عثر باحثون على العناصر الستة الرئيسية اللازمة لوجود الحياة للمرة الأولى داخل محيطٍ فضائي، بعد اكتشاف عنصر الفوسفور لأول مرة في مياه أحد أقمار كوكب زحل، بحسب ما نشرت صحيفة The Times البريطانية الجمعة، 16 يونيو/حزيران 2023.
بحسب الباحثين، فقد تم تمييز القمر إنسيلادوس، باعتباره من أرجح الأماكن للعثور على حياةٍ خارج كوكب الأرض في نظامنا الشمسي، حيث إن قُطر قمر زحل يساوي سُبع قطر قمر كوكب الأرض، ويتمتع بلبٍّ صخري وقشرة متجمدة، لكنه يحتوي بين لبه وقشرته على محيطٍ بعمق يصل إلى 9.6 كم.
وقضى مسبار كاسيني 13 عاماً في الدوران حول زحل، والتحقيق في وضع الكوكب ونظام حلقاته وأقماره. ثم جرى إدخاله عن عمدٍ بين سحب زحل في عام 2017 ليواجه نهايته، ويجمع في الوقت ذاته بيانات عن الغلاف الجوي لزحل.
ونجح المسبار أثناء تحليقه بجوار إنسيلادوس في تحليل المياه السائلة التي تندفع من سطح القمر في انبعاثات عمودية، يصل طولها إلى 9,656 كم، قبل أن تتجمد في صورة بلورات جليدية تُشكل إحدى حلقات زحل المعروفة باسم الحلقة "إي"، والتي تتبع مدار إنسيلادوس.
يُذكر أن اختصار CHNOPS بالإنجليزية يشير إلى 6 عناصر هي: الكربون، والهيدروجين، والنيتروجين، والأكسجين، والفوسفور، والكبريت. وتُعد هذه العناصر بمثابة اللبنات الأساسية الضرورية لوجود الحياة، وقد رصدت أجهزة المسبار كاسيني 4 من تلك العناصر في الانبعاثات العمودية، وهي عناصر الكربون والهيدروجين والنيتروجين والأكسجين، التي كانت ممتزجةً مع ثاني أكسيد الكربون والميثان والأمونيا وسيانيد الهيدروجين.
كذلك يُعتقد أن مسبار كاسيني قد رصد عنصر الكبريت أيضاً، بعد العثور عليه، مرتبطاً بمركب كبريتيد الهيدروجين.
بينما كان عنصر الفوسفور هو العنصر الوحيد الذي يفتقر إليه القمر إنسيلادوس. ويُعَدُّ هذا العنصر ضرورياً لبناء الحمض النووي، كما يمتزج مع السكريات حتى يُشكل العمود الفقري لجدائل الحمض النووي.
إيجاد العنصر المفقود
وبعد سنوات من تحليل بيانات مسبار كاسيني، يؤمن الباحثون الآن بأنهم قد اكتشفوا العنصر المفقود؛ حيث ذكر الباحثون في ورقةٍ بحثيةٍ بدورية Nature العلمية أنهم عثروا على الفوسفور، ممتزجاً مع فوسفات الصوديوم داخل انبعاثات القمر العمودية.
وأفادت الورقة البحثية بأن "عنصر الفوسفور يُعَدُّ الأقل وفرةً بين العناصر الأساسية اللازمة للحياة، ولم يسبق اكتشافه داخل محيط خارج كوكب الأرض. في ما تشير دراسات النمذجة الجيوكيميائية السابقة إلى أن عنصر الفوسفات قد يكون نادراً في محيط إنسيلادوس، وكذلك غيره من عوالم المحيطات الجليدية الأخرى".
ثم أردفت الورقة البحثية: "لكن النمذجة الأحدث للذوبانية المعدنية في محيط إنسيلادوس تكشف أن الفوسفات قد يكون وفيراً نسبياً هناك. كما تشير نتائج الرصد، والتجارب التناظرية المخبرية، إلى وجود الفوسفور بسهولة في محيط إنسيلادوس".
وقال الأستاذ فرانك بوستبيرغ، المؤلف الرئيسي للدراسة، ورئيس قسم علوم الكواكب في جامعة برلين الحرة، لصحيفة Washington Post الأمريكية: "لقد توصلنا الآن فعلياً إلى أن محيط إنسيلادوس الجوفي هو واحد من أكثر الأماكن الصالحة للعيش في نظامنا الشمسي، وذلك على حد علمنا على الأقل. لكن هذا لا يعني أنه يستضيف حياةً من نوعٍ ما، أو أنه مأهول بالسكان في الواقع".
وتُمثل الطاقة العنصر الآخر الضروري من أجل الحياة. إذ يبعد كوكب زحل نحو 1,448 مليون كم عن الشمس، مما يمنح الكوكب وأقماره كمية قليلة للغاية من ضوء الشمس. لكن قوى الجاذبية التي يتعرّض لها القمر إنسيلادوس من كوكبه المضيف الضخم تُعَدُّ كافيةً لتدفئته، لأن جاذبية زحل تؤدي إلى ضغط القمر وتمدده، مما قد يوفر الطاقة الضرورية من أجل ظهور الحياة واستمرارها.
وأوضحت الورقة أن الغياب المفترض للفوسفور كان يُنظر إليه باعتباره "عاملاً يُقيد استمرار الحياة المفترضة على القمر إنسيلادوس". لكن بعد رصد الفوسفور الآن؛ أثبت هذا القمر أنه واحد من أكثر العوالم المبهرة في رحلة بحثنا عن حياة خارج كوكب الأرض.