تأثير الضوء الكاشف، أو تأثير الأضواء، عبارة عن تحيّز معرفي يجعل الناس يبالغون في تقدير درجة ملاحظة الآخرين لهم؛ إذ إنهم يشعرون بأنهم مراقبون بشكل خاص، عند قيامهم بتصرف معين، أو ارتدائه ملابس مختلفة عما اعتادوه.
إذ إن الناس الذين يعيشون تأثير الضوء الكاشف في حياتهم يظنون أن الناس مهتمون، ويلاحظون كل شيء يخصهم، حتى وإن كان هذا الشيء غير مهم بالنسبة للآخرين.
وقد يؤثر تأثير الضوء الكاشف، وهو مصطلح خاص يستعمل في علم النفس الاجتماعي، بقوة على التفكير في العديد من المواقف الحياتية العادية؛ لذلك يكون من الجيد فهمه ومعرفة كيفية التعامل معه بالشكل الصحيح.
مظاهر تأثير الضوء الكاشف في الحياة العادية
تأثير الضوء الكاشف عبارة عن تأثير يعيشه أغلبية الأشخاص في حياتهم العادية، ولكن بدرجات مختلفة ومتفاوتة، أي هناك من يعيشه بشكل إيجابي، وهناك فئة أخرى تعيشه بشكل مؤثر بشكل سلبي.
إذ إنه في الأساس، عندما نفكر فيما يعتقده الآخرون عنا، فإننا نميل دائماً إلى المبالغة في تقدير مدى احتمالية ملاحظتهم للأشياء التي نقوم بها، وكذلك مدى احتمال اهتمامهم بهذه الأشياء.
وعلى هذا الأساس يمكن أن يختبر الأشخاص تأثير الضوء الكاشف في حياتهم الخاصة، والتي يمكن تسليط الضوء عليها على شكل عدة أمثلة مختلفة، وهي كالتالي:
عندما يرتدي الناس ملابس يعتقدون أنها محرجة، فإنهم يميلون إلى المبالغة في تقدير مدى وضوح ملابسهم للآخرين.
أو العكس تماماً، عندما يرتدون ملابس جديدة، أو جميلة حسب تقديرهم، فهم يظنون أن الجميع ينظر إليهم فتكون ثقتهم بنفسهم زائدة ويحاولون التباهي قدر الإمكان.
أو كذلك عندما يرتدي الناس ملابس مزيفة من علامات تجارية باهظة الثمن، فإنهم يميلون إلى المبالغة في تقدير الدرجة التي من الممكن أن يلاحظها الآخرون عليهم، وتجعلهم محط سخرية من الآخرين.
وفي سياق آخر، عندما يشارك أحد الأشخاص في نقاشات جماعية، يكون خائفين، ومبالغين في تقدير رد فعل الناس حول آرائهم، خوفاً من أن تكون خاطئة أو ليست في محلها، والعكس صحيح.
كما أنه عندما يشارك الأشخاص في رياضة ما أو يلعبون إحدى ألعاب الفيديو، فإنهم يبالغون في تقدير احتمالية ملاحظة زملائهم في الفريق الأخطاء التي يرتكبونها.
تجربة الضوء الكاشف ونتائجها الفعلية على الآخرين
في سنة 1999، قام بروفيسور علم النفس الأمريكي توماس غيلوفيتش بإجراء اختبار خاص لدرجة تأثير الضوء الكاشف على مجموعة طلاب، ومعرفة مدى حقيقة تركيز الآخرين عليهم في الحياة العادية.
إذ طلب من عدة أشخاص ارتداء ملابس غريبة، أو عليها صورة محرجة، والدخول والتجول بها أمام مجموعة من الطلاب، الذين لم يكن لهم أي دراية بتفاصيل التجربة.
وقد كانت النتيجة أن ما يقارب 20% فقط من إجمالي عدد الطلاب هم من لاحظ ما يرتديه الأشخاص الآخرون، في الوقت الذين كانوا فيه محرجين من اللباس الذين دخلوا به القاعة، وكانوا متوقعين أنهم سيكونون محط أنظار الجميع بشكل كامل.
وقد جاء في الورقة البحثية التي خرج بها عالم النفس غيلوفيتش: "نظراً إلى أننا نركز بشكل كبير على سلوكنا، فقد يكون من الصعب التوصل إلى تقييم دقيق لشدة -أو قلة- ملاحظة الآخرين لسلوكنا، في الواقع، يكشف الفحص الدقيق عن وجود تباينات متكررة بين الطريقة التي ننظر بها إلى أدائنا واعتقادنا بأن الآخرين سوف يشاهدونه والطريقة التي يراها الآخرون بالفعل".
أسباب اختبار تأثير الضوء الكاشف
السبب وراء التأثير بتأثير الضوء الكاشف، هو عند التفكير في نظرة الناس لنا فإننا نعاني من التحيز الأناني، وهو الميل إلى تثبيت وجهة نظر الآخرين على وجهة نظرنا.
ولأننا معتادون على رؤية الأشياء من وجهة نظرنا الخاصة، فإننا نكافح من أجل الحكم بدقة على وجهة نظر الآخرين.
كما أن آلية التثبيت والتكيف التي تقف في أساس تأثير الضوء الكاشف تؤدي أيضاً إلى تحيز معرفي مماثل يسمى "وهم الشفافية"، مما يجعلنا نبالغ في تقدير مدى قدرة الآخرين على تمييز حالتنا العاطفية.
وفي كلتا الحالتين، نميل إلى التركيز تماماً على أفعالنا وأفكارنا، على الرغم من أننا ندرك أن الأشخاص الآخرين بشكل عام أقل اهتماماً بأفعالنا مقارنة بنا، وليس لديهم إمكانية الوصول المباشر إلى أفكارنا وعواطفنا، إلا أننا ومع ذلك نكافح من أجل أخذ ذلك في الاعتبار بشكل كامل.
وبناءً على ذلك، ينتهي بنا الأمر إلى الاعتقاد بأن وجهة نظر الآخرين تشبه وجهة نظرنا أكثر مما هي عليه في الواقع، وهو الشيء الذي يحيلنا إلى عيش ما يسمى تأثير الضوء الكاشف، فيما يتعلق بتصرفاتنا، أو مظهرنا الخارجي.
طريقة تخفيف آثار الضوء الكاشف على الحياة اليومية
في المجمل، فإن تأثير الضوء الكاشف يجعلنا نبالغ في تقدير مدى احتمال ملاحظة الآخرين للأشياء السلبية أو الإيجابية عنا، الشيء الذي يزيد من حالة القلق عندنا، والتي تكون بدون داعٍ.
لذلك يكون من الجيد تقليل التفكير المتحيز، ومحاولة التعامل بشكل سلسل وبسيط مع الأمور قدر الإمكان، وتقييم الأمور بشكل واقعي أكثر.
ومن أجل تحقيق هذا، يمكن اعتماد بعض الطرق، التي تتمثل في:
عندما تكون في شك، افترض أنك على الأرجح تبالغ في تقدير مدى اهتمام الناس بهذا الأمر، وحاول الاسترخاء. تذكر أنه حتى لو لاحظ شخص ما ما يقلقك، فمن المحتمل أنه لن يهتم به بالقدر الذي تعتقده، وربما لن يتذكره على المدى الطويل.
أو استخدم تقنيات الإبعاد الذاتي، التي تساعدك في تقليل تأثير الضوء الكاشف، إلا أنه يمكنك الاستفادة أيضاً من استخدام تقنيات النأي بالنفس، والتي يمكن أن تساعدك على تقليل التحيز الأناني الذي يعزز تأثير تسليط الضوء في البداية، وبالتالي يسمح لك برؤية الأشياء بطريقة أكثر وضوحاً وأقل تحيزاً.
وعلى وجه التحديد، استخدام هذه التقنيات يستلزم محاولة خلق مسافة نفسية ذاتية عند التفكير في كيفية نظر الآخرين إليك. هذا يعني أنه يجب أن تحاول النظر إلى نفسك من منظور مختلف عن منظورك الخاص.
يمكنك القيام بذلك عن طريق استخدام أي منظور ليس منظور الشخص الأول، مما يعني أنه يمكنك إما محاولة النظر إلى نفسك مباشرة من منظور شخص آخر، أو يمكنك محاولة رؤية نفسك من منظور خارجي عام. كلما التزمت بمحاولة رؤية الأشياء من منظور مختلف، تمكنت من التفكير في نفسك بشكل أكثر وضوحاً، لذا حاول أن تتخيل نفسك حقاً وأنت في مكان شخص آخر.