحتفالات والولائم التي كانت تقام هناك، والتي كانت تتم بشكل بذيء جداً.
ومع كل هذا، كان للسياسة دورها، إذ يقال إن الإمبراطور الروماني كاليغولا زار باياي ليثبت وجهة نظره أمام منتقديه السياسيين، ومنذ ذلك الحين، تحولت مدينة باياي مكاناً للغمر في الأسرار والمؤامرات السياسية كذلك.
لكن مع بداية القرن الرابع الميلادي، بدأت أجزاء كبيرة من مدينة باياي تغمرها مياه البحر، زيادة على نشاط البركان في المنطقة بسبب البركان المشهور المسمى كامبي فليغري، وانتشار الاختلاجات الأرضية، الشيء الذي أدى في النهاية إلى غمر معظم المدينة الساحلية تحت المياه.
باياي.. المدينة الغارقة تحت المياه
حسب تقرير من شبكة "BBC"، فإن بقايا باياي ما زالت تحت المياه إلى الآن، حيث يصل عمق وجودها تحت البحر إلى ما يقرب من 4 إلى 10 أمتار تحت سطح البحر، وما زالت مستمرة في الغرق إلى يومنا هذا.
ومن المثير للاهتمام أنَّ بعض مناطق باياي ظلَّت فوق مستوى الأرض، وبقيت تلك المناطق مأهولة بالسكان نسبياً حتى القرن الثامن الميلادي، حين اقتحم المسلمون المدينة، ثم جرى هجرها تماماً لاحقاً في القرن السادس عشر، حين اجتاحت المنطقة موجة من مرض الملاريا.
ولعدة سنوات لاحقة، بدا أنَّ مدينة الاحتفالات القديمة ستُنسى بشكل كامل، باستثناء ذكرها في النصوص التاريخية والرسومات التخيُّلية، زيادة على الآثار التي تقذفها المياه بين الحين والآخر في عشرينيات القرن الماضي.
لكن في الأربعينيات من القرن الماضي، تم اكتشاف المدينة من جديد، عندما شاهدها طيار إيطالي يُدعى ريموندو باوتشر من الجو.
وبعد ذلك انتشرت صور بقايا المدينة الرائعة، من أعمدة وفسيفساء وأرصفة، إذ بدأت باياي تعود إلى الواجهة من جديد.
ومنذ هذا الاكتشاف المثير، أصبحت باياي مكاناً للعديد من المشروعات والتنقيبات الأثرية، ويمكن للسياح اليوم زيارتها والغوص تحت مياهها لاستكشاف أسرار الماضي.
هكذا يمكن زيارة مدينة باياي الأثرية
يمكن للزوار استكشاف باياي الغارقة بمساعدة مرشدين متخصصين، حيث يتم تنظيم جولات تحت الماء لزيارة مواقع مثل "نمفيوم" الإمبراطور كلوديو والأعمدة والحدائق القديمة.
وبالإضافة إلى الاكتشافات الأثرية، فقد تم إعلان المنطقة على أنها محمية بحرية ابتداء من سنة 2002، من أجل مكافحة السرقة.
فقبل هذا التاريخ، كان الغواصون الهواة غالباً ما يقومون برحلات مستقلة إلى المدينة الغارقة ويجمعون مقتنيات لبيعها.
بهذا، أصبحت باياي وجهة سياحية معاصرة تجمع بين سحر العصور القديمة وإمكانية الاستمتاع بمغامرات تحت الماء.
إضافة إلى عمل علماء الآثار الذين يحرصون على تجميع خيوط قصة باياي القديمة، وكشف أسرار حياتها قبل مئات السنين.
فيما تعتبر الاكتشافات المستقبلية في باياي القديمة نوعاً من المساهمة في تكميل اللغز الذي يحيط بهذه المدينة الغارقة وتسجيل تاريخها بشكل أكبر.
وكما قال عالم الآثار إنريكو غالوتشيو، "من المؤثر دائماً العثور على شيء، حتى لو كانت قطعة صغيرة من الرخام".