متلازمة “الانسحاب من الحياة”.. حالة غامضة تصيب أبناء اللاجئين بغيبوبة مفاجئة بسبب “الصدمة وعدم الأمن

عربي بوست
تم النشر: 2023/08/08 الساعة 12:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/08 الساعة 12:45 بتوقيت غرينتش
تهدد الحالة أطفال طالبي اللجوء بشكل حصري - ShutterStock

منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، تحارب إحدى الدول الأوروبية المستقبلة لأعداد كبيرة من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين القادمين من حول العالم، مرضاً غامضاً لا يزال الطب يقف حائراً أمام أعراضه وأسبابه الأصلية حتى اليوم.

يعاني أبناء اللاجئين من مشاعر شديدة بالقلق وانعدام الأمان - ShutterStock
يعاني أبناء اللاجئين من مشاعر شديدة بالقلق وانعدام الأمان – ShutterStock

متلازمة "الاستقالة من الحياة" التي تصيب أطفال اللاجئين

ثمة متلازمة صحية ونفسية بالتوازي تسمى متلازمة "الانسحاب من الحياة" أو "الاستقالة من الحياة" (Resignation Syndrome)، حيث يعاني أطفال طالبي اللجوء من أعراض انسحاب تام من النشاطات الحياتية الأساسية، فيبدأون دون مقدمات في التوقف عن المشي والكلام وحتى القدرة على فتح أعينهم، فيدخلون في سبات غير مفهوم قد يمتد لأشهر متواصلة.

ونتيجة لأن الطفل المصاب بالمتلازمة ينصرف تماماً عن العيش بشكل طبيعي ولا يفيق من سباته، يلجأ الأطباء في محاولاتهم لرعاية الحالة إلى استخدام أنبوب تغذية والعناية السريرية اليومية لكيلا يختنق الطفل أو يصاب بقرح الفراش نتيجة لعدم الحركة.

وعادة ما تمتد الحالة الغامضة لأسابيع أو أشهر متواصلة، تكون خلالها العلامات الحيوية للطفل المصاب طبيعية تماماً، ولكنه يكون غير قادر على استعادة الوعي.

عادة ما تزول من تلقاء نفسها فجأة ويعود الطفل لوعيه وحركته الجسدية المعتادة وإدراكه الطبيعي بعد ذلك.

سبب الإصابة بالمتلازمة الغامضة هو "الصدمة"!

يتفق الخبراء في عالم الطب وعلم النفس والصحة العقلية الذين يعالجون هؤلاء الأطفال على أن الصدمة والأزمات النفسية الشديدة هي التي دفعتهم إلى الانسحاب من العالم والدخول في هذا النوع من "الغيبوبة" اللاإرادية التي تعطل عقلهم الواعي من شدة الإجهاد.

وعادة ما يكون الأطفال الأكثر ضعفاً وعرضةً للإصابة بالمتلازمة هم أولئك الذين شهدوا وقائع عنف شديد غالباً ما يكون ضد والديهم، أو الذين فرت أسرهم من بيئة غير آمنة للغاية مثل اللاجئين الفارين من مناطق الحروب والكوارث الطبيعية وغيرها.

علاقة السويد بمتلازمة "الاستقالة من الحياة"

تم الإبلاغ عن متلازمة الاستقالة من الحياة لأول مرة في السويد في أواخر التسعينيات، وبحسب إذاعة BBC البريطانية، فقد تم الإبلاغ عن أكثر من 400 حالة في عاميْ 2003-2004 و2004-2005 فقط في تلك الدولة فحسب.

ومع ذلك، وعلى مدى العقد الماضي بالتحديد، انخفض عدد الأطفال الذين يعانون من متلازمة الاستقالة، حتى صرح المجلس الوطني السويدي للصحة بوجود 169 حالة بين عامي 2015 و2016.

ولفت المجلس الصحي إلى أن الأطفال من مجموعات جغرافية وعرقية معينة هم الأكثر عرضة لخطر الدخول في هذه الغيبوبة اللاإرادية عن الوعي، مثل أطفال الأسر اللاجئة من دول الاتحاد السوفييتي السابق، وأطفال دول البلقان وروما والعراق.

ويعتقد العديد من الأطباء أن الطريق إلى شفاء هؤلاء الأطفال يعتمد على بناء شعور بالأمان، وتوفير حل إيجابي لطلبات اللجوء المقدمة من عائلاتهم في السويد. 

جدير بالذكر أنه في عام 2015 مثلاً، تقدم 163 ألف شخص بطلبات لجوء في السويد. ومع ذلك، هناك مخاوف من أن يصبح السويديون أقل ترحيباً باللاجئين مع تعمق المخاوف بشأن أنظمة الرعاية الاجتماعية المرهقة والموارد العامة الضئيلة.

يعاني أطفال طالبي اللجوء من أعراض انسحاب تام من النشاطات الحياتية الأساسية - ShutterStock
يعاني أطفال طالبي اللجوء من أعراض انسحاب تام من النشاطات الحياتية الأساسية – ShutterStock

توثيق المتلازمة الغامضة عبر التاريخ الحديث

هذه المتلازمة لم تبدأ في الظهور في القرن الحالي فقط، فقد تم الإبلاغ عن العديد من الحالات التي تشبه متلازمة الاستقالة بين نزلاء معسكرات الاعتقال النازية بعد الحرب العالمية الثانية.

وفي المملكة المتحدة، تم التعرف على حالة مماثلة لدى عدد من الأطفال في أوائل التسعينيات، ولكن لم يكن هناك سوى عدد قليل من الحالات وعمليات التوثيق الطبية التي استوعبت الحالة، كما لم يكن أي منها بين طالبي اللجوء آنذاك. واليوم تُعد السويد هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي تم توثيق عدد من المصابين بالحالة فيها بصورة رسمية.

اختلاط المتلازمة بحالات صحية أخرى

وتشير الأبحاث المتخصصة إلى أن متلازمة "الاستقالة من الحياة" المعروفة بشكلها السائد اليوم كانت تشبه أعراضاً كثيرة مكتوبة في أدبيات الطب النفسي، كحالة التخشّب أو الجمود "كاتاتونيا" (Catatonia).

وفي تلك الحالة، يكون الشخص مستيقظاً ولكن لا يبدو أنه يستجيب للآخرين أو يتفاعل بأي شكل مع بيئته. يمكن أن تؤثر كاتاتونيا على حركة الشخص وخطابه وسلوكه بعدة طرق مختلفة. 

كذلك يمكن أن يكون للكاتاتونيا عدد من الأسباب المختلفة، سواء النفسية أم الجسدية، مثل المرض الشديد والصدمات العاطفية والتعرض للإساءة والحوادث الخطيرة أو حتى الانخراط في سلوكيات الإدمان، وفقاً للكلية الملكية لعلماء النفس في بريطانيا.

وبصرف النظر عن وجود حالة صحية مرتبطة بالكاتاتونيا أم لا، لم يتوصل المختصون لعوامل الخطر التي تجعل بعض الناس أكثر عرضة للإصابة.

تنتشر الحالة بين أطفال اللاجئين من دول الاتحاد السوفيتي السابق ودول البلقان - ShutterStock
تنتشر الحالة بين أطفال اللاجئين من دول الاتحاد السوفيتي السابق ودول البلقان – ShutterStock

من ناحية أخرى، تشترك متلازمة الاستقالة ومتلازمة الرفض المتفشي التام (Pervasive Refusal Syndrome) في سمات وعوامل إصابة عديدة؛ فكلاهما تقريباً يعدان شكلاً من أشكال اضطراب ما بعد الصدمة، أو العجز المكتسب، أو الانحلال الاكتئابي، وهي جميعها حالات مرتبطة بالفقدان والامتناع الكامل تقريباً عن الانخراط في أنشطة الحياة اليومية.

كذلك غالباً ما تتطور المتلازمتان فيرفض المصابون تناول الطعام والشراب والمشي والتحدث أو الاعتناء بأنفسهم بأية طريقة لعدة أشهر أو أكثر. وبالتالي فهم ينسحبون اجتماعياً تماماً، حتى من أسرهم.

وبشكل عام، لا يزال الطب الحديث يحاول البحث فيما إذا كان هناك المزيد من المعلومات التي يمكن رصدها لدى المصابين بمتلازمة "الانسحاب من الحياة" أو "الاستقالة من الحياة"، للوصول إلى معايير للوقاية وطرق العلاج وإدارة الأعراض.

تحميل المزيد