مع التطور الكبير الذي شهدته التكنولوجيا في العقود الأخيرة، يحاول الكثيرون، بمن فيهم المتخصصون في دراسة تأثير التكنولوجيا على الإنسان، من الناحية النفسية والبدنية، الإجابة على سؤال: كيف غيرت التكنولوجيا أجسامنا من ناحية نفسية وبيولوجية؟
مع وجود اختلافات عن أسلافنا قبل مئات السنين، وحتى الأجيال التي سبقتنا بعقود فقط، من الفروقات بالطريقة التي نتحرك بها، وأنواع الأمراض التي يتعين علينا التعامل معها، وقدرتنا على التركيز على الطريقة التي تعمل بها أدمغتنا.
"تركيز أقل" أحدث تأثير للتكنولوجيا على الإنسان
بحسب مجلة "TIME" يفقد الأشخاص الآن التركيز عموماً بعد 8 ثوان فقط، مما يسلط الضوء على تأثير نمط الحياة الرقمية على الدماغ، بناء على دراسة من شركة Microsoft.
أما من الناحية الإيجابية، فيقول التقرير إن قدرتنا على القيام بمهام متعددة قد تحسنت بشكل كبير في عصر الهاتف المحمول. وافترض القائمون على الدراسة أن التغييرات كانت نتيجة لقدرة الدماغ على التكيف وتغيير نفسه بمرور الوقت، وأن ضعف مدى الانتباه قد يكون أحد الآثار الجانبية للطريقة التي غيرت بها التكنولوجيا أجسامنا.
وأكدت الدراسة أيضاً وجود اختلافات بين الأجيال فيما يتعلق باستخدام الهاتف المحمول. على سبيل المثال، أجاب 77٪ من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً بـ"نعم" عندما سئلوا، "عندما لا يوجد شيء يشغل اهتمامي، فإن أول شيء أفعله هو الوصول إلى هاتفي"، مقارنة بـ 10٪ فقط ممن تزيد أعمارهم عن 65 عاماً.
البشر سابقاً كانوا أقوى وعظامهم كانت أكثر كثافة
قبل أن تبدأ الزراعة منذ حوالي 10000 عام، كان جسم الإنسان يؤدي مجموعة متنوعة من الأعمال. كان بعضها متكرراً للغاية مثل الحفر، أو تجهيز الجلود، أو البحث عن الطعام، أو صناعة الأدوات الحجرية. لكن على مدار الأيام والأسابيع والشهور، كان معدل النشاط البدني سيظل مرتفعاً باستمرار، وكذلك تنوعه.
ولكن عندما بدأ البشر في الزراعة، انخفضت كثافة عظامنا بنحو 30%. نحن نعرف هذا من مقارنة عظام البشر القدامى وبقايا أحافير من العصور الحديثة.
خفضت الزراعة كلاً من مقدار العمل الذي كان على البشر القيام به، فضلاً عن تنوعه. أصبح العمل أكثر تكراراً بشكل معتدل وأسهل قليلاً على جسم الإنسان. لم تكن أجسام المزارعين بحاجة إلى أن تكون قوية.
في دراسة مقارنة أخرى من عام 2017، تم اختبار كثافة عظام المزارعين مع عينات عظام بشرية حديثة. خلصت هذه الدراسة إلى أن أذرع المزارعين منذ 5 آلاف عام كانت أقوى بنسبة 30% من ذراعي الإنسان الحديث. كانت قوية جداً لدرجة أن هؤلاء المزارعين العاديين كانت لديهم أذرع أقوى من فرق التجديف الأولمبية اليوم.
الحرمان من النوم وإجهاد الشاشة والتأثير على الصحة العقلية
التحديق في الشاشة لفترة طويلة يمكن أن يرهق أبصارنا، مما يتسبب في تشوش رؤيتنا وتجفيف أعيننا. قد تعاني أيضاًً من الصداع نتيجة لإجهاد العين الرقمي. تُظهر الأبحاث أن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا خاصة قبل النوم مباشرة يمكن أن يكون له تأثير سلبي على دورات نومنا بفضل الضوء المتوهج المنبعث من الشاشات.
ومع زيادة استخدام الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، يزور المزيد من الأشخاص أطباءهم الذين يعانون من مشاكل في العضلات والعظام مثل إجهاد الرقبة أو التهاب الوتر في المعصم واليد.
كما أن تصفح الإنترنت والرسائل النصية المستمرة لساعات يؤثر سلباً على الجسم ويضغط على أعناقنا وظهورنا. يمكن أن يتسبب النشاط الحركي المتكرر للرسائل النصية والإمساك بهواتفنا الذكية في حدوث توتر عضلي وألم في الساعدين والمعصمين والأصابع. وهي مشاكل كلها لم تكن موجودة بهذه الكثرة لدى الأجيال السابقة.
نقص فيتامين "د" بسبب البقاء في المنزل وارتفاع نسبة الوفيات
الوقت الذي نقضيه في الداخل، مع وجود إضاءة رديئة الجودة تحرم بشرتنا من الفرصة لصنع فيتامين "د"، والذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بظاهرة أصبحت عالمية وهي "قصر النظر".
تشير التقديرات حالياً إلى أنه إذا لم يتم فعل أي شيء للحد من هذا الأمر، فإن نصف سكان العالم سيصابون بقصر النظر بحلول عام 2050، وحوالي 2.5% من الأشخاص الذين يعانون من قصر النظر المرتفع سيصابون بالعمى في سن أكبر.
ومعه يعود مرض "الكساح" إلى الظهور، كما تم ربط نقص فيتامين "د" بالارتفاع الحاد في حساسية الطعام والجوز.
كما تدفع الحياة الحديثة الكثير من الأمراض للانتشار، بداية من الربو و"اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه" إلى "القدم المسطحة" ومرض السكري من النوعين 1 و2.
كما أن السبب الأول للإعاقة العالمية هو آلام الظهر، والذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحياة المستقرة. وبما أن تقنية المعلومات تطيل أيام عملنا وتجهدنا، فإن العضلات التي تضغط على أسناننا في نومنا توسع فكنا أثناء قيامهم بذلك الأمر في الليل.