توصلت نتائج دراسة جديدة إلى أن الآباء الذين يأملون في إبعاد أبنائهم عن السجائر، يمكن أن يفيدهم في ذلك إجراء فحوصات الدماغ، التي يمكن أن تكشف مدى احتمالية بدء المراهقين في التدخين والإدمان عليه، مشيرين بذلك إلى مستوى المادة الرمادية الموجودة في أحد أجزاء الدماغ التي تُعد سبباً في إدمان المراهقين على التدخين.
الدراسة التي نُشِرَت بمجلة "Nature Communications" (الاتصالات الطبيعية)، وجدت أنَّ المراهقين الذين يوجد لديهم قدر أقل من المادة الرمادية في جزء الدماغ المرتبط بسلوكيات التثبيط، واتخاذ القرار، وخرق القواعد، يكونون أكثر احتمالية لبدء التدخين، وفقاً لما ذكرته صحيفة The Times البريطانية، الأربعاء 16 أغسطس/آب 2023.
تُظهِر الدراسة أنَّه بمجرد بدء التدخين، يمكن أن تتسبب هذه العادة في تقليص المادة الرمادية في أجزاء أخرى من الدماغ، التي تتحكَّم في البحث عن الإثارة؛ الأمر الذي يجعل استمرار المراهقين حتى ظهور حالة طويلة الأجل من الإدمان أكثر احتمالاً.
يوضح الأستاذ تريفور روبينز، أحد كبار مُعِدِّي الدراسة من قسم علم النفس بجامعة كامبريدج: أنه "من المرجح أن يحدث بدء عادة التدخين في فترة المراهقة، ويمكن أن تساعد أي طريقة لاكتشاف تزايد فرص حدوث هذا الأمر، حتى يمكننا القيام بتدخلات محددة، في إنقاذ ملايين الأرواح".
في هذا الصدد، وجدت دراسة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة للأطفال في سن 11 إلى 15 عاماً، أنَّ 12% منهم حاولوا التدخين، وأنَّ 3% منهم مدخنون في تلك الفترة، وأنَّ 1% منهم مدخنون بانتظام.
تُقدِّر جمعية (التحرك بشأن التدخين والصحة) أنَّ 207 ألف طفل في المملكة المتحدة يبدأون التدخين كل عام، في حين يفيد 80% من المدخنين البالغين بأنَّهم بدأوا التدخين قبل سن العشرين.
وحلَّل باحثون من جامعتيّ كامبريدج ووارويك البريطانيتين وجامعة فودان الصينية فحوصات الدماغ لأكثر من 800 شاب من المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وأيرلندا، 45% منهم ذكور و55% منهم إناث، وأُخِذَت لهم في أعمار 14 و19 و23، وسألوهم ما إن كانوا قد دخَّنوا مطلقاً، وفي أي سن بدأوا، ولكم من الوقت استمروا في هذه العادة.
وجدت الدراسة أنَّ معظم المراهقين الذين يُدخِّنون بصفة يومية "سيتطوَّر لديهم إدمان على النيكوتين بحلول سن 18″، في حين أنَّ أولئك الذين يبدأون التدخين بعد سنوات مراهقتهم أقل احتمالاً بكثير لظهور هذا الإدمان.
كذلك أراد العلماء أن يعلموا ما إن كان بعض المراهقين أكثر عرضة لبدء التدخين بسبب اختلافات في مناطق بالدماغ تتحكم في "اتخاذ القرارات المحفوفة بالخطر، والتحكم في السلوك، والتثبيط".
في هذا الصدد، ركَّز الباحثون على جزء من الفص الجبهي للدماغ، وهو الجانب الأيسر من قشرة الفص الجبهي الباطني، ووجدوا أنَّ المراهقين الذين بدأوا التدخين كانت لديهم مستويات أقل من المادة الرمادية في هذه القشرة، مقارنةً بأولئك الذين لم يبدؤوا هذه العادة، إذ تراجع مستوى المادة الرمادية في الجانب الأيمن من نفس القشرة في أولئك الذين حافظوا على عادة التدخين.
كما وجدت الدراسة أنَّ وجود مستوى أقل من المادة الرمادية في الجانب الأيسر من القشرة قد يؤدي إلى درجة أكبر من "إزالة التثبيط" وجعل المراهقين أكثر احتمالية لـ"تجاهل تداعيات خرق القواعد".
يمكن أن يؤدي تراجع مستوى المادة الرمادية في الجانب الأيمن من القشرة بعد بدء المراهقين للتدخين إلى تقليص شعورهم بالتثبيط في سلوكيات "السعي للحصول على المكافأة" أو "السعي للإثارة"، الأمر الذي يجعلهم أكثر احتمالاً لظهور الإدمان.
من جانبها، قالت الأستاذة باربرا ساهاكيان، من قسم الطب النفسي في جامعة كامبريدج: "قد يؤدي وجود مستوى أقل من المادة الرمادية في هذه المنطقة من الدماغ إلى الحد من الوظيفة الإدراكية، بما يؤدي إلى تحكم أقل في النفس والميل إلى السلوك المحفوف بالخطر".
بدوره، قال الأستاذ تياني جيا، من جامعة فودان، وهو أحد مُعدِّي الدراسة الرئيسيين: "يرتبط وجود مادة رمادية أقل في الفص الجبهي الأيسر بسلوكيات تزيد احتمالية التدخين خلال المراهقة".
أضاف جيا: "ثُمَّ يعاني المدخنون من فقدان مفرط للمادة الرمادية في الفص الجبهي الأيمن، وهو ما يرتبط بسلوكيات تعزز تعاطي المخدرات. وقد يقدم هذا تفسيراً سببياً لكيفية بدء التدخين عند الشباب، وكيف يتحول إلى إدمان".