هل يمكنك أن تتخيل نفسك فناناً مشهوراً تحظى بآلاف أو ملايين المعجبين حول العالم، وما أن تتألق وتنجح بما يكفي لكي تنتظر الجماهير ظهورك على خشبة المسرح يلقي عليك أحد من الحشد عبوة صودا تتسبب في إصابتك بالكدمات والجروح؟
في واقع الأمر، يتورط المعجبون في الكثير من مشاهد الاعتداء على النجوم من دون أسباب واضحة، ما دفع الخبراء للبحث وراء دوافع هذا السلوك الغريب
ظاهرة إلقاء الأشياء تجاه الفنانين على المسرح
قد يبدو الأمر غريباً ومعاكساً للواقع، لكن الحقيقة هي أن الفنانين والمشاهير لطالما كانوا عرضة للاعتداء بمختلف أنواع المواد والأجسام التي يتم قذفها من قبل الحضور وسط حشود الجماهير دون أسباب واضحة.
آخر هذه المشاهد المثيرة للجدل ما واجهته المغنية الأمريكية كاردي بي، عندما ألقى شخص ما مشروباً عليها في حفلة موسيقية بولاية لاس فيغاس. لكن مغنية الراب ردت بشكل سريع وقذفت المعتدي بالميكروفون.
وهو مشهد متكرر على الرغم من غرابته وعدم فهم الكثيرين لدوافعه. فلماذا إذاً يدفع بعض المعجبين المال للذهاب لرؤية الموسيقيين والفنانين المشاهير؟ فقط لكي يبدأوا في إلقاء الأشياء عليهم؟
تفشي وباء الرغبة في جذب الانتباه
الدكتورة لوسي بينيت، المحاضرة في جامعة كارديف، تبحث في العلاقة بين المعجبين من جهة والمطربين أو الفنانين المفضلين لديهم من جهة أخرى.
وتقول بحسب موقع "بي بي سي" البريطاني إن الحضور الجماعي للمعجبين يمكن أن يخلق إحساساً "بالانتماء" داخل مجتمعهم، ويتيح لهم "التعبير عن هويتهم".
ومع ذلك، تعتبر الخبيرة أن "بعض الأفعال الجسدية الفردية والمدمرة، مثل رمي الأشياء على الفنانين، بغض النظر عن معايير السلامة أو الرغبة المتعمدة في الإيذاء، تنبع غالباً من رغبة قوية في جذب الانتباه مهما كلف الأمر.
بدورها توضح المعالجة النفسية وخبيرة السلوك البريطانية أماندا ستروبريدج كيف خرج دافع "البحث عن الاهتمام" عن السيطرة في عصرنا الحديث.
عادة إلقاء الورد على الفنان لم تعد كافية!
على مر العقود، كان المعجبون دائماً يائسين من الحصول على نوع من التفاعل مع فنانهم المفضل؛ على سبيل المثال، تم رشق فرقة البيتلز بحلوى الهلام في حفلاتهم.
هذه الممارسة تنتشر منذ عقود طويلة، وذلك لأن المعجبين يعبرون عن تقديرهم لفنانهم المحبوب من خلال رمي شيء ما أو التخلي عنه لمنحه إياه.
وتراوحت المشاهد المماثلة قديماً بين إلقاء الورد أو المقتنيات الشخصية الثمينة، أو حتى البطاقات والخطابات والمجوهرات. لكن بطبيعة الحال، لن ينتبه الفنان لزهرة بعينها وسط عدد كبير من الزهور الملقاة على المسرح، لكن أن يقذف أحدهم بزجاجة أو هاتف أو حتى سوار معدني ثقيل في وجه الفنان، فإن هذا حتماً سيلفت الانتباه.
إذ أصبحت اليوم الطريقة الوحيدة التي يتمكّن المعجب من الوصول بها إلى فنانه المفضل هي عن طريق رمي شيء تجاهه على المسرح، على أمل أن يلتقطه الفنان، وبالتالي تم إجراء احتكاك حقيقي مع الفنان في ذهن المعجب يستطيع أن يشبع به غروره ورغبته في الظهور والتواصل.
والآن، في عالم وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن إجراء الاتصالات عبر هذه الوسائط بشكل غير مباشر من خلال القيام بمشهد مشين يستدعي التداول وإثارة الجدل، حتى وإن كان الاتصال سلبياً.
وقد يقوم المعجبون بإلقاء المزيد من الأشياء الثقيلة أو المؤذية والضارة لتعطيل أداء الفنان على المسرح أمام آلاف المتفرجين وكاميرات الإعلام لاكتساب المزيد من الاهتمام، من خلال احتمال إلحاق الأذى بهم، ثم نشر المقطع على نطاق واسع.
التقاط صورة مع الفنان المفضل.. مهما كلف الأمر
كذلك يوضح الخبراء أنه بسبب الحماس الشديد والشعور بالنشوة والإثارة بين الحضور في الحفل، غالباً ما يتم إلقاء الهواتف باتجاه المسرح من قبل المعجبين، على أمل أن يلتقطها الفنان ويصور نفسه ويعيد الهاتف إلى المعجبين.
وبالفعل، يقوم فنانون مشاهير أمثال بيلي إيليش ووان دايركشن ودريك أحياناً بهذا التفاعل في عروضهم، الأمر الذي ساهم في تعزيز السلوك وانتشاره أكثر بين الجماهير في الحفلات الموسيقية المختلفة.
وعلى الرغم من أن هذه ليست المرة الأولى التي يضطر الموسيقيون إلى تفادي الأشياء التي يتم قذفها باتجاههم أثناء أدائهم الفني، اضطرت مغنية البوب الريفية كيلسي باليريني إلى إيقاف عرضها مؤقتاً في ولاية أيداهو بعد أن أصيبت في وجهها بجسم ألقي من الحشد وتسبب في معاناتها من خدش في العين.
وفي عام 2022 الماضي، أصيبت ليدي غاغا في رأسها بدمية دكتور ألقتها إحدى المعجبات أثناء غنائها أغنية (Top Gun: Maverick) في عرض الفيلم الشهير من بطولة توم كروز، على أمل أن تقوم الفنانة بحمل الدمية والتعليق عليها.
كما أصيب هاري ستايلز في الفخذ بسبب ما بدا أنه زجاجة ماء ممتلئة، في منتصف حفلة له أجراها في شيكاغو في أكتوبر/تشرين الأول 2022.
ولم يمضِ وقت طويل على إصابة نجم البوب بيباي ريكسا ونقله إلى المستشفى، بعد أن قذفه أحد من الجمهور بالهاتف أثناء الحفل.
لكن بشكل عام، لا توجد طريقة مضمونة لمنع المعجبين من رمي الأشياء على خشبة المسرح دون خلق مساحة كبيرة بما يكفي بين الجمهور والفنان لمنع حدوث ذلك.