هل روى لك أحدهم حكايات مخيفة عن الوحوش أو العفاريت التي قد تظهر لك إذا مشيت وحدك ليلاً؟ هذه الكائنات الخيالية ليست حكراً على القصص الشعبية في منطقتنا فحسب، ففي اليابان على سبيل المثال، لديهم أسطورة مشابهة عن سيدة شابة جذابة تظهر لك في حال كنت تسير وحدك ليلاً، قد يفتنك مظهرها في بداية الأمر وتتساءل لمَ تغطي هذه الجميلة فمها بمروحة اليد اليابانية الشهيرة، لكنها لن تتركك في حيرة طويلاً، ستقترب منك "كوتشيساكي أونا"، وتسألك سؤالاً بسيطاً: "Watashi, kirei" أو "هل أنا جميلة؟".
إذا كانت الإجابة "نعم"، تكشف كوتشيساكي أونا عن وجهها بالكامل، فيظهر فمها الغريب النازف المشقوق من الأذن إلى الأذن. وتسأل مجدداً: "هل أنا جميلة؟". وإذا أسعفتك البديهة وأجبت "نعم" ثانية، فقد تقرر هذه المرأة المرعبة تركك بحالك، لكنها قد تقرر أيضاً اللحاق بك لتقتلك في المنزل.
أين نشأت أسطورة كوتشيساكي أونا، السيدة ذات الفم المشقوق؟
مثلما هو الحال مع كثير من الأساطير الشعبية، قد يكون من الصعب تتبُّع أصول كوتشيساكي أونا. ويُعتقَد أنَّ القصة ظهرت لأول مرة خلال حقبة "هيان" (794-1185 ميلادية). ومثلما تفيد مجلة The Atlantic الأمريكية، لربما كانت كوتشيساكي أونا في السابق زوجة ساموراي أقدم على تشويهها بعدما خانته.
وتذكر نسخ أخرى لتلك القصة أنَّ امرأة غيوراً هاجمتها بسبب جمالها، أو أنَّها تعرَّضت للتشوه خلال عملية طبية، أو أنَّ فمها مليء بالأسنان الحادة.
وعلى أي حال، أصبحت المرأة المعنية في نهاية المطاف باليابانية "onryō"، أو شبحاً يسعى للانتقام. وينقسم اسمها إلى "كوتشي-Kuchi" ويعني الفم، و"ساكي-Sake" ويعني المُمزَّق أو المشقوق، و"أونا–Onna" ويعني سيدة، وبالتالي "كوتشيساكي أونا" (السيدة ذات الفم المشقوق).
أوضحت قاعدة بيانات على الإنترنت للفلكلور الياباني تُدعى "Yokai"، أنَّ "أرواح الموتى الذين قُتِلوا بطريقة بالغة العنف –الزوجات المُعنَّفات، أو الأسرى المُعذَّبين، أو الأعداء المهزومين- غالباً لا ترقد مستقرة. ويُعتَقَد أنَّ كوتشيساكي أونا واحدة من أولئك النساء".
فبعد وفاة كوتشيساكي أونا، سرعان ما سعت تلك الروح المعذبة للانتقام.
"هل أنا جميلة؟"
تقول الأسطورة إنَّ كوتشيساكي أونا تلاحق ضحيتها ليلاً، وتقترب غالباً من السائرين بمفردهم. تكون روح كوتشيساكي أونا مرتديةً كمامة طبية –في النسخ الحديثة من الأسطورة- أو ممسكةً بمروحة يد تخفي وجهها، وتسأل ضحيتها سؤالاً بسيطاً لكنَّه خطير: "هل أنا جميلة؟".
إذا قالت ضحيتها "لا"، تهاجمها الروح الساعية للانتقام على الفور بسلاح حاد، يُوصَف أحياناً بأنَّه مقص، وأحياناً بسكين جزار. وإذا قالت "نعم"، تُزيل الروح الكمامة أو مروحة اليد كاشِفةً فمها المشوه النازف. وتسأل مجدداً: "Kore demo؟"، والتي يمكن ترجمتها تقريباً إلى "حتى الآن؟".
وإذا ما صرخت ضحيتها أو قالت بصوت عالٍ "لا"، تُشوِّهها كوتشيساكي أونا حتى تصبح مثلها. وإذا أجابت بـ"نعم"، فقد تدعها تذهب. لكنَّها تعود خلال الليل وتقتلها.
لكن ألا توجد طريقة للتهرب من هذا السؤال دون التعرض للأذى؟ وفقاً لما ورد في موقع All That's Interesting الأمريكي، يمكن للضحية أن تجاوب السيدة ذات الفم المشقوق بأنها تبدو "عادية"، كذلك من الممكن إلقاء حلوى صلبة تُدعى bekkō-ame عليها، أو ذكر كريم الشعر، الذي لا تستطيع كوتشيساكي أونا لسبب ما، أن تتحمَّل ذكره.
أسطورة كوتشيساكي أونا اليوم
على الرغم من كونها أسطورة قديمة، استمرت قصص كوتشيساكي أونا لمئات السنين. فتفيد قاعدة بيانات Yokai بأنَّها انتشرت خلال حقبة "إيدو" (1603–1867 ميلادية)، ولو أنَّ مقابلات كوتشيساكي كانت في كثير من الأحيان تُنسَب إلى روح مختلفة متغيرة الشكل تُعرَف باسم "كيتسونه". وفي القرن العشرين، حظيت هذه الأسطورة المخيفة بعودة جديدة.
إذ يفيد موقع Nippon الياباني بأنَّ القصص حول سيدة غامضة ذات فم مشقوق بدأت الانتشار عام 1978. ولم يكن ذلك من قبيل الصدفة، إذ كانت تلك هي الفترة نفسها التي بدأ فيها كثير من الأطفال اليابانيين ارتياد المدارس التحضيرية، التي يرتادها الأطفال في اليابان من أجل تحضيرهم لامتحانات المدرسة الثانوية الصعبة.
وصرَّح ليكورا يوشيوك، الأستاذ المساعد بجامعة كوكوجاكوين، والذي يُجري أبحاثاً في الأدب الشفهي، لموقع Nippon: "قبل ذلك، كان من النادر أن تنتقل الشائعات إلى منطقة تعليمية أخرى. لكنَّ المدارس التحضيرية جمعت الأطفال من مناطق مختلفة معاً، وقد نقلوا القصص التي سمعوها بشأن المدارس الأخرى ليرووها في مدارسهم".
ومع زيادة تقدُّم تقنيات الاتصال –مثل شبكة الإنترنت- انتشرت أسطورة كوتشيساكي أونا أكثر. ونتيجة لذلك، اكتسبت بعض أجزاء هذه الأسطورة المخيفة خصائص مناطقية جديدة.
فأوضح ليكورا: "حين تنقل قصة شفهياً، سيعتمد ذلك دوماً على الذاكرة، لذا حتى لو كانت هناك تغييرات بسيطة، تبقى التفاصيل الرئيسية هي نفسها. وعلى شبكة الإنترنت، يمكنك نسخها ولصقها أو تغييرها تماماً إذا شئت. وحين تنتقل الأساطير الشعبية إلى مدن في بلدان أخرى، يمكن أن تتغيَّر كي تلائم الثقافة المحلية بصورة أكبر".
ويُقَال في بعض الأماكن إنَّ الروح الساعية للانتقام تضع كمامة حمراء. ولا يمكن للأرواح الشريرة في مناطق أخرى إلا أن تسير في خط مستقيم، لذا تُوصَف كوتشيساكي أونا بأنَّها عاجزة عن الانعطاف إلى ركن ما أو مطاردة شخص ما صعوداً على السلالم. وفي مناطق أخرى، تكون برفقة صديقٍ لها يملك هو الآخر فماً مشقوقاً ويضع كمامة.