لا يشبهون بقية سكان دولتهم باكستان، ولا يتحدثون لغتهم، حتى عاداتهم وتقاليدهم مختلفة جداً، بالرغم من أن مجموعة كبيرة منهم ديانتهم الإسلام.
إنهم شعب قبيلة الكيلاش، الذين يعيشون في قمم جبال شمال باكستان الجليدية، ويشكلون مجتمعاً صغيراً خاصاً بهم، يلفه الغموض، سواء تعلق الأمر بتاريخهم، أو سبب اختلافهم، مقارنة بباقي سكان باكستان.
وعلى مر السنين قام العديد من العلماء والباحثين الأنثروبولوجيين بمحاولة دراسة تاريخ هذا الشعب، ومعرفة أصولهم الحقيقية، إلا أنه لم يتم التوصل إلى جواب قطعي، في الوقت الذي توجد فيه عدة احتمالات وتكهنات.
ما هي أصول شعب قبيلة الكيلاش؟
الشائع عن شعب قبيلة الكيلاش الباكستانية أنهم من نسل الإسكندر المقدوني الأكبر، إذ يُقال حسب الروايات الشائعة عنهم إن بعضاً من جيوشه ضلوا طريقهم، قبل مئات السنين، ليحطوا الرحال في شمال باكستان، وتتحول تلك الأرض موطناً لهم، عاشوا فيه وتكاثروا إلى يومنا هذا.
فيما تقول روايات أخرى، على لسان سكان الكيلاش، بحسب ما نشره الموقع الخاص بالقبيلة "thekalashatimes"، إن أصولهم تعود إلى مكان يسمى تسيام، وهو الاسم القديم لتايلاند، وهذا هو الاعتقاد السائد بين الجيل الجديد.
ما يميز شعب الكيلاش، والذين لا يتعدى عددهم 6000 شخص، هو شكلهم المختلف جداً عن بقية سكان الباكستان، إذ إن لون بشرتهم أبيض فاتح، وأعينهم ملونة، والكثير منهم ذوو شعر أشقر، وكأنهم من أهالي أوروبا، أو روسيا، مع الإشارة إلى أن التحاليل الأخيرة التي أُجريت سنة 2012، بيّنت أنهم من أصول باكستانية أصلية، مع ذلك مازالت هناك حاجة للمزيد من البحث العلمي.
ثقافة شعب قبيلة الكيلاش
هناك عدة عوامل أخرى تميز شعب الكيلاش، مقارنةً بباقي المواطنين الباكستانيين، بعيداً عن الشكل الخارجي، وتتمثل في كل من طريقة لباسهم، وتقاليدهم، وثقافتهم، ولغتهم.
وعند الحديث عن الثقافة فإن شعب الكيلاش يعرف على أنه يعيش بسعادة، وذلك بسبب الحرية التي يعيشون بها، بعيداً عن أي قيود، خصوصاً النساء منهم، إذ إنه لا فرق بين المرأة والرجل هناك، كما أن للمرأة بعض الصلاحيات التي لا تتوفر للرجل، ولذلك يطلق عليهن لقب "النساء الأحرار".
إذ يحق لنساء الكيلاش الزواج أكثر من مرة، من خلال التخلي عن زوجها، ثم الزواج من الشخص الذي تختاره، دون الحاجة إلى موافقة الزوج الأول.
فيما يكون على الزوج الجديد واجب دفع مهر مضاعف مقارنة بمهرها من الزوج الأول، هذا الأخير الذي يأخذ نصف المبلغ، وكأنه استرجاع للمال الذي دفعه عند الزواج، فيما يأخذ أبو الزوجة النصف الثاني من المهر.
وبالرغم من توفرهن على هذا الحق فإن أغلب النساء لا يستعملنه، وذلك من أجل حماية أطفالهن، والحفاظ على ترابط أفراد أسرهن.
ومن جهة أخرى، فإن شعب قبيلة الكيلاش يُعرفون بكونهم متفائلين جداً، حتى في أصعب الأوقات من حياتهم، وذلك لأنهم مؤمنون بأنه لا يمكن إيقاف التغييرات التي تحصل في الحياة، لكن في المقابل يمكن التعامل بحكمة من أجل إبطاء حدة هذه التغييرات والتحديات.
ديانة شعب الكيلاش
منذ القديم يؤمن شعب الكيلاش بإله واحد يسمونه "Dezau"، ويطلق عليه بالفارسية اسم "Khudai"، واختلاف الأسماء والمعابد جعل الكثير من المؤلفين يتوقعون أن هذا الشعب يؤمن بأكثر من إله.
وهناك الكثير من أوجه التشابه بين ديانة شعب الكيلاش، التي تصنف على أنها من بين الديانات الوثنية، والإسلام، من بينها انتظام أوقات الصلاة اليومية، وابتعاد النساء عن العبادة في فترة الحيض أو النفاس.
كما أنهم لا يعبدون الأصنام أو الحيوانات، فيما يقومون بتقديم أضحية للآلهة في مناسبات خاصة، الأمر الذي جعل عدداً كبيراً من الكيلاشيين يعتنقون الإسلام خلال الفترات الأخيرة، بعد اختلاطهم مع بقية المسلمين من الباكستانيين.
ملابس شعب قبيلة الكيلاش التقليدية
يرتدي سكان شعب الكيلاش لباساً فريداً وملوناً تقليدياً، يرمز بشكل واضح لهويتهم وثقافتهم، إذ من خلاله يمكن تمييز سكان القبيلة عن الغرباء بكل سهولة.
إذ كانوا قديماً يستخدمون الصوف من أجل تصميم ملابسهم، التي تمتاز بشكلها المطرز، خصوصاً أنهم يعيشون في مناخ بارد، إلا أنه وبسبب ندرة وغلاء هذا النوع من القماش أصبح سكان الكيلاش يستخدمون الأقمشة القطنية والحريرية لملابسهم.
لكن وبالرغم من اختلاف الأسعار فإن شعب الكيلاش ينظمون سنوياً، في شهر ديسمبر/كانون الأول، مهرجان الشتاء المسمى "Cawmos"، يتم فيه ارتداء الملابس التقليدية الصوفية القديمة من قِبل الأطفال.
شعب الكيلاش المنعزل عن العالم
بسبب العزلة التي عاشها شعب الكيلاش على مر السنين، إذ إنهم كانوا في السنة الواحدة يبقون محاصرين داخل قبيلتهم لمدة 6 أشهر متواصلة، بسبب كثافة الثلوج، تمكنوا من المحافظة على ثقافتهم وتقاليدهم ولغتهم الفريدة، وهي مزيج بين الفارسية والهندية، دون التأثر بالعالم الخارجي.
وبسبب غياب جميع أنواع التواصل التي يمكن أن توثق تاريخ القبيلة منذ مئات السنين، فإن جميع الروايات التي يتم الترويج لها حالياً عن هذا الشعب، هي روايات شفوية، يحكيها كبار السن للجيل الجديد، هؤلاء الذين أصبحوا أكثر انفتاحاً وتواصلاً مع العالم الخارجي، بفضل التطور التكنولوجي، ما جعل هذه القبيلة تشتهر بشكل كبير، وتصبح محط اهتمام الإعلام، والباحثين، والسياح، على حد سواء.
وأكثر ما يميز الأراضي التي يعيش فيها سكان قبيلة الكيلاش هي الموارد الطبيعية، من غابات وأنهار ووديان، بالرغم من أنها مازالت تفتقر إلى أبسط المرافق، وذلك بسبب عدم تدخل الحكومة الباكستانية من أجل تطوير هذه المنطقة، التي أدرجت بعض معالمها التاريخية من معابد ومساجد ضمن التراث العالمي سنة 2008.
الأنشطة الفنية والرياضية في قبيلة الكيلاش
ينظم شعب الكيلاش أربعة مهرجانات موسمية رئيسية في السنة، إذ يقام مهرجان "زوشي" الربيعي في الفترة من 14 إلى 16 مايو/أيار.
ثم مهرجان الخريف، الذي يتم الاحتفال به في الفترة من 18 إلى 22 أغسطس/آب، لكن التحضيرات تبدأ غالباً في شهر يوليو/تموز.
أما المهرجان الثالث فيحمل اسم "P'O"، وينظم في منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول، ويقام فقط في منطقة قرب وادي "بيريو".
أخيراً مهرجان "Cawmos"، الذي يمتد في الفترة ما بين 7 إلى 22 ديسمبر/كانون الأول، إذ يتم فيه ارتداء الملابس الشتوية، وتقديم الوجبات الشهيرة هناك.
فيما يشتهر الكيلاشيون بلعب رياضة "غولف الثلج"، وتسمى "cikik ghal"، والتي يتم تنظيم مسابقات لها في فصل الشتاء، وتتم من خلال المنافسة بين قريتين مختلفتين دون تحديد اللاعبين، ويتم تحديد القبيلة الفائزة من خلال أقوى 3 لاعبين بينهم.
وعلى الفريق الخاسر التضحية بثور، من أجل تقديمه طعاماً لسكان قرية الفريق الفائز، مع تنظيم حفل موسيقي للاحتفال بالانتصار.