تشهد أجزاء كبيرة من جنوب أوروبا وشمال إفريقيا درجات حرارة قصوى تزيد على 40 درجة مئوية نتيجة لموجة حر يطلق عليها اسم "سيربيروس"، وهو كائن خرافي يتخذ شكل كلب بـ3 رؤوس، تم ذكره في الأساطير اليونانية القديمة.
فما قصة موجة الحر القياسية تلك، ولماذا تمت تسميتها بهذا الاسم؟
موجة حر "سيربيروس" القياسية التي تضرب أوروبا
تم اتخاذ تدابير طارئة في العديد من البلدان، حيث من المقرر أن تصل درجات الحرارة في أجزاء من أوروبا المطلة على البحر الأبيض المتوسط، إلى 45 درجة مئوية.
وقد تم نشر تنبيهات الطقس في جميع أنحاء جزر الكناري الإسبانية وإيطاليا وقبرص واليونان، حيث تتوقع السلطات اليونانية أن تصل درجات الحرارة إلى 43 درجة مئوية يوم الجمعة أو السبت، وهي أرقام غير مسبوقة بالنسبة لتلك المناطق من العالم.
وفي الوقت نفسه، في القطب الشمالي ، تم قياس درجة حرارة قياسية في الارتفاع، إذ بلغت 28.8 درجة مئوية في سليتنيس فير على الطرف الشمالي للنرويج، حسبما قال خبراء الأرصاد الجوية النرويجيون يوم الخميس 13 يوليو/حزيران 2023.
ويُعد هذا أعلى رقم قياسي منذ قياس درجة الحرارة الذي يعود إلى يوليو/تموز عام 1964، عندما وصل مقياس الحرارة في تلك المدينة القطبية إلى 27.6 درجة مئوية.
وتقوم وكالة الفضاء الأوروبية بتتبع موجة "سيربيروس"، وحذرت من أن الموجة الحارة ستشعر بها أجزاء من شمال أوروبا.
وقالت: "تواجه كل من إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا وبولندا موجة حارة كبيرة، حيث من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة فيها إلى 48 درجة مئوية، وهي أعلى درجات حرارة تم تسجيلها على الإطلاق في أوروبا".
لماذا تمت تسميتها بهذا الاسم؟
تمت تسمية نظام الضغط العالي الذي اجتاح دول البحر الأبيض المتوسط قادماً من شمال إفريقيا، من قبل جمعية الأرصاد الجوية الإيطالية باسم "سيربيروس"، أو الكلب ذي الثلاثة رؤوس في الأساطير اليونانية القديمة الذي كان يحرس بوابات العالم السفلي.
حيث تطلق مجموعات من خبراء الأرصاد الجوية في جميع أنحاء أوروبا أحياناً أسماء رمزية من التاريخ والفن والأدب على موجات الحر أو الرياح والأعاصير الشديدة، في إشارة إلى وصفها وتيمُّناً ببعض السمات المثيرة للاهتمام.
وبحسب موسوعة "بريتانيكا" (Britannica) البريطانية للتاريخ، فإن كائن "سيربيروس" الخرافي، في الأساطير اليونانية، يُعد بمثابة "الرقيب الوحشي للعالم السفلي" أو "جهنم".
وكان يقال عادةً إن لديه 3 رؤوس، على الرغم من أن الشاعر هسيود اليوناني الذي اشتهر في القرن السابع قبل الميلاد، كتب في أعماله أن لديه 50 رأساً.
ويُعتقد أنه قد نمت لدى الكائن الأسطوري رؤوس الثعابين من ظهره، وكان لديه ذيل ثعبان. وقد كانت وظيفته هي أن يلتهم كل من يحاول الهروب من مملكة الهاديس، أو العالم السفلي، ورفض دخول البشر الأحياء.
موجات الحر الأخيرة تتسبب في موت عشرات الآلاف سنوياً
قد يبدو اللقب مسرحياً وغريباً، لكن هذا لا ينبغي أن ينتقص من الخطر الذي تشكله الحرارة الحالية بجنوب أوروبا. ففي 11 يوليو/تموز الجاري، انهار رجل في الأربعينيات من عمره وتوفي بإيطاليا أثناء عمله في الهواء الطلق، وفقاً لوسائل إعلام محلية، وكانت هناك تقارير متعددة عن ضربة شمس في البلاد.
وفي إسبانيا، وصلت درجات الحرارة إلى 45 درجة مئوية في بعض الأماكن، وتلقى خط مساعدة للأشخاص المتأثرين بالحرارة 54.000 مكالمة منذ إطلاقه الشهر الماضي.
يأتي ذلك تزامناً مع دراسات علمية أخيرة قدّر فيها المتخصصون أن ما يقرب من 62 ألف شخص لقوا حتفهم في أوروبا نتيجة حرارة الصيف الشديدة العام الماضي وحده، مع الإشارة إلى أنه من المتوقع لفصل الصيف الحالي أن يبلغ درجات أعلى في الحرارة.
قرارات جديدة بأوروبا تلافياً لمخاطر الحرارة القصوى
ما بين التأثير على حركة السياحة في المدن الأوروبية، وإطعام حيوانات حديقة الحيوانات في مدريد مصاصات الفاكهة وقطعاً من الطعام المجمد، واتخاذ تدابير تشمل تغييرات في الموظفين وتنبيهات الهواتف المحمولة ودوريات حرائق الغابات المكثفة، غيرت العديد من المدن الأوروبية عدداً من أنظمتها وقوانينها استعداداً لموجات الحرارة غير المسبوقة.
ففي أثينا ومدن يونانية أخرى مثلاً، تم تغيير ساعات العمل للقطاع العام والعديد من الشركات لتجنب حرارة منتصف النهار، بينما تم فتح مناطق مكيفة الهواء للجمهور في عدد من المواقع.
بينما كافح 56 من رجال الإطفاء مع 20 مركبة وثلاث طائرات لاحتواء حريق بالقرب من مدينة سيبنيك الأدرياتيكية.
لكن هذه الموجة الأخيرة لن تكون نهاية مشاكل الطقس في أوروبا. إذ سجلت القارة أكثر أسبوع سخونة على الإطلاق هذا الشهر بعد أن شهدت أحر شهر يونيو/حزيران على الإطلاق، وفقاً للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO).
بدورها حذرت وكالة الأمم المتحدة من أن هناك احتمال 90% لاستمرار ظاهرة النينيو حتى نهاية العام بقوة معتدلة أو أعلى من المعتدلة.
وتحدث ظاهرة الطقس العالمية عندما تصبح مياه المحيط الهادئ أكثر دفئاً من المعتاد. ويمكن أن يدفع هذا، العالم إلى ما وراء مستوى قياسي جديد في متوسط درجات الحرارة، مما يجعل موجات الحر والعواصف أقوى وأكثر خطورة على حياة البشر والكائنات الحية بأنواعها.
أسباب موجات الحرارة غير المسبوقة
وفقاً للبروفيسورة هانا كلوك، عالمة المناخ في جامعة ريدينغ البريطانية، فإن موجة الحر الحالية نتجت عن الهواء الساخن القادم من الصحراء الكبرى بإفريقيا، قبل أن تستقر الكتلة الهوائية عبر أجزاء من أوروبا.
وأشارت كلوك إلى أن الحرارة قاتل صامت يهدد حياة الناس، وهو ما يستدعي العمل بشكل أكثر جدية للتوقف الفوري عن ضخ الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، وحذرت من أن بعض التغييرات في المناخ لم يعد هناك مفر للهروب من تبعاتها على الكوكب بالفعل.