الساعة من بين أهم الآلات التي تستخدم في حياتنا اليومية، إذ تم تطويرها على مر السنين حتى أصبحنا نجدها في كل الأجهزة الإلكترونية والأشكال المختلفة، إلا أن بدايتها لم تكن على ما هي عليه، كما كان للعرب دور كبير في صناعتها.
في العالم الإسلامي اهتم المسلمون بحساب التوقيت وذلك لمعرفة مواقيت الصلاة، وضبط الوقت لتبدأ مسيرة صناعة أشكال مختلفة من الساعات التي حيرت طرق اشتغال بعضها العلماء في الوقت الحالي، من ساعة هارون الرشيد إلى ساعة الفيل أو الساعة البوعنانية، هذه أشهر الساعات العربية عبر التاريخ.
مؤرخ مصري أول مَن اختراع بندول الساعة
رغم تسجيل اختراع بندول الساعة باسم المخترع الإيطالي "كريستيان هوغنس" سنة 1673، إلا أنه كان موجوداً من قبل في الدول العربية قبل ذلك بأزيد من ست مئة سنة، حسب موقع "gomhuriaonline" المصري كان العالم الفلكي أبو الحسن علي بن أبي سعيد بن يونس المصري أول من اخترع البندول.
وُلد أبو الحسن في مصر سنة 950 للميلاد، نشأ وسط أسرة اشتهرت بالعلم؛ حيث كان والده من كبار المؤرخين وجده من العلماء المتخصصين في علم النجوم، وقد حرص على تحصيل مختلف العلوم حتى أصبح من كبار العلماء في عهد الدولة الفاطمية.
كان لأبي الحسن مكانة كبيرة لدى الخلفاء الفاطميين والتي استمرت حتى بعد وفاة الخليفة العزيز بالله فيما واصل العمل في عهد الحاكم بأمر الله الذي أسس دار الحكمة لتكون منارة للعلم ولأهله، كان من بين أهم الإنجازات التي قام بها أبو الحسن هي اختراع بندول الساعة.
إذ كان يستخدم لدراسة الذبذبات والاهتزازات في الرصد الفلكي، استطاع أبو الحسن رصد كسوفَين للشمس في كل من سنة 977 و978 بدقة عالية، كما أنه رصد خسوفاً للقمر في نفس الفترة وسجله في جداوله الفلكية التي يستخدمها الفلكيون في العصور الحديثة.
ساعة الفيل.. اختراع إسلامي من العصور الوسطى
من بين أقدم الساعات في العالم وأغربها للعالم "أَبُو اَلْعِزِ بْنُ إسْماعِيلِ بْنُ الرِّزاز الجزري"، والتي تعود إلى العصور الوسطى، ساعة الفيل هي عبارة عن ساعة مائية على شكل فيل ضخم، بالإضافة إلى عناصر أخرى موزعة أعلى الفيل في بيت صغير تصدر صوتاً وحركة كل نصف ساعة.
حسب موقع "history of information" الأمريكي تعتمد آلية التوقيت في الساعة على دلو مملوء بالماء داخل الفيل، بداخله وعاء يطفو على سطح الماء وبه فتحة صغيرة من الوسط. يحتاج الوعاء إلى نصف ساعة ليمتلئ عبر هذه الفتحة.
أثناء التعبئة يسحب الوعاء معه خيط متصل بالبرج أعلى الفيل، وهذا يؤدي إلى إفلات كرة تسقط في فم الأفعى؛ مما يجعل الأفعى تنحني للأمام ساحبة معها الوعاء المغمور بالماء داخل الفيل عن طريق خيوط.
في نفس الوقت وعن طريق مجموعة من الخيوط. أحد الشخصيات في البيت يحرك يده اليمنى ثم يقوم سائق الفيل بقرع الطبل، وهذه العملية كاملة تحتاج نصف ساعة من الوقت قبل أن تعود الأفعى للخلف.
هناك ميزة ابتكارية أخرى في هذه الساعة، وهي أنها تسجل التغير في طول الساعة الخاص بكل يوم، هذا يعني أن معدل التدفق يتغير يومياً ليناسب الاختلاف في طول الأيام خلال السنة، ولتحقيق ذلك يوجد في الساعة دلوان علوي وسفلي، العلوي متصل بالية تحديد الوقت، والسفلي متصل بمنظم عملية التدفق.
ساعة الطاووس للجزري
يمكن اعتبار الساعات المائية للعالم الإسلامي إسماعيل الجزري الذي عاش خلال القرن الثاني عشر من بين روائع الهندسة الأكثر شهرة في تاريخ العلوم والتكنولوجيا في بلاد فارس.
ساعة الطاووس هي الآلة السادسة التي وصفها الجزري في أطروحته الشهيرة عن الميكانيكا الجامع بين العلم وأمل النافع في صناعة الخيال، إنها ساعة مائية وهي الوحيدة التي لا تحتوي على أي شخصيات من الرجال ضمن الساعات الأخرى التي قام بصناعتها.
حسب موقع "muslim heritage" البريطاني، يتم حساب الوقت في هذه الساعة بمساعدة طاووس يقوم بالدوران لمدة 30 دقيقة، خلال تلك المدة يقوم الماء بملء حوض صغير بداخله كرة مربوطة مع الطاووس.
عند ملء الحوض يقوم الطاووس بسحب حبل يسمح بسكب الماء للأسفل، الشيء الذي يتسبب في دوران عجلة تقوم بتوزيع الماء بشكل يسحب طاووساً آخر في الأسفل، هذا الأخير يقوم هو الآخر بالدوران إلى أن يلتطم مع جرس صغير يتسبب في إصدار صوت المنبه، تعاد هذه العملية كل نصف ساعة على مدار اليوم.
الساعة المائية البوعنانية
في مدينة فاس بالمغرب توجد إحدى أهم الساعات المائية في التاريخ الإسلامي التي يعود تاريخها إلى العهد المريني خلال القرن الرابع عشر، تعمل الساعة المائية البوعنانية بطريقة يمكن أن يراها البعض بسيطة، إلا أن طريقة تصميمها تعتبر لغزاً محيراً، بسبب اعتمادها على نظام تقني دقيق جداً، إذ لم يتم تصميم إلا واحدة منها فقط.
وحسب جريدة "هسبريس" المغربية، تم تعليق الساعة المائية في واجهة المدرسة البوعنانية، وهي مكونة من العوارض الخشبية يصل عددها إلى 12، فوق كل منها إناء كبير من النحاس الأصفر.
توجد بالساعة 12 نافذة تمثل عدد الساعات في نصف اليوم، لكل منها كرات حديدية تسقط في الإناء النحاسي، بعد مرور كل ساعة تفتح النوافذ ونسقط الكرة في الإناء ما يصدر صوتاً قوياً، أما بخصوص الناس القادمين إلى المنطقة والذين لم يتمكنوا من سماع صوتها يمكنهم معرفة الساعة من خلال النوافذ المفتوحة.
لا تزال وكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس تبحث عن طريقة اشتغال هذه الساعة بالمياه لإعادة تشغيلها من جديد، بالرجوع إلى الدراسات السابقة عنها والقيام بأخرى جديدة لفك لغزها.
هدية هارون الرشيد لشارلمان
حسب موقع "muslim heritage" البريطاني لم تكن الساعات تعرف بعد في أوروبا خلال القرن الثامن، لهذا أثار وصول ساعة هارون الرشيد إلى بلاط شارلمان سحر أولئك الذين شاهدوا تلك الآلة، التي لم تعد موجودة في الوقت الحالي.
كانت ساعة هارون الرشيد عجيبة، إذ كانت ضخمة بارتفاع 4 أمتار، تتحرك بواسطة قوة مائية، وعند تمام كل ساعة يسقط منها عدد معين من الكرات المعدنية، بعضها وراء بعض بعدد الساعات فوق قاعدة ضخمة من النحاس، ليصدر عنها رنين يسمعه من في القصر ويعرفون كم هي الساعة.
كان بداخل الساعة 12 باباً يؤدي إلى داخلها، ومن كل باب يخرج فارس يشير إلى أن الساعة هي الواحدة، أو اثنان يشيران بأنها الثانية، وإذا خرج 5 مثلاً فهي الساعة الخامسة، أما عند الساعة 12 ظهراً أو ليلاً، فيخرج 12 فارساً مرة واحدة ويدورون دورة كاملة ثم يدخلون من الأبواب فتغلق خلفهم.
أثارت هذه الساعة دهشة الملك وحاشيته، لكن رهبان القصر ظنوا أن شيطاناً يحركها، فتكاتفوا وحملوا فؤوساً ومضوا إليها لتحطيمها وليخرج الشيطان ويقتلوه، وهو ما تسبَّب في تلفها.