توفر الأطراف الصناعية المصممة جيداً كلاً من الوظائف الصحية والتجميلية، ولكنها تعمل أيضاً على إكمال إحساس الشخص المبتور بالكمال. إذ يوفر الطرف الاصطناعي التنقل وكذلك الراحة العاطفية، وبالتالي فإن تاريخ الأطراف الصناعية ليس مجرد تاريخ علمي، بل هو قصة البشر منذ فجر الحضارة الذين تُركوا وراءهم أطرافاً صناعية اكتشفت في عالمنا الحديث.
يعود أول الأطراف الصناعية المكتشفة إلى 3 آلاف سنة قبل الميلاد لمومياء مصرية تم العثور عليها بإصبع اصطناعي مصنوع من الخشب والجلد، إلا أنها شهدت تقدماً محدوداً جداً عبر الزمن.
خلال القرن الخامس عشر قام الجراح الفرنسي "أمبرواز باري بتصميم أطراف صناعية بأحزمة وأدوات تحكم خاصة بقفل الركبة، بالإضافة إلى استخدام مواد ناعمة وأخف وزناً ومرونة مثل الجلد، فيما انحسرت الأطراف الصناعية حول الساق وما تحت الركبة.
تاريخ الأطراف الصناعية خلال القرن الـ17
حسب موقع "synergypo" الأمريكي كان "أمبرواز باري" عالم تشريح والجراح الرسمي لأربعة ملوك فرنسيين، فيما يعتبره الكثيرون أبا الجراحة الحديثة، وقام بتحسين تقنيات للبتر والبقاء على قيد الحياة خلال فترات الحرب، بالإضافة إلى تطويره أطرافاً صناعية لجميع أجزاء الجسم.
استغل معرفته بالتشريح لتصميم الأطراف الاصطناعية التي تحاكي وظيفة الأطراف البيولوجية، كان أول من طور طرفاً اصطناعياً فوق الركبة مع حزام قابل للتعديل ومفصلة ركبة مع تحكم بالقفل، وكلاهما لا يزال يستخدم حتى اليوم.
حوالي عام 1690، طور الجراح الهولندي، بيتر فيردوين، لاحقاً طرفاً اصطناعياً لأسفل الساق بمفصلات متخصصة وأساور جلدية لتحسين الارتباط بالجسم. من المثير للدهشة أن العديد من التطورات التي ساهم بها هذان الطبيبان لا تزال من السمات الشائعة للأجهزة التعويضية الحديثة.
الحرب العالمية وثورة صناعة الأطراف الصناعية
حسب موقع "premier prosthetic" الأمريكي ساهمت الحربان العالميتان الأولى والثانية والحرب الأمريكية في صناعة الأطراف الصناعية الحديثة، وتعود براءة الإختراع إلى "J.E. Hanger " سنة 1871 خلال تداعيات الحرب الأمريكية.
بعد الحرب العالمية الثانية أنشأت الأكاديمية الوطنية للعلوم الأمريكية برنامجاً صناعيا للبحث وتطوير هذا المجال، خاصة بعد فقدان العديد من الجنود أطرافهم خلال الحرب، إذ استخدمت خلالها أطراف خشبية إلا أنها لم تكن عملية ومريحة.
في عام 1975، قام المخترع يسيدرو مارتينيز، وهو شخص قام بتغيير معايير الأطراف الصناعية من خلال تطوير طرف مصمم لتحسين التوازن وتقليل الاحتكاك. كان هذا إيذاناً بموجة جديدة من التطورات التكنولوجية المصممة لتوفير وظائف بشرية فائقة وراحة، فيما استخدم يسيدرو مواد خفيفة وقوية في نفس الوقت مثل ألياف الكربون.
تعمل الأطراف الصناعية الحالية بشكل مختلف تماماً عن تلك المصنوعة قبل أواخر القرن العشرين، إذ بدأ المصنعون في اللجوء إلى المواد الخفيفة والقوية في نفس الوقت مثل الألمنيوم والبلاستيك والسليكون ومواد أخرى خفيفة الوزن، بالإضافة إلى تصنيعها بشكل خاص ومقاسات مختلفة لكي تتناسب مع جميع الأشخاص.
الجيل القادم من الأطراف الصناعية
حسب موقع "medline plus" الأمريكي يهدف الجيل القادم من الأطراف الصناعية إلى جعلها إلكترونية ويمكن التحكم بها من خلال الأعصاب، إذ يعمل العلماء على تطوير الروبوتات والطباعة ثلاثية الأبعاد والذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي وتقنيات استشعار الحركة للأطراف الصناعية.
قامت المعاهد الوطنية للصحة بتمويل العديد من المشاريع التي تسخر النشاط الكهربائي للدماغ لتحريك الأطراف الاصطناعية باستخدام أقطاب كهربائية مزروعة في عضلات الشخص المتبقية، ترسل هذه الأقطاب الكهربائية إشارات إلى الدماغ وتسمح للأطراف الصناعية بالتحرك بحرية أكبر.
أحد الأمثلة على الأبحاث الممولة من قبل المعهد الوطني للتصوير الطبي الحيوي والهندسة الحيوية هو طرف اصطناعي آلي لأسفل الساق يخلق حركة مشي طبيعية. ابتكر الباحثون في جامعة فاندربيلت بالولايات المتحدة الأمريكية الجهاز بمفاصل الركبة والكاحل وبرمجيات يمكنها توقع الطريقة التي يريد المستخدم أن يتحرك بها.
بفضل شغف مبتكري الأطراف الصناعية، نحن اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى تكرار الوظيفة الكاملة للجزء البيولوجي المبتور، تسمح الأطراف الاصطناعية ذات الشفرة للرياضيين المبتورين بالركض، فيما تسمح الأطراف الأخرى بالقيام بالوظائف اليومية دون الحاجة إلى مساعدة أحد.