تمثيل حي لقصة السلحفاة والأرنب.. كيف تفوق عجوز يبلغ من العمر 61 عاماً على اليافعين في الألترا ماراثون؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/14 الساعة 10:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/14 الساعة 10:39 بتوقيت غرينتش
ماراثون / istock

تعتبر قصة مُزارع البطاطس العجوز، كليف يونغ، تمثيلاً حياً لقصة الأرنب والسلحفاة الشهيرة، فعند إلقاء نظرة أولى على سحنته لن تتوقع على الإطلاق أن هذا الرجل البالغ من العمر 61 عاماً، قادر على هزيمة اليافعين في ماراثون للجري، فما قصته؟ 

كليف يونغ.. الفائز بماراثون 1983

لم يراهن كثيرون على فوز مزارع البطاطس الأسترالي كليف يونغ في  أول ألترا ماراثون تم إجراؤه بين مدينتي سيدني وملبورن  عام 1983، وذلك لعدة أسباب، أولها أن الرجل كان يبلغ من العمر  61 عاماً، فضلاً عن أنه كان يبدو بطيئاً للغاية، وكان يجري بطريقة غريبة كما لو أنه يجر قدميه جراً. فضلاً عن أنه لم يكن يرتدي لباساً رياضياً مثل كافة المتسابقين، بل حضر الماراثون مرتدياً حذاء العمل والأفارول. 

لكن يونغ كان واثقاً بفوزه، خاصةً أن نشأته وطبيعة عمله مكنتاه من أن يصبح عدّاء بارعاً، فقد قال في مقابلة له: "تربيت في مزرعة حيث لم نكن قادرين على تحمّل تكاليف الخيول أو الجرارات. وعندما كانت العواصف تضرب، كنت أخرج وأجمع الأغنام. كان لدينا 2000 من الغنم على مساحة 2000 فدان، أحياناً كنت أركض وراء هذه الأغنام ليومين أو ثلاثة أيام. استغرق الأمر وقتاً طويلاً، لكني كنت أمسك بها دائماً. أعتقد أني قادر على الجري في هذا السباق".

وبالفعل، وفي أقل من 6 أيام، ركض كليف يونغ 544 ميلاً (875.5 كيلومتر) وفاز بالألترا ماراثون، وحطم الأرقام السابقة متقدماً على من سبقوه بيومين كاملين. وصُدم العالم بسبب أسلوبه غير التقليدي وانتصاره المفاجئ. فكيف استطاع مزارع يبلغ من العمر 61 عاماً، أن يفوز في أحد أصعب السباقات في التاريخ؟

كليف يونغ وقصة السلحفاة والأرنب 

مع انطلاق السباق، بدا أن كليف يونغ سوف يكون في مؤخرة السباق.

وعندما غادر المشاركون في الألترا ماراثون سيدني، سرعان ما تخلف عنهم يونغ. فمن خلال خطواته البطيئة المميزة، بالكاد استطاع مجاراة وتيرة المتسابقين الآخرين. لكن كل شيء تغير في الليلة الأولى.

صحيحٌ أنه كان متخلفاً للغاية عن العدائين الآخرين في نهاية اليوم الأول من السباق، ولكن بحلول فجر اليوم التالي كان متقدماً بمسافة هائلة. وتشير صحيفة Sydney Morning Herald الأسترالية إلى أن هذا الأمر كان بفضل المدرب الذي درب يونغ، والي زيوسشنر. كان زيوسشنر معروفاً بتكتيكاته القاسية، إذ يُقال إنه أبلغ أحد الرياضيين أنه يستطيع الحصول على راحة فقط عندما يبدأ الدم في النزول من عينيه.

وفي واقع الأمر، فاز مزارع البطاطس بالسباق بفضل مساعدة غير متوقعة من  زيوسشنر. ذهب يونغ للنوم في الليلة الأولى، وضبط زيوسشنر المنبه. ولكن بسبب ضعف بصره، أخطأ مدرب يونغ وضبط المنبه على الساعة الثانية صباحاً، أي قبل عدة ساعات من وقت الاستيقاظ المخطط له.

وعندما دق جرس المنبه، استيقظ يونغ وبدأ في الركض. وقد استغرق الأمر من العداء المترنح بعض الوقت قبل أن يدرك أن الظلام لم يكن قد زال بعد.

وهذه الساعات الزائدة التي ركضها كليف يانغ جعلته متقدماً في السباق. وحوَّل يونغ هذه الميزة، التي وقعت بالصدفة، إلى استراتيجية. وبدلاً من التوقف للنوم في الليل، واصل الركض.

أبلغ يونغ الصحفيين خلال السباق: "إنني مجرد سلحفاة عجوزة. يجب عليّ أن أواصل الركض كي أظل في المقدمة".

كيف نجح كليف يونغ في استغلال خطواته البطيئة للفوز في السباق؟

امتلك كليف يونغ أسلوباً غير اعتيادي في الجري، حتى إن الصحافة أطلقت عليه "خطوات يونغ البطيئة"، لأنه بدا كما لو أنه يجر قدميه ولا يجري.

لكن هذه الخطوات الثقيلة منحت يونغ ميزة هائلة خلال الألترا ماراثون. فمن خلال المحافظة على طاقته، استطاع يونغ الجري لمسافات طويلة بدون الحصول على راحة. وكانت خطواته الثقيلة أيضاً ذات ديناميكية هوائية أفضل من أساليب الجري الأخرى، وذلك وفقاً لصحيفة Sydney Morning Herald.

بحسب موقع Elite Feet، تبنى عداؤون آخرون بعد مدة ليست طويلة من هذا الألترا ماراثون، أسلوب يونغ المميز. بل إن ثلاثة فائزين لاحقين بهذا السباق، حصلوا على المركز الأول في واقع الأمر في نسخ أخرى من الألترا ماراثون نفسه من خلال تبني أسلوب "خطوات يونغ البطيئة".

تابع الجمهور والصحفيون كليف يونغ بينما كان يقترب خطوة تلو أخرى من خط النهاية في ملبورن. 

ومع مرور الأيام، ظل يونغ في مقدمة السباق. وفي فجر اليوم السادس، كانت ملبورن تلوح في الأفق. لكن الأمر استغرق من يونغ عدة ساعات إضافية من الجري حتى إعلانه رسمياً فائزاً بالسباق.

مشاركة أموال الجائزة

في المراحل النهائية من الألترا ماراثون، ظن المتسابق جو ريكورد أنه قد يلحق بيونغ. تباهى ريكورد، البالغ من العمر حينها 41 عاماً، وقال: "أعتقد أنني قادر على اللحاق بكليف العجوز. إنه يقول إنه سلحفاة، لكني أعتقد أن هذا الوغد العجوز أرنب متخفياً".

لكن كليف يونغ حقق الانتصار، ووصل إلى ملبورن في زمن قياسي بلغ 5 أيام و15 ساعة.

وفي نهاية السباق، نال كليف يونغ أموال الجائزة البالغة 10 آلاف دولار. وبدلاً من الاحتفاظ بها لنفسه، أعطى غالبية المال إلى المتسابقين الآخرين.

خلال مقابلة مع مجلة New Vegetarian and Natural Health عام 1997، قال يونغ: "اتفقت أنا وجو ريكورد قبل الجري، على أن من يفوز منا سيقسم أموال الجائزة مع الآخر. نسيت بشأن جو وبدأت في إعطائها إلى المتسابقين على اليمين وعلى اليسار وفي الوسط. أعطيت العدائين الآخرين 4000 دولار".

ولم يمانع ريكورد عندما أعطاه يونغ 3000 دولار، وفقاً لما ورد في موقع All That's Interesting الأمريكي.

ولاحقاً، عندما سُئل عن أبرز ما في سباق الألترا ماراثون، قال: "الجائزة البالغة 10 آلاف دولار! الآن هذا يعادل الكثير من البطاطس".

إرث كليف يونغ

عندما فاز بأول ألترا ماراثون بين سيدني وملبورن، صار كليف يونغ بطلاً في أستراليا. وفجأة، صار الجميع يريدون أن يتعرفوا على مزارع البطاطس الذي ركض لـ544 ميلاً.

أزعج الصحفيون يونغ كي يعرفوا أكثر عن حميته الغذائية. وأوضح يونغ الذي كان نباتياً، كيف أمده تناول الحبوب والفواكه بالطاقة من أجل جولات الجري. قال يونغ خلال حديثه مع صحيفة Sydney Morning Herald: "السر وراء الحياة الطويلة يكمن في الكمثرى المحفوظة والجري. من المؤكد أن هذا يهزم تناول شراب في الحانة".

لم يتوقف يونغ عن الركض قط. وعاد إلى ألترا ماراثون سيدني-ملبورن في العام التالي، 1984، وحصل على المركز السابع، وفقاً لموقع Earthly Mission. وفي السبعينيات من عمره، حاول يونغ الركض حول أستراليا. ولكنه توقف، لأن أحد أعضاء طاقم الدعم الخاص به أصابه المرض. وقد توفي كليف يونغ في عام 2003، في الـ81 من عمره.

علامات:
تحميل المزيد