من منا لا يحب البالونات، أو لا يبتهج عند رؤية الكثير منها متطايراً في الهواء؟ في حقيقة الأمر هناك مدينة أمريكية معينة قد يُصاب سكانها بالذعر والحزن الشديد لمجرد سماع كلمة "بالونات" مرة أخرى، بعدما تسببت هذه الأدوات الترفيهية المطاطية في إحدى أكثر كوارثها البيئية إثارة للجدل.
في 27 سبتمبر/أيلول من العام 1986، تم إطلاق 1.4 مليون بالون ملون في الغلاف الجوي لولاية كليفلاند الأمريكية، وما حدث بعد ذلك كان سلسلة من الأحداث التي لم يتوقعها أحد.
تحول الحدث الوطني الذي كان من المفترض أن يكون سبباً لجمع تبرعات على هامش سلسلة من الفعاليات والأنشطة الممتعة والإيجابية، إلى كارثة حقيقية هددت المدينة اقتصادياً وكلفتها ملايين الدولارات من الأضرار والدعاوى القضائية.
حدث تاريخي لجمع التبرعات لكنه باء بفشل ذريع
تم تنسيق مهرجان البالونات الكبير في كليفلاند بالولايات المتحدة الأمريكية ليكون بمثابة حدث لجمع تبرعات خيرية للمنظمات غير الربحية. وكان أيضاً فرصة لتحطيم رقم قياسي في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، بإطلاق أكبر عدد ممكن من البالونات في الهواء دفعة واحدة.
كانت ديزني قد سجلت للتو رقماً قياسياً لأكبر إطلاق بالون متزامن قبل عام من هذا التوقيت، لذلك كانت المدينة تتطلع إلى تخليد اسمها في موسوعة الأرقام القياسية بعد تحطيم الرقم.
الحدث الذي سُمي بـ"مهرجان بالونات 86″ كان متوقعاً ومنسقاً للغاية، واستقطب الآلاف من المتطوعين لمهمة نفخ 1.4 مليون بالون بالهيليوم. وفي غضون ساعات قليلة من إطلاق البالونات بدأت الكارثة.
أخطاء لوجستية لم توضع في الحسبان
بينما تم تنظيم الحدث نفسه من قبل منظمة "يونايتد واي" الخيرية بكليفلاند، تم تنظيم الخدمات اللوجستية لمهرجان البالونات وإطلاقها في الهواء من قبل شركة تسمى "بالون آرت باي تريب" (BalloonArt by Treb) خارج لوس أنجلوس.
وكانت هي نفس الشركة التي مكنت ديزني لاند من الفوز باللقب قبل عام، ونسقت فعاليات السوبر بول لكرة القدم الأمريكية، وحتى ترشيحات الرئاسة في فعاليات ناجحة بدون مشكلات.
وقد قضت الشركة اللوجستية 6 أشهر في التحضير للمهرجان، وأكدت بثقة أنه لن يحدث أي خطأ. حيث نسقت هيكلاً مستطيلاً بحجم بناية من ثلاثة طوابق، وغطته بشبكة تم إعدادها لحمل كمية هائلة من البالونات.
وحول خطوة إرسال البالونات في الهواء، كانت الفكرة هي إطلاق ما يقرب من مليون ونصف بالون دفعة واحدة، لجعلها تغطي السماء بألوان مختلفة.
وكان المتوقع أن البالونات ستظل طافية حتى تسقط أخيراً على الأرض وتتحلل بيولوجياً، إلا أن أحداً لم يراعِ التغيّرات في الطقس التي قد تتداخل مع العملية.
عاصفة ممطرة غيرت نتائج المهرجان بالكامل
في الساعة 1:50 مساءً تم إطلاق البالونات في الهواء، وبالفعل تمكنت ولاية كليفلاند من كسر رقم ديزني لاند القياسي. وبأكثر من مليون و400 ألف منها كانت السماء مثل لوحة قماشية من الموجات المتمازجة باللون الوردي والأبيض والأصفر والأزرق.
لكن لم يتوقع الناس أن المشهد المبهج يتحول إلى كارثة أمام أعينهم بسبب العاصفة الماطرة التي تطورت في السماء في ذلك الوقت، ومنعت البالونات من الارتفاع بشكلٍ كافٍ في السماء.
إذ بدأت البالونات في الانجراف فوق المدينة وبحيرة إيري والمنطقة المحيطة بها، ما أدى إلى سلسلة من الحوادث بسبب شل حركة المرور، كما أثرت البالونات على مطار قريب وأوقفت خطوط الطيران.
حتى إن حدث مهرجان البالونات الكبير تداخل مع عملية بحث لخفر السواحل في مياه بحيرة إيري، كانت تبحث عن اثنين تعرضا لحادث مركب سريع، وبسبب البالونات التي غطت مياه البحيرة لم يتمكن رجال الإنقاذ من إيجاد الرجلين، ووجدوهما غارقين في وقت لاحق.
تضمن المشهد عواقب وخيمة، واجه فيها المنظمون والمدينة دعاوى قضائية طالبت بتعويضات بملايين الدولارات. ووضعت الكارثة بأكملها الحدث في خسارة صافية كبيرة عوضاً عن جمع التبرعات كما كانت الخطة، بعدما تسبب الطقس المؤسف والمطر الكثيف في الكارثة.
دعوات قضائية وخسائر بملايين الدولارات
تسبب المطر في نزول البالونات وهبوطها في كل مكان، ولأن البالونات كانت تغيم السماء الملبدة بالغيوم بالفعل في ذلك اليوم، اضطر مطار بورك ليك فرونت إلى إغلاق مدرجاته وإلغاء الرحلات.
كما أثرت البالونات على مراعي الحيوانات في الولاية، وتسببت في ذعر وهروب العشرات منها، ما دفع مالكيها إلى رفع قضايا ضد الولاية ومنظمي المهرجان.
كما رفعت زوجة إحدى الصيادين على متن المركب دعوى بالتسبب في مقتل زوجها بسبب البلالين، وانتهت بالتسوية دون الإفصاح عن الشروط. لينتهي الأمر بالولاية إلى الدخول في تسويات عديدة يُعتقد أنها كلفت ملايين الدولارات، دون أن يتم الإفصاح عنها لوسائل الإعلام.
إلا أن مراقبين قالوا إن الخسائر كانت ضخمة، فالحدث نفسه وسعر هذا الكم الكبير من البالونات التي تم إطلاقها في الهواء كلفا نصف مليون دولار تقريباً في ذلك الوقت، لذا في نهاية المطاف لم تتمكن الولاية من جمع المال الذي طمحت إليه، بل على العكس تكبدت الكثير من الخسائر المادية ضمن جهود الإنقاذ والتنظيف والتعويضات.
نهاية مؤسفة لمهرجان البالونات
لحسن الحظ، كانت بالونات اللاتكس قابلة للتحلل البيولوجي على الأقل. ومع ذلك، استغرق عددها المهول عدة أشهر حتى انهارت وفرغت من الهليوم.
وبغض النظر عن قابليتها للتحلل البيولوجي، كان هبوطها الكارثي قبل أن يفرغ منها الهيليوم كما جرت العادة، بسبب العاصفة الممطرة، هو مصدر سلسلة الكوارث في المهرجان، ليصبح هذا الحدث من أكثر المناسبات إثارة للجدل في تاريخ الولاية الأمريكية.
علاوة على كل هذا، لم تستمر كليفلاند في حمل لقب الرقم القياسي الجديد لفترة طويلة. فبعد عدة سنوات، وفي عام 1994، تجاوزت مدينة ويلتشير بإنجلترا الرقم القياسي بعدما أطلقت 1.7 مليون بالون في الهواء، لكن لحسن الحظ لم تمطر السماء في ذلك اليوم.